فخامة الرئيس جلال طالباني
وجه فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني، كلمة بمناسبة افتتاح مهرجان كلاويش الثقافي و
الأدبي في دورته الثانية عشرة، ألقاها نيابة عنه المستشار السياسي لرئيس الجمهورية الدكتور
جلال الماشطة. و فيما يلي نص الكلمة:
"أيتها الأخوات أيها الأخوة الاكارم
احيي من صميم القلب المشاركين في الدورة الثانية عشرة لمهرجان كلاويش الذين توافدوا من
جميع أنحاء العراق، و أبناء وطننا الذين وصلوا من الخارج. و أرحب ترحيباً خاصاً بالضيوف
الأعزاء من البلدان العربية الشقيقة و من سائر أنحاء العالم الذين يحلون أهلاً بيننا. لقد أرسى
مهرجان كلاويش، منذ انطلاقته الأولى، تقاليد الثقافة الديمقراطية الرافضة آنذاك لما كان يمارسه
النظام البائد من استبداد سياسي و جور قومي و قمع فكري. و غدا المهرجان واحدة من أدوات
حشد الطاقات الفكرية و الثقافية لمقاومة النظام الديكتاتوري و المساهمة في زعزعة
أركانه و إسقاطه.
و كانت المهرجانات التي تقام في الأراضي الكردستانية المتحررة من قبضة الديكتاتور، متنفسا
لجميع المثقفين العراقيين الذين قد يتباينون في انتماءاتهم القومية و الدينية و الفكرية و
السياسية، لكنهم كانوا موحدين في طموحهم إلى التخلص من براثن الطغيان و بناء عراق حر
جديد. و لقد كنا إبان مرحلة مقارعة الدكتاتورية نحرص على نقل كتبنا بين الجبال حرصنا على
نقل المؤونة. و قد رفعنا شعار "الخبز و الحرية و الحياة الكريمة" إيماناً منا بالترابط الوثيق بين
توفير الرخاء المادي و تأمين أجواء الديمقراطية والكرامة البشرية.
و بانهيار الديكتاتورية انفتحت آفاق رحبة أمام أبناء الشعب، و مثقفيه خاصة، للتعبير الحر عن
آرائهم، و اكتسب مهرجان كلاويش أهمية خاصة بوصفه واحدا من المنتديات التي تتيح
للمشاركين فيها إمكانية تبادل الأفكار و الخبرات و المساهمة في صنع
المشروع النهضوي للعراق.
إن الثقافة، أيتها الأخوات و الأخوة هي واحدة من أهم أدوات التغيير في المراحل الانعطافية الكبرى
كتلك التي تمر بها بلادنا حاليا. و يضطلع المثقفون بدور استثنائي في صياغة الأفكار و تنقيحها و
رسم معالم المستقبل و تشخيص العقبات التي تعترض مسيرة تقدم المجتمع.
و لكي تغدو الثقافة فعلا محركا في عملية البناء الجديد، لا بد من وجود عدد من المستلزمات
الضرورية، وفي المقدمة من ذلك إشاعة أجواء الحرية و الانفتاح على الحضارات و الأفكار
المختلفة، إضافة إلى التزام الدولة بتوفير المقومات المادية و وضع التشريعات التي تخلق بيئة
محفزة للعمل الثقافي، و إقامة بنى تحتية واسعة في المدن و الأرياف، من مكتبات و مسارح و
مراكز بحث ودور نشر و ما إلى ذلك.
و من جهة أخرى لا بد من وجود تواصل و تكامل بين صناع الفكر و الثقافة و بين العاملين في
المجال العام و السياسة، إذ إن أياً منهما لا يمكن أن يبقى بمنأى عن تأثير الآخر، و انطلاقا من
ذلك دأبنا على مؤازرة و تعضيد الثقافة بكل الوسائل المتاحة إيماناً منا بدورها الاستثنائي في بناء
عراق ديمقراطي اتحادي تعددي.
إننا ندرك أهمية الدور الذي يلعبه الكتاب و الإعلاميون و الباحثون في مناقشة القضايا المفصلية
التي يواجهها المجتمع، و ليس أدل على ذلك من النقاشات المستفيضة التي رافقت و ترافق
صياغة و إقرار اتفاقية انسحاب القوات من العراق.
إن إقرار هذه الاتفاقية يعني استكمال عناصر السيادة و الاستقلال و تدعيم ركائز الأمن والاستقرار
و توسيع عمليات إعادة الإعمار و تسريعها.
و أن تحقيق التوافق الوطني حول هذه وغيرها من القضايا المركزية هو الركيزة التي يستند إليها
بنيان الدولة الجديدة والضمانة الكفيلة بانطلاق المشروع النهضوي العراقي.
و ها هنا يلعب العاملون في حقول الفكر والثقافة و الإعلام دوراً أساسياً في بلورة الأفكار و
مناقشتها وتطويرها، و بالتالي فأن مهرجانات مثل مهرجان كلاويش تغدو عنصرا فاعلا ليس في
المجال الثقافي فحسب، بل و في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية، خاصة و ان
مهرجان كلاويش أصبح ملتقى للكرد و العرب، للتركمان و السريان، للمسلمين و المسيحيين، و
سائر قوميات و أطياف الشعب العراقي.
إن تواجد هذا الجمع من المثقفين يتيح فرصة نادرة لوضع برامج لبحوث ميدانية مشتركة و
لتعزيز حركة الترجمة و خاصة بين اللغتين العربية و الكردية و تفعيل التبادل الثقافي عبر إقامة
مهرجانات و ندوات علمية و معارض، و إصدارات أدبية وفكرية مشتركة. و هذا ما ننتظره و
نأمله من مهرجانكم الذي أتمنى له النجاح و لكل منكم المزيد من العطاء و الإبداع.
و السلام عليكم
جلال طالباني
رئيس جمهورية العراق"