جم دوب أدافع عواذل ياخلكَـ بالهوش
حتى دعوني شبيه السارحه بالهوش
لا جان هذا ابضميري لا ولا بالهوش
من حيث إذاني دعوهن من حجيهم طرش
لا خط لفاني ولا جدمي عليهم طرش
ياحيف نكَضي العمر ما بين وادم طرش
لو تلزم اذنة لزم لو ما يكَف بالهوش !!
انه يتحسر على عمر قضاه بين اناس لهم شكل بني آدم وطباع الحمير !! اي اغتراب ان يتحسس الشاعر ضياع عمره بعد ضياع حلمه !! ويبدو ان جلاء هموم الشاعر أمر عسير المنال في زمن الحمير فتضاءلت عافيته وذبل عوده من كثرة الجلي بسبب كلمات الغوغاء الكلمات المؤذية النابية ! ونأي احبته عنه ووقوف الشرفاء على الحياد حين يخوض الحاج زاير نضاله ضد سفلة الناس !! فضجت صوره الفنية بالكنايات ! فالمنجل مثلا معادل لحول زاير وطوله بعبارة اخرى معادل لقدرات الشاعر !فإذا انكسر المنجل لبث الشاعر دون قدرات وبات عليه احتمال شماتة الأنذال وسخريتهم الموجعة :
آنه الذي اليوم عودي من الحجي منجلي
يامالك الروح أبكَه الياوكت منجلي
وما بين الأنذال أصبح ما هو كوتي ايصير
واللي عكَبناه عنه يمتنع ويصير
آنه الذي دوم اسمي بالحصاد ايصير
ومن جور الأيام أصبح منجسر منجلي !!
نعم الشاعر يسمي الأوجاع بأسمائها !! هنا يشكو من جور الأيام بحيث يكون الحاج زاير دون خلق الله طرا منكسر المنجل في زمان الحصاد والجني !! وآه من اهل الزمان !! الحاج زاير يحذر نفسه على سبيل التجريد البلاغي أي ان يخاطب رجلا آخر ويريد نفسه اي المقصود الحاج زاير وليس الشخص الآخر !! انه يحذر الآخر في ذاته محذرا اياه ان لا يأتمن اهل الزمان !! فهم شوائب الرز ( الدنان ) الذي يغش به تجار الرز المشترين !! هم شوائب الرز ولن يكونوا رزا !! لقد احرق الشاعر صورة الناس بنار كذبهم وشعبذتهم بحيث شق مرآهم على زاير !! :
أهل هل وكت بالك تمن بيهم
إدنان وعيب يحصل تمن بيهم
ثلاث من الخصايل تمن بيهم
الجذب والفتن والشوفة الردية
اذن زاير سلك في النص اعلاه دزاين الأبوذية المعتمدة على قافية موحدة اللفظ متعددة المعاني على سبيل الجناس البلاغي ! وسنرى لا حقا في النص الآتي صورة الحبيب متماهية مع صورة العاذل ! بحيث يشق الأمر على العاشق فيمرض ويصيبه النحول ! كأنه نفس بلا جسد ! والمغترب عادة يلوذ بمن يحبهم فإذا كان المحب عذولا فهو بمعنى ثان سبب أدعى للإغتراب !! الدواء داء والحارس قاتل !!
يعاذل نار شوكَي هل تمسني
إهديني الشوف حبي والتمسني
بجه من مد يمينه والتمسني
لكَاني نفس ما مش جسد بيه
نلاحظ شكوى الشاعر من الزمان وأهله ! هو ذا الشاعر يؤنسن الزمان فيمنحه طباع الإنسان ! فالزمان يجعل القزم عملاقا ويجعل الأخير قزما ويهدم قصور الأعزة ويبني بآجرها قصورا للسفلة !!
الزمان وي الجواد بسكَم كَصرن
ويبني بيوت للأنذال كَصرن
الكَصير يطول وال بي طول كَصرن
الصكَر يطلب من البومة هديه !
وفي ساعة نحس يستعرض زاير عذاباته في الحياة فهو الذي لم يذق الراح والراحة ! فإذا نال هذه افتقد تلك !! فيستبد به الجزع الى ابعد مما يكون الحد !! وآية ذلك عتابه المر لله ومكاشفة الله بخوف الحاج زاير الشديد ان يكون السفلة مرفهين يوم القيامة ويلبث المظلوم على ظلمه !! وهو اسلوب في معاتبة السماء غير مألوف في مدينة مقدسة كالنجف تحصي حركات نجوم المجتمع وسكناتهم !!
أنه بدنياي عيبن شفت راحات
أو علي مرت ليالي العسر راحات
أجيبن هاي كَالوا ذيج راحات
أخافن بالقيامة ذيج هيه !!
وتنسيقا مع الجزع وعتمات اليأس وسخرية الآخرين وشماتتهم وهم يرون خيبات زاير المتتالية وشعوره الفاتك بالأغتراب فقد امعن تفنن الخصوم في تنكيد الشاعر وتفنيد احلامه فهم يعتدُّون ذكاءه غباء وكياسته جبنا ومشاكساته للجهل جنونا !! وكان يردد الناس كَالت مجنون !! الناس كَالت مجنون !! قارن :
ما تعلم ابحالي اشلون
شيبت واصفرّ اللون
والناس كَالت مجنون
ابعكَلي اقنعت بس آنه !!
لقد اسس الحاج زاير افانين عديدة للتعبير عن حالات اغترابه وبعض هذه الأفانين ذات مصطلحات نقدية علمية لم يكن الحاج زاير قد اطلع عليها ولكنه توصل اليها بموهبته الكبيرة وبدربته التي ثقفها من مدينة النجف !! فقد مات الحاج زاير قبل ان تولد يوليانا كرستيفا فكيف له ان يطلع على رأيها في آليات التناص مثلا !! وكيف لزاير ان يلم بفن القناع ولم يكن هذا المصطلح متداولا قبل خمسينات القرن العشرين !! الموهبة تقود الى الفتوحات فمثلا ت. س . اليوت حين كتب الأرض اليباب لم يكن يعرف شيئا عن المعادل الموضوعي
Objective Correlative حتى قرأ ازرا باوند الأرض اليباب واستنبط هذا المصطلح منها !! واشرنا في بحثنا عن حسين قسام انه لم يكن قد قرأ البيان السوريالي لأندريه بريتون ولكن موهبة القسام جعلته في زعمنا سورياليا كبيرا ! قارن :
التناص عند الحاج زاير : والحاج زاير مثقف بينا جل الشعراء الشعبيين في زمانه اميون كتابة وثقافة !! وكان يطيب له احيانا ان يتسكع في كتب الشعر القديم وكتب التراث الأدبي وفي كتب الأمثال وقد يقتبس من القرآن !! ثمة افانين كثيرة للتناص !! ثم ينتقي منها ما يناسب جحيمه الإغترابي ويصوغ الفصيح بطريقته الشعبية المحببة !! وهذا الضرب من السلوك اسمته يوليانا كرستيفا سنة 1962 التناص والتناص باختصار يستوجب نصا قديما غائبا ونصا حديثا ماثلا بصياغات اسماها ابن رشيق القيرواني ت 456 هـ في العمدة السرقة الشعرية واجاز حلات منها وهو ما فعلته كرستيفا دون ان تشير الى القيرواني !! وكان ابو نواس معروفا بتمثل المعنى الذي يعجب في شعر غيره !! فحين قال الأعشر الكبير ميمون بن قيس البكرى وهو جاهلي :
وكأسٍ شربتُ على لذَّةٍ وأخرى تداويت منها بها
قال بعده ابو نواس بقرون :
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء
وهو من التناصات المبكرة وابو نواس لا يعرف يقينا شيئا عن التناص ولكأنه دأب الشعراء في كل عصر ومصر !! وحين ضويق المتنبي العظيم لأنه يضع المعاني التي سبق اليها في شعره قال ( الشعر جادة وقد يقع الحافر على الحافر ) !! والتناص مع المثل الشعري يسمى استعارة ثمثيلية ومع القرآن الكريم يسمى الإقتباس !! ولكل حالة مصطلحها !! قارن التناصات الإغترابية التالية :
ابو فراس الحمداني :
أيا جارتا ما انصف الدهر بيننا تعالي اقاسمك الهموم تعالي
الحاج زاير :
نحل جسمي وتظل روحي تعالي
هبطنه والنذل بينه تعالي
يجارة الدهر ما انصف تعالي
نخلط همومنا ونجسم سوية
عروة بن حزام :
هوى ناقتي خلفي وقدامي الهوى وإني وإياها لمختلفان
الحاج زاير :
وحكَـ المرتضى إيمامك وإما ماي
عبيط الدمع لفراكَك وما ماي
هوه الناكَه لفة خلفي وما ماي
الهوة مدري لوين ايريد بيه
شاعر قديم :
أحباي لو غير الحمام أصابكم عتبت ولكن ما على الموت معتب
زاير :
آنه انشر للهوه وما طلع حباي
ومن ضعفي غديت انحيل حباي
لون غير الحمام ايصيب حباي
عتبت ولا عتاب اعله المنيه
شاعر قديم :
الخيل عندك ملتها مرابطها والبيض منها عرا أغمادها السأم
زاير :
إجبود ابجمر من الوكت ملت
وكَلوب الناس من الهجر ملت
مرابط خيلك من الخيل ملت
وبيض اسيوفكم امست صديه
شاعر قديم :
لا يعرف الشوق الا من يكابده ولا الصبابة الا من يعانيها
زاير :
من هل بله جاني المرض
ويطول حجيك ويعرض
لا تنشد الخالي الغرض
انشد ال بالشوكَـ ابتله
الشاعر القديم :
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني
زاير :
ما حلب وياي صافي
وعكَبه جفني موش غافي
آنه علمته القوافي
ومن تعلمها هجاني
الشاعر القديم :
لو بات من اهواه وسط حشاشتي قلت ادن مني ايها المتباعد
زاير :
نحل جسمي وزاد اليوم مرضاي
على اللي ما شفت له شخص مرضاي
لو بات الترف بحشاي مرضاي
اكَله اكَرب يهل مبعد عليه
وقد ينهل الحاج زاير من المثل السائر المتداول في عصره او من بطون الكتب !! من نحو : تسمع بالمعيدي خير لك من ان تراه ! والمعيدي في مجمع الأمثال للميداني هو نعت اطلقه النعمان بن المنذر بن ماء السماء اللخمي اليمني أمير مشيخة المناذرة في الحيرة على خصمه اللدود ضمرة بن ابي ضمرة ! وكان ضمرة قصير القامة نحيل البنية ضئيل الوجه لكن اسمه كان كافيا لبث الرعب والهلع في نفوس جيش النعمان المكرس اصلا للدفاع عن بلاد فارس ويتسلم الأمير وجنده الرواتب من كسرى !! وضمرة اتعب النعمان وكسر هيبته لأنه اتعب كسرى وبعد ان عجز النعمان عن ان يقبض عليه اعطاه الأمان فقدم ضمرة على حصانه وكأن جسمه من الضآلة جسم صبي نحيل !! فضحك النعمان من المفاجأة وقال : تسمع بالمعيدي .... فغضب ضمرة وصرخ بوجه النعمان ابيت اللعن ( ايها الملك الذي يأبى الزمان لعنه ) اعطيتني الأمان على ان لا أهان ! والرجال لا تكال بالقفزان ولا توزن بالميزان وإنما المرأ بأضغريه فإن قال فبلسان ! وإن صال فبجنان ! فانظر ايها الملك فيمن رايت !! فاعتذر النعمان وكان معروفا بالحمق !!
زاير :
بعض المسامي يصير ادغارهم من تره
ما يصح كفاف مكنهم للدمع من تره
تجاه المعادن تره من تنشذب من تره
مانيش مليوم بس اتبع وراهم وصف
تعبان ظليت بيهم بس اجتف وصف
ذجر المعيدي يفيدك من تتبعه وصف
بيه اكتفي من تسمعه خير الك من تره
وفي الأمثال : ذهب بالعنب والسلة أو خذ العنب واعطني السلة :
زاير :
من عكَب زين المحاجي عاد سلتنه
صرنه خلف ماتفيد السيف سلتنه
من فوكَـ هذا الضعف دنياك سلتنه
يهل الهوه ممتحن كَلبي خذوني لكم
لو تنستر دمعتي بيدي ابجفاكم لكم
عفنه العنب ما نريده يارفاكَه لكم
لاجن نباري بعد وانريد سلتنه
إنت هم ؟! معناها: أنت ايضا ؟! حتى انت ؟! وهي تشبه صرخة يوليوس قيصر حين طعنه بروتس متضامنا مع من تآمر على قتله : حتى انت يابروتس ! ونشك ان يكون زاير قد اطلع على هذه الحكاية لكن مشاعر البشر تتراسل وتتخاطر !!
زاير :
ياكَلب لا تنهضم او تكَضي العمر وانتهم
بهواك اون بونين السمع وانتهم
من دون اهل الهوه آنه ابتلي وانتهم
مالي صديجن تألملي ولا لي صاح
جاني ايتغطرف كَلت سكران لا لا صاح
هميت امد ايدي اعله خده صاح
وانزعج واغتاض مني وكَال الي وانت هم