مع سيدة النجاة لا ضدها
كاظم فنجان الحمامي
السلام على القديسة المصطفاة المطهرة, التي كرمها الله جل شأنه, فرفعها إلى أعلى منزلة بين نساء العالمين, وأرسل ملائكته إليها, ليبشروها بأقدس بشارة: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ) " آل عمران 42".
السلام على الشريفة الطاهرة العفيفة التي صانت عرضها, وأطاعت ربها, فكانت من القانتات المتبتلات: و(التِيْ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيْهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ). "التحريم 12".
السلام على القديسة, التي قال عنها خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم: (خير نساء العالمين: مريم, وآسية, وخديجة, وفاطمة) "ابن حبان".
السلام على سيدة النجاة, التي صارت عنوانا للسورة التاسعة عشر في القرآن المجيد (سورة مريم), وهي السورة الوحيدة المسماة باسم امرأة تعظيما لها وتكريما.
السلام على السيدة العذراء التي تكرر اسمها الصريح في القرآن الكريم أربعاً وثلاثين مرة دون غيرها من نساء العالمين.
السلام على أهلنا في العراق من شماله إلى جنوبه, ومن شرقه إلى غربه, السلام على الصابرين المظلومين, السلام على الصامدين بوجه بلدوزرات الرعب والإرهاب, السلام على أهل الكتاب جميعا بكل مذاهبهم وطوائفهم وقومياتهم, السلام على الأرواح البريئة الطاهرة, التي زُهقت ظلما وعدوانا في كنيسة سيدة النجاة في كرادة مريم ببغداد.
والله لا يوجد في تاريخنا الإسلامي من أفتى بإرهاق دماء الناس, ولا يوجد من أفتى بالإساءة إليهم. لقد راجعت كتب العقائد والشرائع فما وجدت طائفة من الطوائف المعتدلة ترخص أرواح البشر, وتعطي الضوء الأخضر لعناصر العصابات والمليشيات المتطرفة فيهدموا المساجد والكنائس, ويقتلوا الشيوخ والأطفال على الهوية.
لقد أعطى سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم في الثالث من شهر محرم من العام الثاني للهجرة عهدا للنصارى شهد عليه كبار الصحابة. جاء فيه: (ولا يغيّر أسقف من أسقفيته, ولا راهب من رهبانيته, ولا حبيس من صومعته, ولا سائح من سياحته, ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم, ولا يدخل شيء من مال كنائسهم في بناء مسجد. ولا في منازل المسلمين, فمن فعل شيئا من ذلك فقد نكث عهد الله ورسوله, ولا يحمل على الرهبان والأساقفة جزية ولا غرامة, وأنا أحفظ ذمتهم أينما كانوا من بر وبحر, وهم في ذمتي وميثاقي وأماني من كل مكروه ), ويختتم نص العهد قائلا: (ومن خالف عهد الله واعتمد بالضد من ذلك فقد عصى ميثاقه ورسوله).
وجاء في صحيح, البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة), وفي حديث النسائي وغيره, من حديث أبي بكر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة), وجاء في سنن أبي داود (ألا من ظلم معاهداً, أو من انتقضه أو كلفه فوق طاقته, أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس, فأنا حجيجه يوم القيامة).
اما بخصوص المجزرة الشنعاء, التي ارتكبت يوم الأحد الدامي في كنيسة سيدة النجاة, فهي من الجرائم الفادحة ولا تمت للجهاد بصلة, بل إنها أضرت كثيرا بنا كمسلمين مسالمين, ويتعين على الذين خططوا لها أن يراجعوا أنفسهم قليلا قبل فوات الأوان.
لقد اطلعنا على ما صرح به الشيخ أبي بصير الطرطوسي في لقائه مع جريدة (السبيل) الأردنية: رداً على سؤال: (وكيف تنظرون إلى الهجوم على الكنائس وتفجيرها ؟), فقال: (لا يجوز قصد الكنائس بسوء لأنها دور عبادة). وهذا ما أكد عليه الشيخ أبي محمد المقدسي, بقوله: (لا أؤيد مثل هذه الأعمال وأنكرها, لأن الكنائس ليست ساحات معارك), وقال لقناة الجزيرة: (لا مصلحة للإسلام والمسلمين في تفجير الكنائس, أيش مصلحة الإسلام من تفجير كنيسة يدخلها الطفل والصبي والإنسان البريء المسالم ؟؟, وما الذي سيجنيه الإسلام من تهديم كنيسة ؟؟).
اما مسألة الخلط بين المسيحية والغرب, فلا الغرب يمثل المسيحية, خصوصا بعد ان تعمد الدستور الغربي عدم الإشارة في نصوصه الصريحة إلى الديانة المسيحية, ولا المسيحيون العرب هم جزء من الأنظمة السياسية الأوربية, ثم لماذا الكنائس العراقية وحدها دون غيرها ؟؟, وما هي دروس الجهاد والشجاعة والبسالة المستنبطة من اقتحام كنيسة يفترض أن تكون آمنة مطمئنة ؟؟, وما هو النصر المتحقق من تنفيذ هجوم همجي مسلح أسفر عن ارتكاب جريمة بشعة ذهب ضحيتها عشرات الأبرياء من المصلين بين شهيد وجريح ؟؟.
ختاما يفترض أن لا تكون مواقفنا مقتصرة على الشجب والاستنكار والتنديد والإدانة للرد على انتهاك حرمات بيوت الله, ويتعين على أصحاب الشأن الإسراع بتوفير أقصى درجات الحماية والرعاية لدور العبادة, والإسراع بقطع الطريق على النافخين في نيران الفتنة الطائفية