مصطلح «الرحمة» ليس من الكلمات المتداولة في الغرب، ولعل ذلك يعود إلى أن القوانين تنظم كافة جوانب الحياة، فإذا لم تقدم المساعدة مثلًا لشخص أصيب في حادث، أو داهمه خطر كبير، وأنت قادر على مساعدته، فإن القانون الألماني ينص على فرض عقوبة بالحبس لمدة أقصاها سنة، أو بغرامة مالية، كما يشعر البعض أنه لا يقبل أن يعطف عليه أحد، لأن ذلك ينال من كرامته، ويفضل أن يحصل عند الحاجة على حقه من الدولة التي توفر الرعاية الاجتماعية لكل من يقيم فيها، سواء كان مواطنًا أو مقيمًا، دون أن يمد يده لأحد، ولا يكون مضطرًا للشعور بالامتنان تجاه شخص بعينه.
وإذا كان البعض منا يرى أن «الرحمة» كمصطلح، بل وكمضمون لا يمكن أن تكون موجودة في الغرب، بسبب تراجع دور الدين في حياتهم، بل لانعدامه في كثير من الأحيان، ونشير إليهم بازدراء ونقول: «كيف يعرف الكفار الرحمة؟ بل كيف يعرفون الأخلاق والقيم والمبادئ، وهم بلا دين؟»، فإن البعض في الغرب يشير إلينا ويسأل: «كيف يتحدث المسلمون عن الرحمة، وجرائم قتل الأبرياء في ناطحات سحاب نيويورك، وفي قطارات مدريد، ومترو لندن، ومساجد العراق وباكستان، ارتكبها أشخاص مسلمون، يستشهدون بآيات وأحاديث نبوية وأقوال علماء كبار؟»
وليسمح لي القارئ أن أنقل له في السطور التالية أقوالًا وأفكارًا من الغرب عن الرحمة، لننظر كيف يفكرون، انطلاقًا من واقعهم الفعلي، وليس من عالم مثالي روحاني، لا وجود له في عالم الغرب اليوم، ونرى في النهاية ما الدور الذي تلعبه الرحمة في العالم المادي.