ولا تخلو مائدة عراقية، وربما حتى عربية، في أشهر الصيف القائض وفي أيام رمضان المباركة من التمر واللبن، فهما يعدان جزءا من حياة الناس، حتى ضرب العرب بأحدهما مثلا «بالصيف ضيعت اللبن».
وإذا كانت الحروب واضطهاد الأنظمة وأعمال العنف قد باعدت بين الشقيقين «لبن اربيل وتمر البصرة» كما هو حال الاف العوائل التي تعيش الان في شتات المهجر، فان الجميع يتطلع الى عودة الحياة الى طبيعتها.
وان كان تمر البصرة قد اشتهرت منه أنواع البرحي، الذي يرسل هدايا في علب انيقة الى خارج الوطن، فان لبن اربيل اخذ حيزا كبيرا من الشهرة، حتى قيل ان مواطنا بعث رسالة في البريد من احدى المحافظات في مطلع السبعينات، كتب على الظرف العنوان التالي «بغداد ـ باب المعظم ـ وزارة الدفاع – مقابل لبن اربيل»، كي يسهل على موزع البريد مكان وزارة الدفاع التي تقع قبالة محلات اللبن الأكثر شهرة.
ان الظروف الأمنية التي غيبت لبن اربيل عن أسواق البصرة، حفزت القرويين بتسويق ألبانهم في هذة الأيام بالتزامن مع نضوج التمر، الذي يروجه الفلاحون رطبا، حتى بات المشهد مألوفا لبائعات اللبن في الأسواق وأصبح الإقبال عليه كبيرا.
يروي احدهم ان منظر بائعات اللبن، وهن قادمات من بعيد يحملن على رؤوسهن أقداح اللبن المنضدة في أوان فوق بعضها، يتمايلن في مشيتهن بتناغم يمنح الأواني الاستقرار والثبات.
كان لبن اربيل يصل الى البصرة بكميات كبيرة على شكل «ناشف او خاثر» ويباع بالوزن، أما اليوم فان كل بائعة لبن تروج لبضاعتها بتوصيف تحاول فيه التماثل مع حكاية بائعة اللبن المشهورة في العصر الراشدي، حين رفضت أم عمارة بنت سفيان بن عبد الله الثقفي طلب أمها ان تغش اللبن، التي أسعدت بإيمانها وأمانتها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فزوجها لابنه عاصم، وبارك الله لهما فكان من ذريتهما الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز.
ومن أشهر أنوع التمور في البصرة، الذي يسوق إما رطباً أو تمراً هو البرحي الذي يطلق علية ماكنتوش البصرة، اضافه إلى الخضراوي والخستاوي والقنطار والبريم والحلاوي ومئات الأنواع التي كانت تقيم لها كلية الزراعة معروضات سنوية خاصة، ومنحت في اختصاص التمر والنخل عشرات الاطروحات التي نالت الشهادات في الدراسات العليا. كما اشتهرت البصرة بمعامل تصنيع التمور في مناطق الداكير وغيرها، حيث تصدر سنوياً مئات الأطنان منه عبر ميناء البصرة، خاصة إلى دول شرق آسيا، فيما تصدر الأنواع الجيدة والمحشوة بالجوز واللوز والسمسم إلى الأسواق العالمية، اضافة إلى صناعة الدبس الطبيعي والخل.
وللنخلة والثمرة عدة مسميات تطلق عليها اثناء نموها ودورة حياتها ومراحل نضوجها، تبدأ النخلة بالفسيلة ثم النشوة والعديله فالباسقة والحيطة، أما الطلع فعند تكور حباتها تسمى الحبابوك ثم الجمري فالخلال ثم الرطب فالتمر.
وارتبط اسم البصرة بالنخيل والتمر منذ القدم حتى أصبحت موطناً لأجود أنواعه، وبه اشتهرت، حيث تمتد بساتين النخيل على ضفتي دجلة والفرات عند دخولها الحدود الإدارية للبصرة في منطقتي القرنة والمدينة حتى ملتقاهما، حيث يكونان شط العرب، وتستمر البساتين بمحاذاة الشط الذي يبلغ طوله 241 كم وتزداد كثافة وتوسعاً من منطقة أبى الخصيب حتى نهاية اليابسة العراقية، في رأس الييشة بالفاو. وقد أشارت المصادر الى ان في البصرة اكثر من ثلاثين مليون نخلة حتى نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي، وقد تأثرت كثيرا بالحروب التي نشبت بالمنطقة وهجرة الأهالي، خاصة خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات عجاف.