بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
معظم الناس يخافون الموت , لماذا ؟
ينظر الكثير الى الموت وكأنه صورة مخوفة ومرعبة , مجرد التفكير فيها
يحيل طعم الحياة النهائي الى مرارة لاتطاق ولاتحتمل . فلا يخافون من اسم الموت فحسب بل ان ذكر القبر والمقبرة يدخل الرعب على قلوبهم فيسعون الى زخرفة وتزيين القبور لكي تخرج من هذا الاطار المخيف 0
بالرجوع الى عادات وتقاليد مختلف شعوب العالم نجد آثارهذا الخوف من الموت بادية للعيان ، فيوصف بعفريت الهلاك ،أو بمخلب الموت ، أو بضربة الأجل ، وأمثال ذلك.
وإذا أرادوا ذكر اسم ميت ، سعوا الى تخفيف الموقف على السامع بتعبيرات مثل " أبعدنا الله عن ذلك " أو " أطال الله عمرك " وغير ذلك.
فلا بد أن نعرف إذن ما الذي يدعو الناس الى أن يخافوا دائما من الموت .
ثم لماذا نجد , بخلاف ذلك , أناسا فضلا عن كونهم لايخافون الموت , فإنهم يستقبلونه بالإبتسامة ويفخرون بمقدمه ؟
يحدثنا التاريخ عن أناس كانوا يبحثون عن ماء الحياة واكسير الشباب , وعن أناس آخرين كانوا يهرعون إلى جبهات الجهاد بشغف , يواجهون الموت بترحاب وشوق ،وقد يشكون من طول أعمارهم،لانهم كانوا متلهفين للقاء الحبيب ورؤية الله . وهذا ماشاهدناه في جبهات الحق ضد الباطل ،وكيف أن مقاتلينا الأبطال كانوا يسارعون الى سوح الشهادة و قد وضعوا أرواحهم على أكفهم.
لماذا الخوف؟
بالفحص والتمعن نستنتج أن سبب الخوف من الموت أمران:
1- تفسير الموت بالفناء
إن الانسان بطبيعته يهرب من العدم ،فهو يهرب من المرض الذي يعني انعدام الصحة ، ويهرب من الظلام الذي يعني انعدام النور، ويهرب من الفقر الذي يعني انعدام الغنى ، بل انه يهرب أحيانا من الدار الخالية ، ومن الانفراد في الصحراء , لانعدام الرفيق فيهما.
والعجيب أنه يرهب الميت نفسه , فهو يرفض مثلا أن يبيت مع جسد ميت في غرفة واحدة , مع أنه لم يكن يخاف هذا الميت قبل أن يموت ! فما السبب يا ترى في خوف الناس من العدم وهروبه منه ؟
إن السبب واضح , فالوجود معقود بالوجود ويألفه , ولايمكن أن يتآلف الوجود والعدم يوما , لذلك فمن الطبيعي أن نكون غرباء على العدم ونشعر بالخوف منه 0
فإذا نحن قلنا بأن الموت هو نهاية كل شيء , وأن بالموت يبلغ كل شيء خاتمته , عندئذ يحق لنا أن نخشاه وأن نهرب حتى من اسمه ومظهره , لأن الموت يسلبنا كل شيء 0
أما إذا اعتبرنا الموت بداية حياة جديدة , حياة خالدة , ونراه نافذة تفتح لنا على العالم العظيم , عندئذ يكون من الطبيعي ألا نخاف الموت , بل إننا نهنىء الأطهار الذين يخطون نحوه بثبات مرفوعي الرأس !
2_ الصحائف السوداء
إننا نعرف أناسا لايرون في الموت معنى الفناء والعدم , لأنهم لاينكرون الحياة بعد الموت , ولكنهم مع ذلك يخافون من الموت وذلك لأن صحائف أعمالهم قد اسودت إلى درجة أنهم إنما يخافون العقوبات الأليمة التي يتوقعونها بعد الموت 0
إن لهؤلاء الحق في أن يخافوا الموت 0 إنهم أشبه بالمجرمين الخطرين الذين حكم عليهم بالإعدام فهم يخافون الخروج من السجن لتنفيذ الحكم عليهم , لأنهم يعلمون أن خروجهم من السجن يعني تعليقهم على خشبة الإعدام , فهم , لذلك , يودون البقاء خلف قضبان السجن , لا لكرههم الحؤية , إنما هم يكوهون الحرية التي تقودهم إلى المشنقة 0
هكذا حال المسيئين , فهم يرون انعتاق أرواحهم من هذا السجن الضيق مقدمة لتحمل أنواع العذاب القاسي بسبب ما ارتكبوه من أعمال قبيحة ومن ظلم وجور وفساد , ولذلك فهم يخافون الموت 0
أما الذين لايرون في الموت " فناء " ولايرون صحف أعمالهم سوداء , فما الذي يحملهم على الخوف من الموت ؟
إنهم , بالطبع , يريدون هذه الحياة بكل شوق ويرغبون فيها , لكي يجعلونها في خدمة حياتهم الجديدة بعد الموت , ويعدوا أنفسهم لاستقبال الموت الذي يكون فيه رضا الله , وهذا الهدف هو مدعاة يجعلونها في خدمة للافتخار والاعتزاز 0
نظرتان مختلفتان
قلنا إن الناس فريقان : فريق , وهم الأكثرية , يخافون الموت ويهربون منه 0
وفريق آخر يستقبلون الموت , الذي يكون في سبيل هدف عظيم , كالشهادة في سبيل الله , بقلوب رحبة , أو أنهم , على الأقل , إذا أحسوا بدنو الموت لايداخلهم هم ولاغم أبدا 0
والسبب هو أن كلا منهما يختلفان في النظرة 0
الفريق الأول : إما أن يكونوا من الذين لايؤمنون بوجود عالم بعد الموت , وإما أنهم لايصدقون بوجوده كل التصديق , ولذلك ينظرون إلى لحظة الموت وكأنها لحظة فراقهم لكل شيء 0 إن مفارقة كل شيء والخروج من النور إلى الظلام المطلق أمر صعب إليهم , كحال من يخرجونه من السجن ليقدموه للمحاكمة عن جريمة ثابتة عليه , فهي حالة رهيبة من الخوف 0
أما الفريق الثاني : فيرى الموت ولادة جديدة وخروجا من الحياة الدنيا ومحيطها الضيق المظلم , ودخولا إلى عالم وسيع نير 0
إن التحرر من قفص ضيق صغير , والتحليق في السماء الفسيحة , والخروج من المحيط المليء بالخصام والنزاع وضيق النظر والحقد والحروب , والدخول إلى عالم قد تطهر من كل هذا التلوث , لاشك يجعل الموت أمرا مرغوبا فيه عند هذا الفريق الثاني فلا يخافون منه أبدا . يقول الإمام علي عليه السلام :
" والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه " 0
أو كما قال الشاعر الفارسي " بالعربية " :
قل للموت إذا كان شجاعا فليدنو مني00كي أضمه إلى صدري وأحتضنه بحضني
وليأخذ مني ردائي الذي حلا لونه 00ويهبني الخلود وراحة نفسي
إذن ليس من المستغرب أن نصادف في التاريخ رجالا مثل الإمام الحسين عليه السلام ومثل أصحابه المضحين , كلما ازدادت لحظة الشهادة قربا منهم , ازدادت فرحتهم واشتد شوقهم إلى لقاء الحبيب وتلألأت وجوههم لقرب اللقيا 0
وهذا هو نفسه الذي نقرأه في تاريخ حياة الإمام علي عليه السلام العظيمة , فعندما أهوى ذلك المجرم الأثيم , بالسيف على رأسه الشريف , صاح قائلا :
" فزت ورب الكعبة ! " 0
بديهي أن لايعني هذا الكلام حث الناس على إلقاء أنفسهم في التهلكة والزهد في هبة الحياة العظيمة التي وهبها الله لهم 0 فلا يستثمرونها للوصول إلى أهدافهم الكبرى . بل المقصود حمل الإنسان على استغلال الحياة استغلالا سليما , دون أن يعتريهم الخوف من انتهائها , وخصوصا إذا كانت الغاية هدفا عظيما وساميا 0
وصلى الله على محمد وآل محمد