بـالأمس أمي .. و الـيوم خـادمتي ..!
:
:
عنوان مثير.. .. استفزازي .. دوني و يحمل من الاستهزاء و الوقاحة الشيء
الكثير .. ما سبق كلها مصطلحات تتسابق في وصف قسوة التعبير في هذا العنوان .
فبعدما أوصى رب رب العالمين بالوالدين لعلو شأنها و عظمة قدرهما في آيات كثيرة
:
منها قوله تعالى : (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًاُُ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )) ..{الإسراء:23-24}..
:
و أيضاً لم تغفل السنة النبوية الشريفة حقوق الوالدين و عظمة قدرهما ..
فحين سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم
:- ( من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أمك. قال : ثم من ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك) .
:
كما أن الواجب الإنساني لم يغفل دور الوالدين و الأم تحديداً .. فقد كتب لها كبار الشعراء و أبدعوا في مديحها و إطرائها .. فقد أمتعنا الشاعر الكبير / حافظ إبراهيم في وصف الأم بقوله : (( الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها .. أعددت شعبا طيب الأعراقِ )) .. و غيره كثير من الشعراء المبدعين
:
الأم .. هذا الكيان الكبير .. هذا العالم المليء بالتضحية .. المفعم بالعطف و الحنان
هذه الكتلة من السهر و التعب .. الأم .. هذه الدنيا التي ليس بعدها دنيا .. ما أجمل
:
كلمة (( أمي )) المحروم منها الكثير و الكثير .. إذاً عزيز القارىء إذا توفرت لديك
كلمة ((أمي )) و كانت متداولة على لسانك بشكل يومي فأنت في نعمة كبيرة يغبطك و
يحسدك عليها الكثير ممن يفتقدونها .. فكثير من لم ينطق كلمة (( أمي )) و لا مرة
:
واحدة في حياته .. كثير من فتح عينيه على هذه الدنيا دون أن يجد حضن ينتشله
الأم يا منبع الإطمئنان .. يا راحة مختلفة عن كل راحات العالم .. أمي .. بمجرد أن
ترين ملامح وجهي على غير عادتها إلا و تطرحين عليّ تساؤل سريع بقلق :
(( مابك يا بني ؟ )) .. بينما غيرك قد لا يشعر أن الهم يكتسيني من رأسي إلى أخمص قدَمَي .. يا لهذا المخلوق الكبير .. دعونا نتخيل العالم بدون (( الأم )) ..
دعونا نلغي هذه الكلمة من الوجود ..!كيف ستكون الدنيا ..! كيف سنعيش ..!
هل سنجد الحب ..! هل سنجد العناية و الاهتمام ..!هل سنجد الرعاية ..!
:
ما هي الحياة بدون لمسة يد أمي على خدي ..! ما هي الحياة بدون زرعي قبلة كبيرة
على رأس أمي بين الفينة و الأخرى ..! ما هي الحياة دون أن أجد إنسانة أقول لها ..!
:
(( كل عام و أنتي بخير يا ست الحبايب ))
:
في كل مناسبة ..! لا أرانا الله و إياكم هذا
في مفارقة طريفة لاحظتها .. اليوم الفتاة الشابة تخضع لحنان أمها و تترعرع بين
أحضانها و تتدلع عليها .. و خلال سنة أو أكثر تتزوج و من ثم تصبح أماً و تعيش
نفس شعور أمها مع وليدها .. ما أجمل هذه المفارقة و ما أروع تلك المرحلتين ..
فـ بالأمس كانت البنت الدلوعة المسلطة عليها أضواء الرعاية و العناية و اليوم هي
الأم المطلوب منها ما كانت تأخذه من أمها .. يا سبحان الله ..!
:
ُُُُ و موضوعي اليوم سوف أتحدث فيه عن المفارقة الأكبر و الأوسع و الأشمل ..
موضوعي سوف يتحدث عن قََدْر الأم و مكانتها في المجتمع أيام زمان و نقارنها
بوضعها اليوم .. فبعدما كانت الأم هي القدوة و الوقار و الاحترام و الهيبة .. أصبحت
اليوم شيء مُهمّش بالكاد يُذكر .. بعدما كانت تُخدم و تعان في كل متاعبها .. اليوم
أصبحت هي الخادمة التي تلبي كل الطلبات و الأوامر ..! بعدما كانت توجهنا للطريق
السليم و أحياناً توبّخنا إذا أخطئنا و في أسوأ الظروف تضربنا .. أصبحت اليوم هي
من تُوَبخ و تُسَب و تُهان .. و تُضرب إذا لزم الأمر ذلك ..!. أصبحت بعض الخادمات
– و للأسف – أعلى شأناً و أرفع مقاماً في بعض البيوت من أمهاتنا .. أصبحت
الخادمة الأجنبية التي قدمت إلينا منذ بضعة أشهر هي الأحق بالتقدير و الاحترام من
أمهاتنا اللائي أرضعننا و تعبن و سهرن على راحتنا السنـوات
:
في مشاهد واقعية كنت شاهد عيان فيها .. الأم تُعامل أسوء من معاملة الخادمة و يُأمر عليها بِنَهر
(( أذهبي و أحضري هذا .. بسررررعة )) .. الأم تٌسب و تُقذف
و تهان (( يا بنت الـ....))
الأم تُضرب و هنا نعيش تبادل أدوار رهيب بين الأم و ابنها أو بنتها ..! فبعدما كانت
الأم تَضرب هاهي اليوم تُضرب ..! يا لهول كل ما ..! هنا يتهز عرش رب العالمين
هنا يشتاط غضب رب العزة و الجلال .. فبعدما أوصى بالوالدين و بالأم
تحديداً و الدلائل على ذلك كثيرة .. و بعدما شدد على ذلك المصطفى صلى الله عليه
و سلم .. أنعكس الحال حاله كحال بقية الأحوال ..
من يفعل ذلك بمن أوصى بها رب العباد هل لديه دين يردعه ؟.. هل لديه خُلق ينهاه ؟
:
هل لديه ضمير يوقفه ؟
:
أمي .. مهما قسا عليك الزمن .. مهما ساءت حولك الظروف .. تبقين أمي .. تبقين
أجمل و أروع و أحن مخلوق .. أخي قد يعوضني الله بأخٍ غيره .. زوجتي قد يعوضني
الله بزوجة غيرها .. و كذلك عمي و خالي و صديقي .. لكن أمي واحدة ليس لي
سواها .. إن فقدتها ليس لها بديل و لا مثيل .. لن يحن عليّ أحد مثل حنانها و لن أجد
الحب الذي وجدته في أحضانها .. لن أجد من يسهر لسهري و يتعب لتعبي و يجوع
لجوعي .. لن أجد من يغطيني إذا تنحى اللحاف عن جسدي ..
لن أجد كلمة (( سلامتك )) إذا تنهّدت الآه .. لن أجد اليد الحانية التي سوف
:
تمسح دموعي اذا انهمرت .
:
ُُُُ لو رحلت عن هذه الدنيا .. صديقي سوف يحزن لفراقي أيام و أشهر ثم يلهى بنفسه
و مشاغله و بعدها أكون طياً منسياً .. وأخي سوف يحزن عليّ شهر .. شهرين ..
سنة .. سنتين ثم ينساني .. زوجتي سوف تحزن عليّ سنة .. سنتين .. خمس سنوات
ثم تنساني و تبحث عن نصيبها مع زوج غيري .. لكن أمي هل من يعضوها غيابي
حتى لو أنجبت بعدي 100 مولود ..! هل من يغسل حزنها و مرارة قلبها عليّ ..!
هل من شخص سوف يسد فراغي في عينها و يسكن غرفتي و ينامعلى فراشي ..!
:
لا طبعاً .
:
أخيراً و ليس آخراً .. تمنياتي أن يكون هذا الموضوع البسيط قد حاز على رضا و
استحسان القرّاء الكرام .. و أهدي هذا الموضوع إلى أمي و أمك و أمكِ و إلى كافة
أمهات العالم و هذا أبسط ما نقدمه لـ ست الحبايب .أطيب الأماني
:
داعيه الباري بأن يحفظ أمهاتكم
لكم مني الف تحية