إذا كان صعود جماعة الإخوان المسلمين السياسي بعد ثورة يناير مثًل مفاجأة للكثيرين في ظل ما بدا للبعض خفوت صوت الأحزاب الرسمية مع تنحي الرئيس مبارك،
إلا أن ظهور التيار السلفي بشكل مكثف خلال الأيام الماضية أحدث لدي الكثيرين من الشعب المصري صدمة امتزجت بحالة من التوجس والخوف. ومرجع الصدمة هنا الصورة المخيفة التي ظهر أو أُريد أن يظهر بها التيار، الذي طالما ابتعد عن الانشغال بالسياسة، واتخذ منحى انعزاليا عن قضايا المجتمع السياسية ، بل إن بعض فصائل ذلك التيار كانت تنادي بطاعة الحاكم وعدم الخروج عليه، وإن كان فاسقاً!
وكغيره من التيارات السياسية والدينية في مصر استفاد التيار السلفي من نتائج ثورة 25 يناير بصورة لم يتوقعها أحد، وهو ما مثّل مفاجأة حقيقية للمراقبين، ربما فاقت ما اكتسبه التيار الوسطي المتمثل في جماعة الأخوان المسلمين، خاصة وأن التيار السلفي لم يشارك في الثورة، ولم يكن له وجود يذكر داخل ائتلاف شباب الثورة، بيد أنه وبعد نجاح الثورة وتنحي مبارك، استطاع التيار أن يجذب الأضواء وإن كان بشكل صادم ومخيف. إلا أنه وبحسب المتابعين أوجد لنفسه أرضية على الساحة المصرية فاقت الوجود السياسي للتيارات والحركات الإسلامية الأخرى، خاصة في الأقاليم والمدن الريفية المصرية.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية يعتبر التيار السفلي أبرز الرابحين من سقوط نظام مبارك، فقد تم إطلاق سراح الكثير من معتقلي التيار، وعاد الكثيرون منهم ـ وهم الأكثر عدوانية بحسب الصحيفة ـ إلى فرض آرائهم المتشددة بجرأة لم يكونوا يتمتعون بها في عهد مبارك.
ويتمتع السلفيون بنفوذ قوي في القرى الزراعية النائية منذ فترة طويلة لجهل سكانها، إلا أن هذا النفوذ تزايد وأضحى أكثر وضوحا منذ اندلاع ثورة يناير على حد قول كرم صابر، المدير التنفيذي لمركز الأرض لحقوق الإنسان في القاهرة، الذي قال إن "السلفيين استفادوا من السنوات التي تم حظر الجماعة فيها عن طريق توسيع نفوذهم في القرى، وهذا صحيح لا سيما جنوب القاهرة.. ويكفي أن نقول إن هناك بعض القرى التي يسيطر عليها السلفيون سيطرة كاملة.. ورأينا لأول مرة السلفيون يتحدثون علنا في السياسة".
وقد أثارت الشائعات المفزعة التي تم ترويجها على بعض مواقع الإنترنت والفضائيات حول تهديد السلفيين باستهداف السيدات غير المحجبات، حالة من الهلع والخوف لدى الكثيرين. وعلى الرغم من إصدار التيار السلفي بيانا نفى فيه هذه الدعوات إلا أن الشائعة وجدت لنفسها مكانا على أرض الواقع، بعدما تطور الأمر إلى ظهور حالات وإن كانت فردية قام بها بعض أعضاء التيار لمحاولة تغير ما أسموه المنكر باليد في بعض المحافظات والمدن المصرية.
وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام المصرية أجبر التيار السلفي طالبات المدينة الجامعية بجامعة أسيوط علي ارتداء النقاب عن طريق إرسال رسائل تهديد نصية مجهولة المصدر علي هواتف بعض الطالبات كما قُتل شخص وأصيب 8 آخرون في محاولة إغلاق مجموعة من الإخوان لمحلات تقدم الخمور بمحافظة الفيوم، كما شهدت عدة مدن أخرى حوادث فردية من قبل بعض السلفيين لتغيير ما وصفوه المنكر باليد. ففي قليوب قامت مجموعة من السلفيين بهدم 6 أضرحة بدعوى أنها «حرام شرعا»، بل وهدد بعضهم بأن هدم الأضرحة لن يقتصر على الأقاليم وحدها، وإنما لابد أن يطول الأضرحة الكبرى فى القاهرة، مثل مسجد الحسين والسيدة نفيسة وغيرهما، فـ«هذه بدعة».
وكانت قرية الإسراء والمعراج بوادي النطرون شهدت جريمة قتل شاذة وغريبة بعض الشيء، بعد أن قام مزارع ينتمي لجماعة السلفيين بالقرية بقتل عامل زراعي شاب بعد أن هشم رأسه بالفأس إثناء استغراقه فجرا في النوم لتركه الصلاة، بحسب موقع أخبار مصر التابع لاتحاد الإذاعة والتليفزيون.
بدا التيار السلفي من خلال الحوادث السابقة ومثيلاتها وكأنه نصب نفسه حاكما شرعياً على المجتمع، وإنه عزم على إقامة دولة دينية في مصر مستغلاً الأوضاع غير المستقرة التي تمر بها البلاد، وهو ما رفضه أزهريون وسلفيون معتدلون. وأرجع الشيخ جمال قطب من كبار علماء الأزهر ما يحدث من ظهور دعوات سلفية لتغيير المنكر وظهور من ينادي بالدولة الدينية إلى تراجع الأزهر في المقام الأول، معتبرا أن مقولة دولة دينية اصطلاح مكذوب علي الإسلام لا يعرفه القرآن ولا السنة وأن دولة الإسلام دولة مدنية أي تقوم علي مجتمع المدينة السلمي المعتمد علي الشفافية والإخوة الإنسانية. وعلي الجانب السلفي قال أسامة القوصي إمام وخطيب وداعية إن كوني سلفياً لا يعني موافقتي على إنشاء دولة دينية لأن ذلك يعني أن من يتولي شئون الدولة لن يقبل الرأي الآخر.
ويرى مراقبون أن التحركات الأخيرة لبعض عناصر التيار السلفي تأتي في إطار رغبه عناصر التيار ـ كمثيله من التيارات الأخرى ـ في اختبار تأثيره على الشارع وعلى السلطة، ، مستغلاً حالة الترهل التي تعاني منها مؤسسات الدولة حالياً.
ويرى الباحث المتخصص فى شئون الحركات الإسلامية، حسام تمام أن مجمل التيار السلفي سلمى غير عنيف، لكن مسألة الحسبة ومحاولة تغيير المنكر باليد واردة وستتعاظم مع انكشاف الدولة وعدم وجود سلطة واضحة للقانون. ويشدد تمام على ضرورة الإسراع بإدماج السلفيين في النقاش الاجتماعي والسياسي وعدم إقصائهم، لأن هذا هو المدخل الوحيد لتعديل أفكارهم واستيعابهم داخل الحياة العامة دون أن تتكرر أزمة الثمانينيات، مع الجامعات الإسلامية التي سعت لتغيير المنكر باليد.
المثير في الأمر أن التيار السفلي بدا وكأنه عقد العزم ليس فقط على مواجهة ما يصفه بالتيار العلماني الذي يحاول الاستيلاء على مصر بحسب ما يرى التيار، ولكن أيضا على مواجهة التيارات والحركات الدينية الأخرى، وهو ما ظهر من خلال العمليات المنسقة لهدم الأضرحة، واعتبار السلفيين الحركة الصوفية شرك، واتهامها بتلقي دعم من أميركا لإحياء احتفالات الصوفية، مما حدا بوكيل المشيخة الصوفية بالإسكندرية جابر قاسم إلى التحذير من أن تكفير السلفية للصوفيين، هو نذير خطير يهدد المجتمع.
أما أكثر التصريحات قوة فهو ما جاء على لسان مفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة، الذي اتهم أولئك الذين يهدمون الأضرحة ـ في إشارة مبطنه للسلفيين ـ بأنهم "أصحاب فهم ضيق ويحدثون فتنة في المجتمع ويؤثرون سلبا في أمن البلاد والعباد".
ولا يخفي على أحد حالة السخط والغضب التي يبديها مفتي مصر تجاه التيار السلفي، الذي اعتبره خلال مقابلة صحفية "أقرب ما يكون إلى العلمانية منه إلى الإسلام". وقال جمعة في حوار مع موقع "أون إسلام"، نشره في أكتوبر الماضي، أن "العلمانية لا تنكر الدين، لكنها تنحي الدين عن سير الحياة، والسلفية المتشددة تريد أن تنعزل بالدين عن سير الحياة". ويرى جمعة أن: " السلفية تقبلها العلمانية؛ ولذلك رأينا العلمانية وهي تبارك السلفية إلى أن لُدغت منها في المصالح، ولكن الفكر السلفي هو الوجه الآخر للفكر العلماني وهو لا يدري" على حد قوله !
ومن الجدير بالذكر ان السلفية هي حركة غير اسلامية نشأة قبل قرن من الزمان على يد رجل المخابرات البريطانية محمد بن عبد الوهاب
ويقوم هذا الدين ( السلفي ) على ثالوث ( لحية ، ثوب قصير ، تأليه الحكام )