+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: مجموعة قصصية " امرأةٌ و فارس "

  1. #1
    مشرف المنتديات الدينيه احمدربيع is on a distinguished road الصورة الرمزية احمدربيع
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    1,962

    افتراضي مجموعة قصصية " امرأةٌ و فارس "




    الموجة و الصخرة و الحب



    تأملتُ الموجة و هي تأتي من بعيد، تصطدم بتلك الصخرة الكبيرة، تتفتت تتناثر، ترتفع قطرات الزرقة إلى الأعلى لتراقص هذه النسمات الشتوية، و تتحول في عيني إلى وجوه الآلاف النساء، ابحث عن وجهكِ بينهن، فلا أجده ، و أتساءل،،، هل تاهت ملامحه عن عيني أم أنني لم أعد قادراً على الرؤية الصحيحة، حتى في قلب هذا الصباح الصافي.
    كنت أعرف أنني سأقابلها بعد دقائق و لذا أحببت أن أكون الآن هنا، في نفس المكان الذي شهد معظم اللقاءات، أحببت أن أكون هنا حتى استمد الحقيقة من هذا الصفاء، فربما تخبرني الموجة أو الصخرة الكبيرة بحقيقة الأمر، فقد شهدا معي أجمل السنوات، و لكني ما وجدت سوى الصمت، قبل أن أجد صديقي و هو يأتي من بعيد و يشير لي بضرورة التحرك .
    كان يقود السيارة و لا يتحدث بينما كنت أتحسس دبلة الخطوبة بإصبعي و انظر إلى الطرقات و هي تتوارى خلفنا و أسأل نفسي " هل آن لكل شيء أن يمضي إلى الخلف ؟ "، لا أعرف ... كل ما أعرفه الآن هو أنني على موعد معها بعد دقائق و لن يكون هذا اللقاء عادياً و يكفي أن المكان سيكون السجن . يا إلهي لقد تصورت أنني قد أقابلها في أي مكان، غير أني لم أتخيل أن يأتي هذا المكان الموحش ليجمعنا.
    " يجب أن تعرف أنني بريئة " ... آخر ما سمعته منها عندما قابلتها قبل ثلاثة أشهر بالنيابة، و سألتها عما حدث، و رأت في كلامي شيئاً من الشك، فنطقت بهذه الكلمات و هي ترتجف و دموعها تسابق كلماتها.
    " هل هي بريئة " هكذا كنت أقول لنفسي، فالأمور كانت تختلط بعيني دائماً، فقد تواعدنا على اللقاء بالخارج و لكنها اتصلت بي بشكل ٍ مفاجئ لتعتذر دونما إبداء الأسباب، و تقبلت الأمر و جلستُ عدة ساعات بالبيت أتابع التلفاز و غفوت إلى أن جاء رنين الهاتف بالصباح، و سمعت ما لم أتخيل أن أسمعه في يوم ٍِ من الأيام.
    توجهت إلى سيارتي و خلف مقودها تذكرت المكالمة التي أخبرتني بأن هناك امرأة قد تم القبض عليها ليلة أمس ضمن شبكة منافية للآداب و هي تريدني أن أكون معها .
    وصلت إلى النيابة و لم أصدق ما رأيته، فمن أحببتها، تقف الآن وسط مجموعة من النساء العاهرات الشبه عاريات. نظرتْ إليّ و نظرتُ إليها و تقدمتُ بضع خطوات و أنا لا أعرف ماذا أقول، و أحسب أنها قد رأت في عيني مزيج الشك و الحيرة فتقدمت نحوي ببطء و قالت أنها لم تفكر في الاتصال بأحدٍ سواي، و أخبرتني بأنها لا تعرف حقيقة الأمر، فقد توجهت لحضور عيد ميلاد أحدى صديقاتها و بعد فترة حدث ما حدث و فوجئت بالشرطة تقتحم فيلا هذه الصديقة و تُخرج من غرف النوم العلوية بعض النساء و الرجال، لتجد نفسها هنا الآن.
    لم أكن أتحدث بل كنت أسمع كلماتها و أنصت إلى كل حرف و صراع الشك و الحب يتأجج في داخلي و لا أعرف لمن ستكون الغلبة .
    حضرت معها الاستجواب بصفتي محامي و اندهشت عندما واجهها رئيس النيابة ببعض الأسئلة القوية التي وقفت أمامها حائرة تذرف الدمع فقط، و بعد ذلك تم حبسها أربعة أيام على ذمة التحقيق.
    عدت إلى منزلي و أنا لا أعرف ماذا أفعل، و كل الأسئلة تتقافز أمامي في مجون " لماذا ذهبت إلى صديقتها دون أن تخبرني ؟ "، " لِمَ تعرف مثل هذه الصديقات ؟ " ،" و لِمَ قامت بزيارة هذه الصديقة من قبل ؟"، " و هل يعقل أنها كانت هناك دون أن تعرف بما يحدث من فاحشة ٍ بالدور العلوي ؟" .
    أحسستُ أن رأسي سوف تنفجر و أخذت منوماً و حاولت أن أصارع اليقظة و عندما ذهبت للنوم بات الحلم أشد قسوة من الواقع فصحوت منزعجاً، و بدأت الأفكار تلاحقني، و سياط الشك تضرب يقين الحب، و بدأت أسأل نفسي، و لِمَ لا تكون هكذا بالفعل و تتظاهر أمامي بالشرف؟، ألم تسمح لنفسها بالخروج معي و نحن لم نتزوج بعد؟ ، ألم تسمح ليّ بأن أمسك يدها ؟، و لِمَ انفصلت عن زوجها السابق بعد أقل من سنتين ؟ أليس من الممكن أن يكون قد عرف عنها شيئاً ما ؟ و هل كذبت علي ّ عندما قالت أنها قد انفصلت عنه بسبب معاملته التي لا تطاق من ضرب و إهانة و غيرها ؟ و هل كانت صادقة عندما قالت أنها قد تزوجته نزولاً على رغبة والدها المسن و ساعد على هذا الأمر سفري للخارج في هذه الفترة و عدم وجود عنوان لتراسلني عليه أو رقم هاتف لتخبرني من خلاله ؟ لقد عدت من سفري بعد غياب أربع سنوات فوجدتها قد تزوجت و طُلقت، فما يدريني بحقيقة الأمر ؟.
    جلست على الأرض و أمسكت رأسي بعد أن أصابني الألم، و اختلطت كل الألوان بعيني و ظلت صورتها المعلقة على حائط غرفتي تتابع مع صورتها وسط الغانيات بالنيابة.
    وصلت سيارة صديقي إلى السجن و مرت لحظات قصيرة دون أن نتحدث و حاولت أن أسأله " لِـمَ قرر أن يتولى قضيتها ؟"، لا يمكن أن يكون السبب هو مهنته كمحام ٍ أو لكونه صديقي، ولن أبحث عن هذا السبب لأنني أعرفه، فهو يحبها منذ أن كنا بالجامعة و مازال يحبها حتى بعد أن تزوج، صحيح أنه لم يصارحني أو يصارحها بذلك لأنه كان يعرف قصة حبنا، و لكني كنت على يقين بحبه لها، و بمجرد أن أخذني الشك و ترددت في أن أدافع عنها، حتى تقدم هو بكل قوة و لم يسألها حتى عن شيء و كان يؤكد على ثقته في براءتها.
    نزلنا من السيارة و توجهنا إلى مكتب مأمور السجن و بعد دقائق جاءت بردائها الأبيض، فقد أُدينت عندما نقُلت القضية للمحكمة، و بمجرد أن جاءت حتى خرج كلاً من صديقي و المأمور، و نظرت إليها، تأملت عينين لطالما أنشدت فيهما أجمل أشعاري و تساءلت هل مثل هذه العيون يمكن أن تخدعني.!؟، و قبل أن أجيب سألتني بصوتها الدافئ :
    - لِمَ جئت ؟
    - جئت أطلب منكِ أن تنتصري لحبنا و أن تقدمي الدليل على براءتكِ.
    - لو معي دليل يؤكد براءتي لقدمته على الفور و لكني ضحية مؤامرة محكمة، يجب أن تفهم أنني بريئةٌ يا سيدي و قد قلتها لك قبلاً، و كنت أظن أن الوحيد الذي لن أضطر إلى أن أقول له هذه الكلمة حتى يؤمن بها هو أنت.
    وقفتُ بقوة و قلتُ لها بحدة :
    - كلامكِ يا سيدتي ليس رسالة سماوية حتى أؤمن به دون شك.
    ترقرقت الدموع في عينيها و قالت بصوتٍ حزين :
    - يا سيدي، كلامي ليس بحاجة إلى أن يصبح رسالة سماوية حتى تؤمن به، و أنا لست بحاجة إلى أن ارتدى عباءة العذراء مريم حتى تثق بي ّ و لا أنت مضطر إلى أن تصبح نبياً حتى تدرك حقيقة الأمر .
    قامت من مجلسها و تركتني قبل أن ينتهي ميعاد اللقاء و تركتْ وراءها قلباً أتعبه الشك و خاصمه اليقين، هو قلبي أنا، و طيلة الفترة التالية كنت قد سقطت ُ في براثن الظن و صرت عبداً له، بينما كان صديقي يدافع عنها بشراسة و كلما حدثته كان يؤكد على ثقته في براءتها و عندما سألته لِمَ ؟ لم يخبرني أبداً، و كنت أقول لنفسي، إن كان هو يحبها فأنا أيضاًَ أحبها، فلِمَ يثق ببراءتها، بينما اهتز يقيني بها ؟ و لم بقي هو بجوارها بينما تخلى عنها الكثير و الكثير و أنا أولهم ؟.



    **************************

    تذكرت كل هذا الآن، زيارتي للسجن، كلماتها الأخيرة، و ثقة صديقي، و ابتعادي عنها، تذكرت كل هذا الآن و أنا أقف عند نفس المنطقة من الشاطئ أتأمل الموجة و الصخرة الكبيرة، و اسألهما ماذا أفعل ؟ بعد أن ظهرت براءتها بما لا يدع مجالاً للشك بعد شهر واحد من آخر لقاء جمع بيننا، و هو لقاء السجن، انتصرتْ في معركتها ضد الظلم و أتضح أنها كانت ضحية مؤامرة من بعض الأشخاص من بينهم زوجها السابق، انتصرتْ بينما كنت أنا أراقب الشك و هو يرفع رايات النصر على أطلال الحب.
    رأيتها تجلس على الصخرة الكبيرة و بدت لي و كأنها ملاكٌ قد جاء لينثر النور و الدفء، فأخذتني خطواتي إليها و لم تنتبه هي إلا عندما قلت :
    - كنت أعرف أنني سأجدكِ هنا.
    نظرت إليّ و ساد الصمت للحظات قبل أن أقول :
    - لقد أتيت إليكِ
    ردت بصوت ٍ عميق يقطر حزناً :
    - نفس الكلمات قد قلتها لي عندما عدت من سفرك.
    تقدمت إليها و مددت يدي و قلت :
    - و يومها وجدت يديكِ تمتد إلي ّ، و قد سامحتني على رحيلي.
    نظرت إليّ بهدوء دون أن تمد يديها و اختلطت دموعها بكلماتها و قالت :
    - سامحتك، لأنني كنت أحبك و مددت يدي لكَ حتى لا تسقط.
    نزلت من على الصخرة و تجاوزتني بعدة خطوات ثم توقفت و قالت دون أن تلفت إليّ :
    عندما يمد الحبيب يده إلى من يحبه و يطلب منه أن يحتوي كفيه المرتعشين ليسري الدفء في وجدانه، عندما يفعل الحبيب هذا يا سيدي، و لا يجد يد من يحبه، سيسقط و يتحطم و يتحطم معه كل شيء، كل شيء.
    تقدمت إليها و أمسكت كتفيها من الخلف برفق و قلت :
    - أنا أمد يدي لكِ الآن.
    أزاحت يداي برفق و انهمرت دموعها قبل أن تقول :
    - أ لم تفهم بعد، لقد تحطم كل شيء، كل شيء.
    أحسستُ أن صوت دموعها يعزف نغماً حزيناً لم أسمعه من قبل، نغماً تسلل إلى قلبي و راح يحرق كل رايات الشك و يعيد بناء الحب من جديد و لكنه صبغ هذا البناء بلون ٍ حزين قاتم.
    تحركت خطواتها لتغادر الشاطئ و قبل أن تختفي عن نظري سألتها بدموعي :
    - ماذا كان ينقصني، أرجوك ِأن تخبريني، ماذا كان ينقصني يا أعظم النساء.
    و كم هو عجيب أن تتوارى الشمس في نفس لحظة رحيلها و كم هو عجيب أيضاً أن أتخيل صديقي يقف الآن أمامي لأسأله :
    - لماذا كنت تثق في براءتها لهذا الحد، ولِمَ دافعت عنها حتى النهاية و أنت لا تعرف الحقيقة ؟ ما الذي كنت تمتلكه و أنا لا أمتلكه .
    و وجدت نفسي أعرف إجابة هذا السؤال الآن، فقد عرفتُ الحب بيتاً من الشعر، أو بضعة أسطر في قصة أو ربما كلمة حانية وسط نغم كلاسيكي، و ربما بعض الورود الحمراء التي ترتمي بشذاها بين صفحات كتاب قديم، دون أن أدرك أن الحب أعمق من كل هذا، و لذلك سرت في ركب الشك بينما مد صديقي يده لها و أحتوى كفيها المرتعشين الخائفين الباحثين عن مأوى، فعل هذا و هو يعرف أنها لم تكن و لن تكون في يوم ٍ من الأيام له، و عندها أدركتُ أن الكثير يمكنه التحدث عن الحب، و لكن القليل هو من يحب فعلاُ حتى لو لم يتحدث إطلاقاً.
    تأملت الموجة و هي تأتي من بعيد، تصطدم بتلك الصخرة الكبيرة، تتفتت تتناثر، ترتفع قطرات الزرقة إلى الأعلى لتراقص هذه النسمات الشتوية و تتحول في عيني إلى وجوه الآلاف النساء، كلهن أنتِ، نعم كلهن أنتِ ، رأيت ملامحكِ يا سيدتي، رأيتها طاهرة، أطهر من أن يدركها شخصٌ مثلي، رأيتها رغم فرار الشمس تاركة وراءها غروباً لا يساعد على الرؤية و لكني رأيتها بوضوح، لأنني فقط عرفت ما كان ينقصني و إن كنت قد عرفته متأخراً جدا .




    تمـــــــــــــــــت
    التعديل الأخير تم بواسطة احمدربيع ; 21-08-2008 الساعة 10:43 PM

  2. #2
    مشرف المنتديات الدينيه احمدربيع is on a distinguished road الصورة الرمزية احمدربيع
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    1,962

    افتراضي رد: مجموعة قصصية " امرأةٌ و فارس "




    امرأة ٌ و فارس

    دلف إلى داخل المنزل الهادئ، و نظر إلى زوجته في ردائها الوردي القصير و سبح للحظات في ذاك النهير الأزرق الطالل من عينيها الجمليتين، قبل أن يلفه شعرها الذهبي الطويل و هي تحضنه بشوق امرأة ٍ غاب عنها حبيبها منذ سنوات ٍ طوال لا ساعات ٍ قليلة، وتنسج على شفتيه قبلة ما عرفتها شفاه الأحبة ِ من قبل، و ترقص بأناملها الرقيقة بين خصلات شعره الأسود مع نسيم العطر الباريسي العتيق الذي يملأ المكان.
    هكذا كانت – امرأة الليالي الحسان، و ما كان لحسنها هذه الليلة من مفر، فحتى خطواتها ، همسها، صمتها، كل شيء قد جاء من أجل دعوة هذا الفارس إلى ليلة حب، و لكن ،،، ما زال الفارس يختلس النظر إلى شيء أبعد من صورة هذه الحسناء،،، شيءٌ ... يكمن في أعماقها، في عتمة هذا الفيض النوري المبهر من عشق ٍ فريد قد واجهه طيلة خمسة أشهر كاملة.
    تراجع ببطء خطوتين إلى الوراء و هم بالحديث، لكنها وضعت يدها على فمه، و أخذته إلى حيث المنضدة الخشبية الدائرية و أضاءت شمعة صغيرة بعد أن أطفأت كل الأنوار.
    " يا لجمال هذه المرأة " هكذا همس في صمت ٍ- ففي وسط أشعة الشمعة القليلة و بين نغمات هذه الموسيقى الهادئة، كانت تتلألأ كنجمة ٍ سقطت من عُـقد نجمات ﭽيد السماء، و باتت له وحده.
    اقتربت منه، أمسكت يديه، و راحت ترقص معه في هدوء، و هي تنظر إليه، و تتغلغل إلى داخل أعماق فؤاده، و تأسره عند هذا الجمال الأخاذ، و دون أن تعلن الحرب عليه، و دون أن تغزو أسوار قلاعه، باتت تأسره كلما أرادت، و تعتقه كلما أرادت، تقربه، و تبعده، تطمئنه و تقلقه .
    توقفت عن الرقص و أخذته إلى حيث الطاولة الخشبية و جلسا من أجل الطعام، وتحدثا بالنظرات و دون أن ينطقا بكلمة ٍ واحدة :

    - ألم يحن الوقت بعد كي أعرف الحقيقة ؟ .
    - أنك لا تبحث عن الحقيقة، بل تبحث عن كبريائك و تخشى من لحظة صدق.
    - لم يعد بمقدوري التحمل و ليس بمقدوري أيضاً أن أقف أمامكِ و أعلن عن خطيئتي و أنتظر ما تنزليه من عقاب ٍ .
    - أما أن تعترف، و أما أن تظل رهينة الحيرة.
    - لو تصرخين في وجهي، لو تعلنين ثورتك، لكان هذا أيسر من هذا الصمت الثائر.
    - لن أعلن ثورتي لكِ، برغم ما يجتاح القلب من إعصار.
    - أنتِ لا تدرين كيف هي عالية دقات الألم بقلبي.
    - الألم، دعني أنا أحدثك عنه.

    نظرت إليه و نظر إليها، و قامت بهدوء و أضاءت الأنوار، و تأملها ثانية، و راح بنظره يتأمل هذا الإيشارب الأبيض الذي يلتف حول رقبتها و يتدلى بطرفيه الشفافيين على ظهرها.
    " لو تخبريني بحقيقة هذا الشيء " قال لنفسه - و هو يقوم من مجلسه و نظراته تلاحق تلك القطعة البيضاء، أنها السر الذي ينتظر التفسير كي يعيد الفارس خارطة حياته.
    اقتربت منه و تطاير الإيشارب الأبيض على نسمة هواء تسللت عبر الشرفة، و بدا و كأنه طيرٌ قد جاء من بعيد، في تلك الرحلة الطويلة، ليحط على عشه الصغير، و كلما اقتربت منه تراجع إلى الوراء، إلى أن دخل غرفته من أجل أن يُبدل ملابسه.
    رمقته بنظراتها و تأملت قسمات وجهه الحائرة، و تحسست هذا الإيشارب الأبيض، و ذهبت صوب الشرفة و نظرت إلى القمر الجالس في موكبه الليلي . نفس القمر و في مثل هذه الليلة الهادئة و عند نفس هذه الشرفة و خلف نفس الستائر الزرقاء و من خمسة أشهر، كانت تنتظر زوجها الذي سيعود من رحلة عمل صغيرة امتدت لأسبوعين، كانت خلالهما تسمع من صديقة لها أن الزوج قد تعرف على امرأة ٍ أخرى، و هو يسافر بصحبتها، لكنها أبداً لم تصدق أن هذا الفارس كما كانت تحب دوماً أن تناديه، يمكن أن يخونها أو أن يتخذ لنفسه عشيقة، لقد رأته دوماً يوتوبيا لم تعرف الأساطير مثلها.
    لم تنس تلك الدقات الهادئة التي سمعتها في تلك الليلة الباردة على الباب، جرت مسرعة و هي لا تصدق أنها قد غفلت عن رؤية فارسها و هو يدخل إلى العقار. فتحت الباب و تأملت الشخص الواقف أمامها، كانت امرأة ذات ملامح جميلة ترتدي ثوباً عارياً أسود اللون و يفوح منها عطرٌ ذكياً و تضع على كتفيها العاريين إيشارباً أبيضاً شفافاً .
    دخلت المرأة و هي تتأمل الشقة و حتى قبل أن تنتظر رد صاحبتها، و قبل أن تتحدث الزوجة،بدأت المرأة بالحديث وهي تجلس على المقعد الخشبي الهزاز .
    أخبرتها بأنها عشيقة الزوج و هي ترافقه منذ شهرين و سافرت معه عدة مرات، و عندما لم تتقبل الزوجة هذا الأمر، قدمت العشيقة بعض الصور و التي تظهر فيها بصحبة الزوج على شاطئ البحر, كما قدمت أيضاً بعض الوريقات بخط يد الزوج و التي تمتلئ بعبارات الغرام، و لأنها مثل كل الغانيات اللواتي لا يجدن حرجاً في أن يتحدثن عن كل شيء، فقد أخبرتها عن أدق تفاصيل علاقتها بالزوج و ماذا كانت تفعل له، و كيف جعلته أسيراً عند قدميها و كم مرة رقصت له بهذا الإيشارب الأبيض.
    كانت الزوجة لا تصدق ما تراه، و لا تريد أن تسمع كيف شاركتها امرأة أخرى قلب و جسد زوجها، و كلما زاد الألم في وجهها و تجمعت الدمعات في مقلتيها، كلما زادت العشيقة من حديثها الماجن .
    " عرف امرأة أخرى" - هكذا قالت الزوجة و دموعها ترسم على وجهها قصة السنوات الأربع التي قضتها معه،، و صورة الطفل الصغير الذي لم يتجاوز العامين .
    هكذا سقط فارسها عند نهود العاهرات، و باتت مدينتها الفاضلة التي نسجتها من زيف طهره، وريقات مشوهة تتقاذفها رياح الحقيقة، الحقيقة – ما هي الحقيقة ؟
    تنبهت إلى صوت الباب و هو يُغلق، و وجدت العشيقة و قد رحلت تاركة وراءها، جرحاً عميقاً و ... الإيشارب الأبيض .
    ماذا ستفعل ؟ أتعلنها ثورة في وجه الفارس ؟ أم تغفر له خطيئته ؟ أتتركه بعد أن سقط القناع ؟ أم تبقى بجواره ؟
    ظلت طيلة ليلة كاملة تبحر بين أمواج الحيرة، و كلما زاد الإبحار وقتاً، زاد الجرح عمقاً، و قررت أن،،
    تظل داخل حدوده و تعلنها ثورة سكون و انتفاضة صمت،،
    ترسم في عينيه سطر و تُخفي سطر، فتبدو الحقيقة كطيف ٍ مر و خلف ورائه تساؤلات ٍ حيرى،،
    تُسكنه خلف كل علامات الاستفهام ؟ و حين يعبر أحداها في شوق الرؤية، يجد أمامه مزيداً من علامات الاستفهام،،
    تزرع في نفسه اشتهاء الجسد فيكون القرب، و بالقرب تنزع منه يقين السكينة فيكون البعد.
    كانت تريد أن يبحر بين الشك و اليقين، بين المنفى و المرفأ، بين رضوخ الجسد و مكنون القلب ،،، حتى يأتي اليوم الذي يعترف بما فعله و لأنه تعرفه ففد كانت على يقين من أن هذا الاعتراف سيستغرق وقتاً.
    و جاء ليل الغد و تزينت كما لم تتزين من قبل، و بدت ثورة الأنوثة الرابضة في طيات الثوب الجميل، و كأنها راقصةٌٌ حسناء تنتظر أذن مولاها كي تحلق بفتنتها في سماء العشق .
    و جاء الزوج و تأمل زوجته و هي تجلس بانتظاره على المقعد الهزار، و ذهب إليها و قبلها و تأملته هي في هدوء و تحسست وجهه و فكرت كم مرة لامست عشيقته بشفتيها هذا الوجه.
    و بدأت ليلة الهوى، و النغمات تعزف، و بقية من ضوء الشموع تلف رقصة الحبيبين إلى أن رأى الزوج هذا الشيء الملفوف حول عنق زوجته بطرفيه الطويلين على ظهرها .
    تراجع إلى الوراء بغتة، و تأمل الإيشارب الأبيض، أنه هو ، فقد اشتراه لعشيقته منذ عدة أسابيع، كيف أتى ؟، لا يمكن أن يكون نسيم البحر قد حمله إلى هنا، و لا يمكن أن تبتاع زوجته نفس الإيشارب و نفس النوع و نفس اللون، أيمكن أن تكون العشيقة قد أتت و أخبرت الزوجة، أيمكن أن تكون قد أرسلته لتنتقم منه بعد أن تركها بلا سبب و رفض أن ينساق وراء مطالبها .
    و كيف يمكن أن تكون زوجته قد عرفت شيئاً و تزينت من أجله بهذا الشكل المبهر، كم ود أن يسألها و لكن كيف ؟ أيقول لها من أين اشتريت ِهذه القطعة البيضاء ؟ ستخبره الزوجة بالطبع أنها قد اشترتها من مكان ٍ ما، و ربما تتأكد ظنونها لو أنها كانت فقط تشك بشيء .
    اعتذر لها الزوج و ذهب لينام لأنه مرهق، و ظل يفكر طيلة الليل و دون أن يغمض له جفن،أيمكن أن يحدث هذا الأمر ؟ و كيف يتأكد من أنه قد حدث ؟ أنه لن يقف أمامها و هو فارسها ليعترف بخطئه و ينتظر عقابها، و لكنه لن يظل بين الشك و اليقين، و طيلة الأيام التالية، حاول أن يبحث عن تلك المرأة كي يتأكد منها و لكنه لم يجدها أبداً، و حتى لو وجدها ستقول له لا لم أفعل ...
    مرت خمسة أشهر كاملة و هو يقبع في سجن الحيرة، و حتى في أمسيات الحب، بدا و كأنه ينفذ واجباً مقدساً، و كل يوم يلتقي بوجهه مع وجه زوجته، كانت التساؤلات بينهما تدور و دون أن يتحدثا، كان يعلم أن بالأمر شيء و لكن ما هو هذا الشيء، كان يدرك أن هذا الفيضان العشقي من زوجته الذي و إن كان يكفي ليدثر قلوب كل الأحبة، فهو حتماً يحمل في طياته سراً، كان حقاً يحبها و يعرف أنه أخطأ، و أنساق وراء نزوة عابرة، كم ود أن يخبرها، و لكنه كان يخشى مما قد تفعله و يخشى على كبرياء الفارس في أعماقه.


    ************
    مسحت الزوجة دمعة من عينها بعد أن طوت صفحات الذكرى القريبة و تذكرت أنها لم تخبر أحد بهذا الأمر، بل و أخبرت صديقتها بأنها قد تأكدت من أن زوجها لم يعرف امرأة أخرى لأنه أعظم فارس.
    أسدلت الستائر الزرقاء و توجهت نحو الأريكة الخشبية الوثيرة و تمددت عليها و أغمضت عينيها للحظات في انتظار قدوم الزوج.
    خرج الزوج من غرفته و تأمل الزوجة في ثوبها الوردي وهي مغمضة العينين فبدت و كأنها الأميرة النائمة التي تنتظر أن تمضي قبلة الحبيب على شفاهها، " كم هي رائعة " - ردد تلك العبارة بشوق ٍ كبير.
    جلس على المقعد المجاور و هو يتأملها و يتساءل لمَ فعل ذلك ؟ و ما الذي دفعه لأن يخطو في هذا الأمر؟ ما الذي يستحق لكي يُضحي بزوجته التي يعشقها و تعشقه و كذلك ابنه الصغير؟، أسند رأسه إلى الوراء و تنفس بعمق، و بدت رايات الاستسلام تبدو في عينيه بعد رحلة الأشهر الخمسة، و قرر أن يتحمل ثمن ما اقترفه لأنه لم يعد قادراً على الاستمرار.
    نظر إلى زوجته و قال بصوت ٍ منخفض :
    - حبيبتي.
    فتحت زوجته عينيها و تأملت تلك الدمعة الحائرة التي ترتسم في عين زوجها و تابعته و هو يقول :
    - هناك شيء أود أن أخبرك ِ به.
    نظر إلى الأرض قبل أن يكمل حديثه :
    - لقد أخطأت في حق هذا البيت الجميل، و في حقك ِ أنت ِ، و غدوت وحيداً لا أبصر بين الحب و الزيف، بين نقطة الندى التي تهب الوريقات الحياة، و بين نقطة السم التي تقتل نضارتها، و اليوم أقولها لك ِ، لقد عرفت امرأة ً أخري قبل عدة اشهر و لكني قد طردتها من حياتي بعد أن عرفت خطئي و تصورت أن الأمر قد انتهى، بيد أن الأقدار لم ترد ذلك.
    تنبه إلى كفيها و هما يحتضنان كفيه و رآها و قد جلست على ركبتيها بجواره لتقول وسط دموعها :
    - أعرف ما حدث، و لكن ما لا أعرفه هو لمَ حدث ؟
    نظر في عينيها و من بين دموعه قال :
    - لا تسأليني، لم َ خنتك ِ ؟ لأنني لا أعرف سبباً .!، ربما أخذني كبريائي إلى ساحة الآثام ِ، فقط ما أعرفه هو أنني ... أحبكِ.
    تأمل دموعها و بدت له و كأنها تحمل أطهر معاني الحب قبل أن يواصل حديثه :
    - لا أملك عذراً، و ما ستفعلينه سأرضى به، فما عدت استحقك ِ و ما عدت استحق هذا البيت، و لو طلبت ِ مني الرحيل لرحلتُ.
    قالت و هي تغالب دموعها:
    - نعم،سأطلب منك أن ترحل، لكن ... أن ترحل إلى قلبي و تسكن به.
    نظر في أعين زوجته وأخذ كفيها و قبلهما و وضعهما على وجهه و كأنه يريد أن يتلقيا الدمعات التي تفجرت من عينيه، و سمع زوجته و هي تقول بحنان :
    - أتعرف أن البكاء الصادق للرجل بين كفيّ حبيبته قد يجعله أسمى من كل أقاصيص البطولات، لا تخشي مني، أردتك فقط أن تعترف حتى تمضي حياتنا بلا كذب ٍ، و برغم ألمي، و برغم جرحي، لن أنثر عبراتك في الأفق ِ و ستظل فارسيّ، طالما بقيّ في القلب نبض.
    تأمل عينيها و بدا الدمع على وجهه و كأنه يتساءل " كيف تسامحيني ؟ ".
    قبلت كفيه و قالت :
    - لأنك وطني أيها الفارس أعشقه مهما قد يُسيء لي.
    أخذها بين أحضانه و لأول مرة يشعر بهذا الدفء في داخله، و ترك دموعه كي تمسح تلك الصرخة الكامنة في أعماقه طيلة الأشهر الماضية ، أما هي فلم تنس أن تنزع هذا الإيشارب الأبيض من على عنقها و تلقيه على الأرض بعيداً.


    تمــــــــــــــت





  3. #3
    مشرف المنتديات الدينيه احمدربيع is on a distinguished road الصورة الرمزية احمدربيع
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    1,962

    افتراضي رد: مجموعة قصصية " امرأةٌ و فارس "



    هل يصمد الحب دائما



    لم تصدق نفسها و الصديقة تخبرها بأن زوجها لن يحضر إلى النيابة و يقف معها و ارتسمت كل علامات الدهشة و التعجب على وجهها حين أخبرتها نفس الصديقة بأن الزوج لا يصدقها و لا يقتنع بكلامها.
    تهاوت تلك المرأة على المقعد الخشبي المجاور لغرفة التحقيق و انهمرت دموعها و هي لا تصدق أن شريك حياتها قد تركها وحيدة و لم يقتنع ببراءتها و استسلم لرواية كاذبة غير حقيقية راحت هي ضحيتها .
    وضعت يديها على وجهها و هي لا تتحمل الصدمة المدوية التي تلقتها من الزوج و حينما هدأت الثورة و أزاحت يديها بعيداً عن وجهها لم تجد هذه الصديقة، التي تركتها و انصرفت و كأنها هي الأخرى لا تريد الوقوف بجانبها.
    ظلت تلك المرأة صامتة تماماً و كأنها تحت تأثير مخدر قوي المفعول و فجأة قامت الثورة و تأججت النيران بداخلها عندما أبصرت هذا الرجل الوسيم الذي جاء إلى النيابة و قفزت من مقعدها و هي تحاول الهجوم عليه و لكن رجال الأمن منعوها و أبعدوها.
    تأملت وجهه و عيونه الزرقاء، نعم .. هي نفس العيون الزرقاء التي كان ينظر بها دوماً إليها في العمل، فهو العميل الهام في هذه الشركة الكبرى التي تعمل بها، و كثيراً ما تحدثا بحكم العمل المشترك الذي يجمع بينهما.
    تلك الشركة التي تمنت دوماً أن تعمل بها لعدة أسباب منها ما يتعلق ببيتها حيث زيادة الدخل و منها ما يتعلق بقدراتها حيث كانت ترى نفسها دوماً امرأة ذات قدرات وظيفية كبيرة و لعل تفوقها الملحوظ و الذي حققته في الأعمال السابقة هو أكبر دليل على هذا و من المؤكد أيضاً أنه كان الطريق الذهبي لدخولها هذه الشركة الحلم.
    تذكرت أول أيامها في الشركة و تذكرت كيف كانت فرحتها طاغية و كيف كان زوجها في غاية السعادة و هو يشاركها نفس الفرحة و لم تنس أبداً طفلها الصغير الذي لم يكن قد تجاوز الثانية من عمره بعد في هذا الوقت و كيف كانت تطير به فرحاً و رقصاً في كل أنحاء الشقة بعد أن عرفت أنها ستصبح موظفة في هذه الشركة.
    بدأت العمل و بدأ مشوار التفوق و شهد لها الجميع بذلك و مرت السنة الأولى من العمل و هي تحقق نجاحاً تلو الآخر، و تعرفت على معظم من بالشركة و لم تنس أبداً هذه الصديقة، كانت هذه الصديقة من نوع مختلف من الأصدقاء فقد كانت ثرية و تبدو ملامح الثراء الواسع من خلال ملابسها الأنيقة الغالية الثمن التي تكشف الكثير من جسدها و خصوصاً و هي تستقل سيارتها الفاخرة .
    لم تتوقع أن ترتبط بمثل هذه الصديقة فهي مختلفة عنها كل الاختلاف و لكن شيء بداخلها دفعها لأن تغزو عالمها، و ربما ساعدت الظروف في هذا الأمر عندما عملتا سوياً في نفس القسم .
    كانت هذه الصديقة دوماً تلومها على ملابسها و تصفها بأنها ترتدي ملابس من العصر القديم و بأنها امرأة متحجرة لا حياة فيها و بأن عليها أن تفهم أن المرأة لا تكون امرأة إلا إذا سقط الرجال أمامها خاضعين و هذا لن يتحقق إلا بطريقة واحدة و هي أن تصبح أنثي مجرد أنثي شاغلها أنثوتها.
    لم تلق كلمات الصديقة صدى في نفسها لكنها و مع الوقت و مع ما رأته في الشركة من مناظر بدأت أحلام الأنثى تراودها و بدأت الملابس التي تظهر مفاتن الأنوثة تطل عليها و لو في أحلامها و خصوصاً و أن عمرها لم يكن قد تجاوز الخامسة و العشرين و الجمال يرسم خطوط رائعة على وجهها بكل الألوان.
    لم تتوقف محاولات الصديقة عند هذا الحد و أخبرتها بضرورة أن تعامل أي رجل بشكل أكثر حرية لأن هذا العصر هو عصر الحرية و المساواة بين الرجل و المرأة و كانت هذه الصديقة ترى المساواة بشكل آخر.
    " و ما هو المانع أن تذهبي إليه " لم تنس هذه العبارة التي خرجت من صديقتها و هي تعنفها على رفض فكرة الذهاب إلى عميل هام و الاطمئنان عليه بسبب مرضه.
    كان هذا العميل هو نفسه صاحب العيون الزرقاء و هو أيضاً الرجل الذي دأب دوماً على مداعبة بواطن الأنوثة بداخلها بكلماته القاتلة .
    كانت الصديقة تقنعها بأن العلاقات الشخصية مع العملاء المهمين أمر هام و أن الإنسان ما هو إلا مجموعة علاقات هامة تفيده في حياته و أمام كل هذا الضغط وافقت و ذهبت إليه أخيراً .
    دخلت من باب الفيلا الرائعة و قابلها الخادم بترحاب شديد ثم دعاها إلى زيارة العميل الذي كان قد تعافى تماماً من مرضه.
    كوب من العصير و دقائق معدودة تمر و تهاوت المرأة تماماً و تهاوى معها شرفها، فلقد أعد صاحب العيون الزرقاء كل شيء بدقه و قام بصرف الخادم و وضع المخدر في الكوب و من قبل هو من دعاها إلى زيارته في بيته الذي يجلس به وحيداً لكي يحقق شيء لم ينله عبر عبارات غزل و إغراءات مال طيلة الفترة الماضية .
    استيقظت بعد ساعتين لتجد نفسها مقيدة و مرت لحظة قصيرة من الصمت و هي تدور بمقلتيها لتتأمل هذا الحلم الأسود قبل أن تحاول الصراخ و لكنه أمسك فمها و أخبرها بأنه سيفضحها و سيخبر الجميع بأنها جاءت معه بإرادتها و من أجل قليل من المال و هددها بقتل صغيرها، و تهديد مستقبل زوجها0 و أخبرها بأنه سيصمت إذا ما أغلقت فمها.
    دقائق تتوالى و صرخات تدوي في داخلها و بقايا التهديدات التي أطلقها هذا الرجل تجوب أرجاء عقلها و تخترق قلبها بقوة و قررت الصمت و هي ترى فيه الخلاص من كل القيود سواء التي تقيد جسدها أو تلك القيود التي تفرضها التهديدات .
    تحررت من قيودها و ارتدت بقايا ملابسها و ظلت فترة تحاول أن تلم شتات نفسها و هي تعلم أنها أصبحت بقايا امرأة لن تعود أبداً كما كانت ثم خرجت من الفيلا و هي لا تصدق نفسها و أسرعت إلى منزلها و هي تكاد تتهاوى و ما أن أغلقت باب شقتها حتى دخلت إلى غرفتها و سقطت.
    لم تدر كم من الوقت مر عليها و لكنها أفاقت قبل ميعاد عودة زوجها عند الغروب بينما كان الصغير عند أمها، و قبل أن تتهاوى مرة ثانية ذهبت إلى النيابة و أبلغت بالحادثة و تناست كل التهديدات التي قيلت لها و تذكرت كرامة المرأة التي ضاعت.
    اتهمها العميل بأنها جاءت بإرادتها و علل هذا بأنها جاءت إليه في بيته و ظلت الاتهامات تتوالى و لكن كل هذا لم يهم هذه المرأة بقدر ما تهاوت الآلاف المرات عندما لم يصدقها زوجها و خصوصاً أنه لمح في الفترة الأخيرة تغير في طريقتها و لبسها و اقتنع بخيانتها له، و لم تكن في حاجة لأن تعرف رأي الناس فيها الآن و لكنها كانت دائماً تردد سؤال " لماذا لم يصمد الحب في وجه الشك الذي ضرب زوجها بقوة و انتصر عليه.
    - ماذا بكِ
    تنبهت هذه المرأة إلى هذا الصوت و هو يحدثها و حدقت بقوة في المتحدث قبل أن يعاود حديثه:
    - سألتكِ ماذا بكِ أراكِ في حالة من الشرود أم أنكِ كنتِ تحلمين .؟
    نظرت المرأة حولها و تأملت المكتب الأنيق في هذه الشركة الكبرى و تراجعت بالمقعد إلى الوراء و هي لا تصدق بأنها كانت في حالة من الشرود و الحلم و أن ما مر بها هو كابوس ثم نظرت إلي المتحدث و الذي لم يكن سوى تلك الصديقة و قالت :
    - ماذا تريدين .؟؟
    زفرت صديقتها في ضيق و قالت لها :
    - قلت لكِ من قبل أن تشردي أن العميل "........" مريض و أريدكِ أن تزوريه فالعلاقات الاجتماعية مع علية القوم أمر هام و وقت العمل انتهى الآن و يمكنكِ زيارته.
    قامت من معقدها بعنف و حملت حقيبتها و قالت للصديقة :
    - أنا لا أزور العملاء في بيوتهم و لا يمكن أن اسمح لنفسي أبداً بزيارة رجل في بيته.
    ردت عليها الصديقة بقوة :
    - و لكن العلاقات .....
    قاطعتها بقوة أكبر و قالت لها :
    هناك علاقة هامة بل هي أهم علاقة يجب أن أحرص عليها، و لا أحسبكِ تعرفينها.
    انطلقت إلى خارج المكتب و هي تنظر إلى صورة لفظ الجلالة التي تزين الردهة الواسعة للشركة الكبرى و عندما انعكست صورتها على زجاج باب الخروج توقفت لتتأمل ملابسها المحترمة و ابتسمت في سعادة لأن المرأة المتمردة بداخلها سقطت في النهاية و لم تنتصر و لا تعرف هل كانت في حلم أم أنه صراع عايشته للحظات، و لم تنس أن ترفع الهاتف النقال و تتصل بزوجها و ما أن جاءها صوته حتى قالت له :
    - أحبك ....
    كان هناك شيء واحد يتردد صداه من هذا الكابوس الرهيب و هو " لماذا لم يصمد الحب " و أدركت أن الحب حتماً سيصمد إذا حرص كلاً من الحبيبين على عدم الخوض في سبل قد تدنسه يوماً ما.



    تمـــــــــــت

  4. #4
    مشرف المنتديات الدينيه احمدربيع is on a distinguished road الصورة الرمزية احمدربيع
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    1,962

    افتراضي رد: مجموعة قصصية " امرأةٌ و فارس "



    القارب الخشبي يبحر إلى الشمال



    ما زال يمشي بصعوبة شديدة على الرمال يحاول جاهداً أن يتغلب على كثافتها بينما يرسل الغروب ضوء خافت على الشاطئ ليعطي لوناً دافئاً لا يتوافق مع الرياح الباردة القاسية التي تضرب كل هذا الفراغ الشاسع من الشاطئ و ترقص من هول قوتها مياه البحر لترسل الموجة تلو الموجة بقوة كبيرة و كأنها كتائب جيش تغزو الرمال بعنف و بشكل متواصل لا هوادة فيه، , و لكنه ما زال يسير و نظره لا يكاد يبصر سوى بناء خشبي متهالك يقبع على الرمال و يتحدى بكهولة ألواحه الخشبية قوة الرياح و غزوات الأمواج .
    وصلت الخطوات المتعثرة البطيئة إلى القارب الخشبي و بهدوء شديد مد يده و أزاح طبقات من رمال متعلقة بجانب القارب لتظهر أمامه أحرف غير واضحة، لم يكن يحتاج إلى أن يميزها أو إلى أن يتعاظم دور الغروب و يرسل المزيد من أشعته الباهتة لينير الحروف قليلاً، لم يكن يحتاج إلى كل هذا لأنه و ببساطة كان يعيش هذه الحروف حباً و عشقاً .
    ما زال يتذكر أول لقاء معها عند نفس النقطة التي يوجد بها القارب على الرمال و هي تمسك بلوح خشبي و بفرشاة ألوان و تجلس على الرمل الأصفر في صباح يوم دافئ جميل، بينما كان يجري قليلاً على الشاطئ، و رآها تعبث بالألواح و بالألوان و ذلك بالقرب من بقايا قارب متهالك، و تكرر نفس المنظر في اليوم التالي و اليوم الذي يليه حتى أنه أصبح يعتبر هذا المنظر من ملامح صباحه، و كان يتساءل ماذا تفعل هذه الفتاة بمثل هذه الألواح و حاول جاهداً أن يعرف حتى أنه انتظر رحيلها يوماً و راح يتلمس هذه الألواح بهدوء و ما هي إلا لحظات حتى وجد صوت جميل يأتي من خلفه و يسأله عن سبب وجوده بجوار القارب، و لأول مرة يراها عن قرب، فتاة لا يزيد عمرها عن عشرين عام، فيها جمال لا حدود له و صوت عذب يتسلل إلى قلبه و شعر حريري أسود تعانق مع الكثير من حبات الرمال الصفراء و وجه أبيض أكسبته حمرة الشمس دفء و حنان و براءة تتحدث بها لم تشوهها الثياب البسيطة التي تلبسها، كان يتمنى رؤيتها و كان يتمنى أن يسمعها ربما لأنه كان يضع الكثير من علامات الاستفهام حول ما تفعله و ربما لأنه أحس بشيء غريب تجاهها لا يعرف ما هو .! و لكنه ابتعد قليلاً دون أن يتحدث و راقبها و هي تنصرف بعد أن لملمت ألوانها و وضعتها في حقيبتها الكبيرة0
    لم تحضر في اليوم التالي و لا اليوم الذي يليه و لم تظهر على الشاطئ و أحس بأنه افتقد شيء هام و ضروري و لكنه لم يعرف ماذا يسميه ؟؟ إلا أنها جاءت في اليوم الثالث و مع مجيئها أحس بشيء غريب يغزو قلبه و بخطوات سريعة تقدم إليها و في هدوء تحدث معها و سألها عما تفعله0 استدارت له و بابتسامة صافية جميلة تحدثت معه و أخبرته أنها ابنة صياد فقير يتمنى أن يصلح هذا القارب الخشبي البسيط ليبحر به حيث الصيد و الرزق، و أنها تساعده من أجل أن يتم هذا الحلم، كان صوتها الدافئ الرائع يُطرب قلبه و يهتز له كل وجدانه .
    تكررت اللقاءات عبر الشهور المتتالية و منها عرف كل شيء عنها و عن أسرتها البسيطة و عن حلمها الخاص في أن تبحر بهذا القارب إلى تلك الجزيرة الصخرية الصغيرة الموجودة بالشمال و أحس بأن حبه تسلل بهدوء إلى داخل أعماقها و سكن القلب تماماً بدون أن يواجه معوقات، نظراً لبساطة الفتاة و قلة ثقافتها و ربما لحاجة فتاة بائسة بسيطة مثلها إلى كلمة حب و لكنه لا يعرف لم تسلل حبها بهذا الشكل إلى قلبه 0!؟ و لم أصبحت تلك الفتاة البسيطة هي كل حياته .!؟ ربما لأنه رأى فيها براءة حقيقية دون ألوان الحياة الزائفة و ربما لأنها كانت المرأة بكل حواسها دون أن تعبث بها الأيام و تشوهها .!! ربما كان أي سبب و لكنه كان يعرف أن حبها أصبح حقيقة لا خلاف فيها، و لكنه يعرف أيضاً أن هناك حقائق أخرى لا خلاف فيها مثل الفارق الاجتماعي و الثقافي و التعليمي و خصوصاً أنه المهندس الذي ينتظره المستقبل الباهر بعد أن تخرج من الجامعة منذ ثلاثة سنوات، كان يعرف نظرة المجتمع إلى مثل هذه الزيجات و بسبب هذه النظرة كان يحرص على ألا يراه أحد مع حبيبته لدرجة أنه كان يتجاهلها عندما يراها بصحبة أهلها و كانت ترتضي بهذا لأنها كانت تؤمن بأنه يوماً ما سوف يحملها على ذراعيه و يعلن أمام العالم حبه لها، و تردد هو بين الواقع الذي يعيشه و بين الحب الذي لا يستطيع أن يتجاهله و مع الشهور الطويلة عرف أن ابتعاده عنها أمر مستحيل و قرر أن ينتصر لحبه و لو على جولات، و صارحها برغبته في أن يتزوجها و لكن .
    كلمة لكن، تذكرها جيداً و تذكر كيف أنهت الفرحة الكبيرة التي كادت تنطلق من وجهها، و ما أعقبها من كلمات كانت كافية لتقتل هذه الفرحة بعد أن أخبرها أن الزواج سيكون زواجاً عرفياً لا يعلم أحد به حتى يستطيع أن يرتب أموره 0
    وافقت بعد فترة تردد، و لم لا !؟؟ و قد كان يمثل لها كل حياتها في وقت كانت حياتها فارغة لا لون لها، فجاء ليعطي لها كل الألوان الرائعة الجميلة المبهجة، و سرعان ما تمت الزيجة.
    لم يكن ينوى أبداً خداعها لأنه بالفعل كان يعشقها و يتمنى أن يتزوجها و لكنه فقط أسير لهذا المجتمع الذي يضع في أحيان كثيرة قواعد و قوانين لا تمت للحق بصلة .
    مرت عدة شهور و ما زال لا يعرف كيف يواجه هذا الأمر و الأمور تتعقد و أهل الفتاة يشعرون بأن فتاتهم تتصرف بشكل خاطئ بينما هو كان يعرف كيف يُبعد الشبهات عنه حتى جاء اليوم الذي لم يتوقعه أبداً و اكتشفت أسرة الفتاة حقيقة الأمر و نالت الحبيبة من العذاب ما نالت و لكنها رفضت أن تفصح عن اسم حبيبها، تلك الفتاة بسيطة التعليم التي تكاد تعرف القراءة و الكتابة بصعوبة، عرفت كيف تصون عهد حبيبها و سمعته و تحملت ما لم يتحمله بشر، بينما كان هو في صراع غير عادي مع نفسه لا يعرف هل ينتصر لمن أحبته و عشقته و يتحمل نظرات مجتمع لا يرحم أم يتوارى مثل الجبناء خلف عباءة الحماية التي نسجتها حبيبته لتصونه .
    ما هي إلا أيام حتى اتجهت خطواته المتعثرة إلى بيت الأسرة البسيط الموجود في أحدى الأزقة القديمة و ما كاد يعرف حقيقة الأمر حتى وقع على ركبتيه باكياً بعد أن عرف أن شقيقها الكبير قد قتلها من اجل الشرف الذي لم تخونه قط، انصرف بهدوء و جلس طيلة أيام طويلة لا يصدق ما حدث و هو يسمع الألسن و قد صنعت من قصتها حكايات تخوض في شرفها و سمعتها0تلك الفتاة التي تحملت العذاب و هي تؤمن بفارسها الذي سوف يحطم القيود و يشهر سيفه من أجلها و لكن فارسها النبيل لم يتحرك فور علمه بالأنباء و لم ترحمها أسرتها و أخذت قرار النهاية لتسقط ضحية لمن أحبته بصدق .
    بدأ الفجر في الظهور و اتضحت ملامح القارب الخشبي كثيراً و لم يصدق عندما شعر بأن الليل قد مر عليه كاملاً دون أن يدرك ذلك و قبل أن تأخذه الذكرى مرة أخرى كان هناك خيال قادم من بعيد و ما هي إلا لحظات حتى ظهرت أسرة الفتاة و سرعان ما تقدم والد الفتاة و هم بتقبيل يده و هو يشكره على هذا المعروف الكبير بإصلاح القارب الخشبي و بإنقاذ مستقبل أسرته بعد أن كاد يضيع تحت أقدام العار، كان الأب يراه رجل عظيم يعطف على أسرة بائسة..!
    كان يسمع دعوات الأسرة له و يتساءل، ماذا لو علموا بأنني من قتلت ابنتهم ؟؟ و أن إصلاح هذا القارب الصغير لا يعدو أكثر من مجرد محاولة للتخلص من ذنب لن ينتهي أبداً ؟؟ و ماذا لو مد احدهم يده في جيبي و رأى ورقة الزواج العرفي ؟؟
    نظر إلى الأسرة و هي تتلمس أولى خطوات السعادة بعد رحلة حزن لن تنتهي جراحها و لمح القارب الخشبي وهو يبحر إلى الشمال و قد هدأت ثورة الرياح و استكانت مياه البحر كثيراً ليأخذ القارب طريقه كما كانت تتمنى حبيبته، صحيح أنها كانت تتمنى أن يرافقها في هذه الرحلة و لكنه لم و لن يستطع بعد أن قتلها في حبه.
    نظر إلى السماء و قال لنفسه و دموع عينيه تتساقط :
    - حبيبتي لقد أبحر القارب إلى الشمال، لقد انتصرت لكِ هنا بعد أن خذلتكِ في كل حياتك و حتى في موتكِ، حبيبتي إن كنتِ تسمعيني الآن سأطلب منكِ طلب أتمنى أن تحققيه لي .. سأطلب منكِ ألا تسامحيني أبداً .



    تمـــــــــت

  5. #5
    مشرف المنتديات الدينيه احمدربيع is on a distinguished road الصورة الرمزية احمدربيع
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    1,962

    افتراضي رد: مجموعة قصصية " امرأةٌ و فارس "


    مباراة كرة القدم التاريخية



    و لأنهم مجموعة من الشباب الصغير فقد قرروا تكوين فريق لكرة القدم يطلقون عليه اسم " ضربات القطار " وخصوصاً أن الملعب أمامهم أصبح مفتوح، و لكن هناك مشكلة ...!! ففريق الكرة يتكون من أحد عشر لاعباً و هم فقط عشرة لاعبين و صغار السن أيضاً، لذا فقد قرروا أن يستعينوا بحارس مرمي متميز و موهوب و صاحب خبره كبيرة حتى يكتمل الفريق و حتى تقتنع الجماهير بهم كفريق كرة يمكنه أن يحقق الإنجازات الكبرى.
    الجماهير العظيمة تشجع بجنون رغبة ً منهم في رؤية فريق جديد يقود المسيرة الكروية بعد الهزائم المتتالية للفرق السابقة و يكفي خسارة الفريق السابق أمام فريق ضعيف يدعى فريق " البراميل " بثمانية أهداف مقابل أربعة أهداف و ضياع كأس الشرف الذي يلعبون عليه و لذا فالجماهير تشجع بقوة و الفريق يتقدم و الأمور بسيطة لأن الفريق السابق لم يقاوم وترك الملعب للفريق الجديد.
    و بدأ فريق " ضربات القطار " يضع خططه و يقسم الملعب فيما بينه و يخطط من يقود الهجوم ؟؟ و من يقود الدفاع ؟؟ و لكن حارس المرمى الخبرة أعترض على اللاعب الذي سيقود خط الدفاع نظراً لأنه قليل الخبرة صغير السن و لم يخض مباريات دولية كثيرة و بدلاً من أن يؤخذ بكلام حارس المرمى الخبرة، قام الفريق بطرد حارسه الكبير الذي أعطى للجماهير الطمأنينة عند تكوين هذا الفريق.
    الغريب أن الأقدار ساندت الفريق فلم يلعبوا مباراة قوية منذ أن سيطروا على الملعب الكبير و رغم أن المرمى الخاص بهم مفتوح على مصراعيه بعد طردهم الحارس الخبرة و لكن لا يوجد من يسدد تجاهه أي كرة مما أعطى للجماهير الثقة الكبيرة في إمكانيات الفريق .
    و بدأ الفريق في اختراع قوانين خاصة به، فلم يكن يسمح للجماهير أو للصحافة بالتدخل في شئونه أو حتى الإشارة إلي نواحي الضعف و القوة فيه، فقط كان يسمح لهم بكلمات الإشادة، و الظريف أن الفريق لم يرتض أبداً بأي حكم يحكم له مباراة، بل و قام بحل لجنة الحكام الرئيسية في مذبحة كبيرة تعرض لها التحكيم الكروي و رأى قادة هذا الفريق أنهم اللاعب و الحكم و على الجماهير أن ترتضي بذلك، و كان قادة الفريق في غاية التواضع و يعشقون التواصل مع الجماهير و خصوصاً الشباب منهم و لذلك كانوا يحرصون على زيارتهم و خصوصاً عند الفجر ...!!! و كانوا يصطحبون بعض الجماهير معهم أيضاً للتشاور في أمور كثيرة ...!!! و من كثرة الكرم و الضيافة كان الفريق في أحيان كثيرة لا يجعل تلك الجماهير تعود لبيوتها.
    ظل لاعبي الفريق على طريقتهم الخاصة في اللعب و هم في غاية الاقتناع بوجود جمال كبير في أسلوبهم الكروي و يظنون أن اللعب بخططهم الخاصة سوف تجعل مكتبهم عامر بكل أنواع الكؤوس الرياضية و أن طريقهم سوف يكون سالم من أية عثرات أو مشاكل و أنهم سوف يمرحون على الملعب بيسر و بساطة كما يمرح الأطفال الصغار على الوسادات.
    و فجأة و بدون مقدمات و بينما معلق الفريق يهتف بأسماء اللاعبين و هو سعيد جداً بهم، جاء فريق " البراميل " و في صباح باكر من آخر الملعب و قبل أن يتحرك فريق " ضربات القطار " من قواعده، ليطلق التسديدات في المرمى المفتوح و يحرز الهدف تلو الآخر و بهجمات تضرب كل الخطوط لتنتهي المباراة سريعاً بخمسة أهداف لفريق " البراميل " مقابل لاشيء لفريق " ضربات القطار " الذي لم يلعب حتى من أجل التمثيل المشرف و اكتفى بالانسحاب من هذه المباراة التاريخية في آخر دقائقها بعد أن تيقن أن الخسارة آتية لا ريب .
    لم يصدق فريق " البراميل " نفسه و هو يقتنص نقاط هذه المباراة بهذه السهولة و كان أكثرهم فرحاً اللاعب رقم سبعة و اللاعب رقم ستة وهما من سجلا كل أهداف المباراة الخمسة، بل و قام لاعبي فريق " البراميل " بالاستيلاء على منطقة الجزاء و رفضوا ترك هذا الجزء من الملعب و ظلوا يرقصون من أجل هذا النصر السهل البسيط، و الظريف أن معلق المباراة كان مازال يهتف بإنجازات فريق " ضربات القطار " رغم تأكد خسارته و ضياع البطولة من بين يديه .
    استيقظت الجماهير من غفوتها لتجد أن البطولة قد ضاعت تماماً و أن قادة الفريق يختلقون الأعذار لتبرير موقفهم من خسارة هذه المباراة، و أن كابتن الفريق يعلن اعتزاله بعد أن فشل في قيادة فريقه حتى نحو الأداء المشرف و أن قائد خط الدفاع غير موجود و يقال أنه سبب هذه الهزيمة الثقيلة لأنه لم يخطط جيداً للمباراة بل أنه من أعطى أمر الانسحاب من المباراة و لم يحاول إعادة تنظيم صفوفه و مهاجمة الفريق الخصم.
    خرجت الجماهير لتطالب بالتجديد لقادة الفريق و خصوصاً كابتن الفريق لما يتميز به من شعبية خارقة، و يتربع بسبب هذا الشعبية على قلوب الجماهير و قد حدث و تراجع الكابتن عن قرار اعتزاله و عاد لأرض الملعب و ربما يكون قد أدرك أن النوايا الطيبة لا تكفي وحدها لبناء فريق يحافظ على البطولة بينما كان حارس فريق الفريق المطرود منزوياً في بيته يشرب كوب من الشاي و هو يتحسر على ما آل إليه حال الملعب العظيم و حاله.



    تمــــــــــت

  6. #6
    مشرف المنتديات الدينيه احمدربيع is on a distinguished road الصورة الرمزية احمدربيع
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    1,962

    افتراضي رد: مجموعة قصصية " امرأةٌ و فارس "



    من منا سوف يموت اليوم يا صغيري ؟؟؟


    - هذا اليوم ؟؟ بماذا يختلف عن غيره من الأيام ؟؟ لا شيء.
    سأل نفسه هذا السؤال و هو يركب سيارته في هذا الصباح و يتجه إلى العمل فكل شيء كما هو، مشادة مع زوجته على أي شيء،عمل لا يحبه و لكنه يدر مال وفير، أصدقاء فرقتهم الأيام و المشاغل و أصبح لا يجدهم، حالة ممتدة من السخط ثم السخط ثم السخط رغم سنوات عمره الثلاثين ...
    وصلت السيارة إلى مقر العمل، و قبل أن ينزل منها، تأمل هذا الطفل الصغير الذي يجلس على الرصيف و هو يضع القليل من المناديل الورقية و يستعد لبيعها بينما يمسك بكراسه و يكتب بقلمه كلمات عديدة.
    تعود على رؤية هذا المنظر يومياً و منذ أكثر من أربعة اشهر، بل أنه في يوم ٍ ما و منذ ثلاثة اشهر تقريباً تقدم ناحية هذا الطفل الصغير و تعلل بأنه سوف يشتري علبة مناديل، فقد كان يريد أن يعرف ماذا يفعل طفل مثله بالكراسة و القلم ؟؟، و رآه يكتب عدة كلمات و يعيدها مراراً و تكراراً لدرجة أنه أثار رغبته في أن يفهم ماذا يكتب هذا الطفل، فتقدم منه و سأله عما يفعله، و لا يعرف لم شعر الصغير بالخوف منه ؟؟ و لم قام باحتضان كراسته و قلمه بقوة ؟؟ و كأنه يخشى عليهم أكثر مما يخشى على نفسه ... لم يتضايق ... فهو طفل صغير لم يبلغ الثامنة بعد، و بعد أن طمأنه إلى أنه فقط يريد أن يفهم ماذا يحدث ؟؟ أخبره الصغير بأن شقيقه الأكبر قد حصل على قسط بسيط من التعليم و أنه يتعلم منه بعض الكلمات البسيطة، و أخبره أنه يعشق القراءة و الكتابة و لكن فقر أسرته و وفاة والده جعله لا يحقق حلم الدراسة فحاول تحقيق حلم التعليم.
    منذ هذا اللقاء أصبح يحرص على الاطمئنان على أحوال الصغير بشكل يومي و ارتبط به جداً ، و ذات يوم قام بشراء كراسة و عدة أقلام ملونة و أعطاهم له و كتب له عدة كلمات و طلب منه أن يتعلمها و رأى شيئاً غريباً.!!ً فقد حرص الصغير على أن يكتب كلمة " يا رب " في مقدمة كل الصفحات، و قبل أن يبدأ في كتابة أي شيء.
    كان يرى في الصغير نقاء النفس رغم ملابسه الرثة، والعزيمة رغم صغر سنه، و الرضا بكل شيء رغم فقره و جلوسه طيلة النهار على الرصيف من أجل بضعة جنيهات قليلة.. كان يرى فيه ما يفتقده في نفسه ...!!! و أيضاً كان يرى فيه ابناً لم يشأ الله أن يرزقه به بعد رغم زواجه منذ عدة سنوات.
    أفاق من تأمله و نزل من السيارة و أتجه صوب الصغير و أعطاه كراسة جديدة و عدة أقلام و رأى فرحة كبيرة في عينيه و كالعادة قام بشراء علبة مناديل، ثم صعد إلى مكتبه و بدأ في ممارسة عمله و كل شيء كالمعتاد بداية من رسائل البريد التي ستصله الآن إلى دفتر المواعيد إلى لوم أصدقائه في العمل على التأخير أو أي شيء، و نصائحهم له بأن الحياة معركة و أن عليه أن يكون أكثر شراسة في هذه الغابة البشرية.
    مرت ساعة كاملة و المكتب في حالة تأهب فبعد قليل سوف يأتي وفد أجنبي هام، و كل شيء على أهبة الاستعداد و فجأة ....!!! سمع صوت ارتطام و صرير عجلات سيارة و صراخ و هرج و مرج 000و لا يعرف ما الذي جعله ينتفض من مقعده و يجرى ناحية الشباك و شاهد الصغير ... و لكنه لم يكن ممسكاً بكراسته و أقلامه بل كان غارقاً في دمائه ..!!!
    نزل من عمله كالمجنون و هو يسابق خطواته و ذهب صوب الصغير و حمله بين ذراعيه و عرف أن سيارة ضالة قد صدمته و هو يعبر الشارع، لم يشعر بأنه يحمل طفل لم يبلغ الثامنة من عمره بعد، بل شعر بأنه يحمل بين ذراعيه قطعة من أرض مصر الطيبة، يحمل حلم النقاء و الرضا و الأمل .اتجه به نحو السيارة و توجه فورا إلى المستشفى، و سرعان ما بدأ العمل من أجل إنقاذ هذه القطعة الطيبة من أرض مصر.
    لحظات و وجد الأطباء يُحضرون له الكراسة و يقولون أنهم وجدوها بداخل ملابس الطفل، لم يصدق نفسه و تساءل، لهذه الدرجة كان الصغير يرى في هذه الوريقات البسيطة حلم و كان يحرص عليه ؟؟؟ لهذه الدرجة كان الصغير يحقق سعادته من وراء كلمات بسيطة على هذا الورق ؟؟؟ لهذه الدرجة كان يرفض أن يترك حلمه و يبتعد عنه ؟؟؟ فتح الكراسة و وجد كلمة " يارب " مكتوبة بخط الصغير الطفولي على كل الصفحات، و تحوطها كمية كبيرة من الدماء.
    لم يبك في حياته كلها مثلما بكى في هذه اللحظة ..!!! بل أنه سقط على الأرض و هو يبكي و يقبض على الكراسة بقوة، و مرت عدة ساعات و الأطباء يحاولون و دموعه تتوقف ثم تهاجمه من جديد، و رأى طبيب يجري نحو غرفة الإنعاش فسأله عن الحالة فأخبره أن الطفل في حال سيء و أنه قد يموت ؟؟
    " من منا سوف يموت اليوم يا صغيري ؟؟؟ " هكذا سأل نفسه هذا السؤال، فبعض الأنفاس حين تتوقف لا تعني موت أصحابها و لكنها قد تعني موت الآخرين، فهناك موت بمعنى الحياة و هناك حياة لا تعني سوى الموت .
    ماذا يفعل ؟؟ دار حول نفسه، و تملكه يأس شديد و شعور بالعجز .. و فجأة وجد كلمة " يا رب " الموجودة على الكراسة تتجسد أمامه، و تنبه إلى ما يجب أن يفعله، لقد دله هذا الصغير على الطريق الصحيح، و في هذه اللحظة جاءه صوت آذان الظهر، و رأى أقدامه تتجه نحو الجامع الصغير الموجود بجوار المستشفي و بدأ الصلاة مع المصلين، و كل حياته من سخط و غضب و صراع و مال كانت تمر بخاطره بين الركعة و الأخرى، و عند الركعة الأخيرة انهمرت دموعه بغزارة، لدرجة أن المصلين قد قاموا بينما ظل هو لا يقوى على القيام، و وسط دموعه، كان يدعو للصغير و لنفسه و لكل من أصابه ظلم أو قهر أو مرض أو زادت آثامه أو ضل عن طريقه .. لم يتجه إلى الله بهذا الصدق و الخشوع من قبل ..لدرجة أنه تصور أن لسانه قد توقف بينما قلبه هو الذي يتحدث.
    عاد إلى المستشفي بعد حوالي ساعة قضاها في الجامع بين الصلاة و الدعاء و قراءة القرآن و تشبث بالكراسة و كأنه يستمد منها القوة و اتجه إلى الطبيب و كلمة " يا رب " تتردد بداخله و جاءت الكلمات لتخبره .. أن الأمور تتحسن و أن الطفل سوف ينجو بمشيئة الله تعالى.
    لم يشعر بنصر في حياته كلها مثلما شعر به الآن، لم يشعر بطعم الفرح و الرضا و الهدوء النفسي مثلما شعر به في هذه اللحظة، كان يشعر أن الله بجواره، و لأول مرة يشعر بأنه قد تطهر من كل آثامه و خطاياه، بكى بقوة و كأنه بدموعه يريد أن يغسل روحه، و كأنه بدموعه يريد أن يستعيد نفسه من جديد.
    لمح صديقه في العمل يقترب منه و على وجهه كل إمارات الغضب و هو يخبره بأنه قد ذاق الويل من أجل الوصول إلى المستشفي و أخبره أن الوفد الأجنبي قد جاء و رحل و هو غاضب جداً لأنه لم يجده.
    لم يسمع كلمات صديقه و اتجه إلى نافذة المستشفى و نظر للخارج، صوب الجامع الصغير و وجد أنه كان مخطئ حينما تصور أن هذا اليوم لا يختلف عن بقية الأيام، بل أنه يختلف و بقوة ... بل أنه أهم أيام عمره ...


    تمـــــــت


  7. #7
    مشرف المنتديات الدينيه احمدربيع is on a distinguished road الصورة الرمزية احمدربيع
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    مصر - القاهرة
    المشاركات
    1,962

    افتراضي رد: مجموعة قصصية " امرأةٌ و فارس "



    ربما كانت تحتاج إلى ....؟؟؟



    جلس و هو في حالة من التفكير العميق على ذلك المقعد الخشبي المتهالك بداخل الحديقة العامة بينما كانت أشعة الشمس الحارقة تلقي بنارها على رأسه و لكنه لم يشعر لأن النار التي تتأجج بداخله كانت أشد وطأة من نار الشمس و حرقتها، فهو لا يعرف ماذا يفعل و لا يعرف كيف يحل هذه المشكلة التي قد تطيح بحياته كلها.
    " لماذا عدت اليوم مبكراً على غير العادة .؟؟" هكذا سأل نفسه هذا السؤال و هو يهز رأسه من شدة الضيق، فهوعادة ً يعود من عمله في الرابعة عصراً و اليوم عاد مبكراً عن ميعاده بثلاث ساعات لأنه شعر بالإرهاق ، و ذهب إلى بيته و دخل المنزل و لم تنتبه زوجته إلى أنه قد عاد و ذلك لأنها كانت تتحدث في الهاتف مع والدتها بغرفة بعيدة عن الباب و لم تتوقع عودته في هذا الوقت المبكر و سمعها و هي تحكي عن تفاصيل مشادة الأمس بينه و بينها و التي نشبت بسبب مصروف البيت، حيث كانت تتحدث بالتفصيل و تنقل لوالدتها كل الأخبار، بينما هو يسمع الحوار بغيظ شديد و لولا بقية من عقل تميز به دوماً لحدث ما لا يحمد عقباه.
    خرج من المنزل سريعاً دون أن يُحدث صوت، و هو يحترق غضباً و غيظاً فهو يعرف مدى ارتباط زوجته بأهلها و مدى تأثير والدتها بالأخص عليها و كم خلقت هذه المسائل مشاكل عديدة لدرجة أن زوجته تركت البيت كثيراً بسبب هذه المشاكل و في أحيان أخرى كان يرفض وجود أهلها في بيته.
    رفع رأسه إلى السماء و ووضع يده ليحمي عينيه من أشعة الشمس و قال " ماذا حدث لقد تغيرت هذه المرأة كثيراً ؟؟ "، فهو يراها في صورة مختلفة عن تلك الفتاة التي أحبها في الجامعة و نشأت بينهما قصة حب كان كل من يعرفها يشهد بطهرها و روعتها، هي زميلته عام بعام و كانت كل الأحلام تنحصر في الزواج ، و بالفعل تم هذا الزواج بعد ثلاثة أعوام من التخرج كان يبحث فيها عن العمل المستقر و توفير متطلبات الزيجة، و بعد الزواج أخذ يعمل و يعمل من أجل أن يوفر لها حياة كريمة.
    كانت ظروفه المعيشية صعبة فهو يعمل دائماً و بعد مرور عام و نصف العام من الزواج جاءت طفلته الأولى و أصبح الضغط عليه كبير فظل يعمل و يجتهد و لم ينس أبداً أن المشاكل بدأت منذ هذا الحين عندما كان دائماً ينتقدها بسبب إهمالها لحقوقه و عدم تقديرها لمتاعبه و كانت دائماً ترفض هذه الانتقادات و تؤكد أنه هو الذي تغير و لم يعد يحبها كما كان.
    بعد طفلته الأولى بثلاث سنوات جاء طفل آخر و تزايدت الضغوط المالية عليه، و مع هذه الضغوط ضاعت حلقة الوصل بينه و بين زوجته و أصبحت المشاكل لا تُطاق و بدأت الزوجة تترك البيت غاضبة، و عندها بدأ أهلها بالتدخل و زادت رقعة المشاكل بينهم بسبب هذا التدخل .
    كرة من المطاط ارتطمت بقدمه و هو جالس على المقعد الخشبي و أخرجته من حالة التفكير العميق و سمع صوت طفل صغير يطلب منه إعادتها فقام بالتقاطها و أعادها إلى الطفل و سرعان ما أمسك الصغير بالكرة و راح يقذفها لوالده و والدته و شقيقه الكبير و وجد الجميع في حالة سعادة كبيرة و لاحظ أن الطفل الكبير معاق ذهنياً و لم يكن من الصعب أن يصل إلى مسامعه أصواتهم حيث سمع الزوج ينادي على زوجته بـ " حبيبتي " طوال الوقت و بعد نصف ساعة توقف الجميع عن اللعب و لكن لم تتوقف الضحكات و اتجهوا إلى دراجة بخارية من النوع البسيط – الفسبا – و قادها الزوج و هو يضع الطفل الكبير أمامه بينما جلست الزوجة إلى الوراء و أجلست الصغير على رجلها و لم ينس الصغير أن يقبض بقوة على كرته المطاطية.
    ظل يتتبعهم بنظراته حتى غابوا عن عينه ثم نظر إلى الوراء و رأي سيارته البسيطة و هي قابعة بجوار الحديقة و تساءل في نفسه " منذ متى لم أخرج مع زوجتي في نزهة ؟؟ و حتى و إن خرجنا فهل كانت نفس الضحكات الصافية التي أراها الآن موجودة ..!!! ".
    " لماذا لم أنتبه لهذا الأمر " قال هذه الكلمات بصوت مسموع حتى أن رواد الحديقة ممن كانوا بجواره التفتوا إليه، فشعر بحرج شديد و توجه لسيارته و هو يفكر بتلك الأسباب التي جعلت زوجته تفقد الأمان معه و لا تشعر به إلا مع أهلها0
    فهي لم تنقل أخبار حياتهما إلا في السنوات الأخيرة وتساءل ماذا كانت تحتاج زوجته، أما هو فقد كان يحتاج إلى أن يرى هذا المشهد بعينيه فربما لو نصحه أحد لما التفت لنصيحته و لكن شاءت الأقدار أن يرى هذا المشهد.
    وصل إلى المنزل و أخذ حقيبته و كأنه مازال عائداً من العمل و لم يفتح الباب بالمفتاح و لكنه رن الجرس بشكل أحدث نغمة جميلة و سرعان ما فتحت زوجته الباب و ما أن دخل حتى وجدها مرتبكة و هي تقول :
    - عفواً لم أتوقع عودتك مبكراً و لكن الطعام سوف يكون حاضر بعد نصف ساعة.
    كانت تتوقع كلمات لوم على إهمالها له و لكنه أمسك يديها و طبع قبلة حانية على كفيها و قال :
    - سوف أشارككِ تحضير الطعام.
    نظرت إليه بتعجب شديد و لم تستطع أن تقول شيء من هول المفاجأة، أما هو فقد ابتسم و قال بهدوء :
    - هل تعرفين أن طعم البصل على يديكِ أكثر روعة من نكهته بداخل الطعام.
    تنبهت إلى أن يديها مليئة بالبصل فمسحتهما في رداءها و لمعت دمعة في عينيها و همت أن تقول شيء و لكنه قال لها و هو يقبلها:
    - أحبكِ
    ربما أدرك الآن أن زوجته كانت تحتاج فقط إلى كلمة حب حتى تستعيد ثقتها به، صحيح أن كلمة حب واحدة لا تكفي و لكنها البداية لكي يستعيدا سوياً حياتهما.



    تمـــــت


+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك