هوليود تستخف بالعرب
جمهورية (الواديِّة) الشعبية الديمقراطية
جريدة المستقبل / بغداد / 10/1/2012
كاظم فنجان الحمامي
صارت أنظمتنا العربية فرجة للرايح والجاي في دور العرض السينمائي, وتحولت أوضاعنا المزرية إلى مادة كوميدية لإضحاك الناس والترويح عنهم. .
الملفت للنظر ان هوليود, وعلى وجه التحديد بعد انهيار أبراج مركز التجارة العالمية في (11 أيلول 2001), انتهزت آثار تلك الكارثة, فكرست جهودها في تسويق المشاهد المشوهة للعرب, وصار العربي في معظم الأفلام مرتبطا بالإرهاب, وربما نجحت في ترسيخ هذه الصورة, حتى صارت صورة العربي الملتحي رمزا للشر والإجرام, وأضحت الكوفية العربية (اليشماغ) من مظاهر التمرد والتطرف, وهكذا جندت استوديوهاتها في إظهار اللقطات السلبية لمجموعة من النماذج العربية المنتخبة, فاختارت التاجر العربي, وأضفت عليه صفات المرابي الجشع, الذي يستغل الناس ويسعى للربح الحرام بالغش والاحتيال, واختارت المواطن البسيط فصورته بملامح العميل الخائن, وعرضت للناس صورة المواطن الخليجي بملامح الجاهل المتخلف, الذي يعيش في البادية مع قطعان الأغنام والماعز والى جانبه مجموعة من آبار النفط والغاز, ثم تجاوزت هذه اللقطات النمطية البليدة, لتتحول نحو منح دور البطولة لقادة الأنظمة العربية, فجاء الحاكم العربي المستبد بصورته الحقيقية, وظهر على الشاشة غارقا في الظلم والفساد, لا هم له سوى الجنس والمقامرة والمعاقرة, فاحتل مركز الصدارة بعد تفجر الأوضاع في العواصم العربية الملتهبة. بيد أن محاور الإثارة في تلك الأفلام كانت تدور في جوهرها حول شخصية المواطن العربي المغلوب على أمره, فحولته هوليود في معظم المشاهد إلى مادة سينمائية مقيدة بسيناريوهات محددة بأدوار السخرية والتندر, فالمقصود هو التهكم على المواطن العربي نفسه, وليس على الحاكم الذي وضعته في الصدارة بهدف المخادعة والتمويه, وصولا إلى تشويه صورة العرب بين الشعوب والأمم. .
وهذا هو النهج المريض الذي سارت عليه شركة (بارامونت) الامريكية, عندما شرعت بإنتاج فلم (الدكتاتور), ومنحت فيه دور البطولة للممثل اليهودي (ساشا بارون كوهين), ليجسد في الفلم شخصية الرئيس العربي (الجنرال علاء الدين) الزعيم الأوحد والقائد الأبدي الملهم لجمهورية (الوادية) الشعبية الديمقراطية. ومن نافلة القول نذكر ان (الواديّة) عبارة عن قرية ريفية بائسة من قرى محافظة ميسان جنوب العراق, تقع في ضواحي (المجر) على جدول متفرع من نهر (العدل), ولا ندري بالضبط, ما الذي جعل إدارة الفلم تختار هذه القرية المتروكة عند مقتربات هور (الصحين), لتتعامل معها كجمهورية تحمل آثام الملوك والرؤساء العرب ؟؟. .
يظهر الجنرال (علاء الدين) بلحية طويلة سوداء, وبدلة عسكرية بيضاء مزركشة بالنياشين, مزينة بالرتب المذهبة, يمتطي بعيرا كبيرا, يتجول على ظهره وسط مدينة نيويورك, تحيط به عناصر مدججة بالسلاح من أفراد الحرس الجمهوري الخاص, يتحدث مع نفسه باللغة الانجليزية ليعبر عن إعجابه بأمريكا, قائلا: (مرحبا بأمريكا مسقط رأس الإيدز), ثم يردد عبارات مبهمة, يراد منها الإيحاء للمشاهد انه يجيد العربية, والحقيقة أنه يكرر مفردات صوتية غير مفهومة, لا تمت للعربية بصلة, من مثل عبارته التي يقول فيها (وِدّه فاخور موخومد بجا ليا), لا الفصحى تشبهها, ولا العامية الدارجة في معظم المدن العربية من المحيط إلى الخليج, فممثل الفلم يسخر من العرب بلسانه اليهودي من بداية العرض وحتى نهايته. .
انقر على الرابطة التالية, وشاهد بنفسك هذه المسخرة:
يظهر الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) في بداية الفلم, ثم وزيرة الخارجية (هيلاري كلنتون), فرئيس الوزراء البريطاني (ديفيد كاميرون), وهم يوجهون رسائلهم التحذيرية إلى الزعيم العربي المزعوم, الذي لا يتردد في الفلم عن إظهار حرصه الشديد على إرضاء أمريكا, والخضوع لإرادتها, شريطة إبعاد شبح الديمقراطية عن بلاده, وإبقائه على كرسي الحكم حتى آخر يوم في عمره. .
يشترك في الفلم الممثل (بن كنجسلي), والهندي (آصف مانديف), والممثلات (أنّا فارس), و(ميجان فوكس), ومن الكومبارس العرب (إلياس قريشي), و(محمد الشامي), و(إبراهيم جعفر), ووضع الموسيقى التصويرية (إيران بارون كوهين) وهو شقيق بطل الفلم, أما المخرج فهو بطل الفلم نفسه, وخصصت الشركة المنتجة موقعا الكترونيا على الشبكة الدولية, لاستعراض مراحل التصوير والإعداد, واستقطاب الآراء المعادية للعرب.
اجتمعت عوامل كثيرة لإخراج هذا الفلم بصيغته الاستفزازية, وتوفرت له مجموعة من الدوافع الخفية, التي أسهمت, ومازالت تسهم في تكريس الفكر المعادي للعرب, من هذه العوامل نذكر:-
· الدوافع الدينية والأيدلوجية.
· النوايا الامريكية المعادية للعرب.
· القوى اليهودية المسيطرة على صناعة السينما في هوليود.
· الإساءة للإسلام والمسلمين عن طريق تشويه صورة العرب.
يعد الفلم وصمة عار, ونقطة سوداء في سجلات هوليود, لأنه تعمد الإساءة للشعب العربي, قبل تشويهه لصورة الحكام, الذين تخندق بعضهم الآن في الخنادق الامريكية الأمامية المعادية للعرب, والدليل على ذلك أن الأنظمة العربية الراضخة لهم لم تحتج على الفلم, ولم تمنع تسويقه وعرضه في دورها السينمائية, وأغلب الظن أنها ستعيد عرضه في الفضائيات العربية غير المنضبطة. .
ألم أقل لكم إننا صرنا فرجة للرايح والجاي في زمن التفكك والتمزق, وفقدنا قوتنا في خضم النزاعات الطائفية البغيضة, وخسرنا الشيء الكثير في ظل المواجهات اليومية غير المعلنة بين الأقطار العربية الشقيقة. .
والله يستر من الجايات