بسم الله الرحمن الرحيم: ما هو فضل صوم تاسوعاء وعاشوراء؟ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
أرسل هذا الخبر لصديق
عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم, على الوزن فاعولاء، وقد اتفق الفقهاء على سنية صومه, ونقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك. في الصحيحين عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: ما رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء, وهذا الشهر يعني شهر رمضان.
وروى البخاري عن حميد بن عبد الرحمن انه سمع معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنهما) يوم عاشوراء على المنبر يقول: يا أهل المدينة, أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:"هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه, وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر".
ويعود سبب صوم عاشوراء إلى ما رواه ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قدم النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة, فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء, فقال:"ما هذا؟" قالوا: هذا يوم صالح, هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم, فصامه موسى. قال:"فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" (رواه البخاري).
وفي الحديث تقدير محذوف, لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قدم المدينة في ربيع الأول, وظاهر الحديث يدل أن قدومه كان في محرم الذي فيه عاشوراء, لأنه سأل عنه عند قدومه. والصحيح الذي يحمل عليه الحديث أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قدم المدينة في ربيع الأول واستمر فيها إلى أن جاء عاشوراء, فرأى اليهود تعظمه فسأل عنه, وليس أن النبي قدم المدينة في عاشوراء. أو يمكن القول بأن اليهود كانت تعتمد في إثبات عاشوراء على الحساب الشمسي لا الهلالي, فوافق يوم عاشوراء قدوم النبي (صلى الله عليه وسلم) في ربيع الأول.
وصيام عاشوراء كان واجبا في بادئ الأمر ثم نسخ الوجوب, وبقي الاستحباب والندبية, والذي يدل على انه كان واجبا ما رواه البخاري عن سلمة بن الاكوع (رضي الله عنه) قال: أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) رجلا من اسلم أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه, ومن لم يكن أكل فليصم فان اليوم يوم عاشوراء". وزاد مسلم في صحيحه: فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله, ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن (الصوف) فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار. وفي رواية: أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم.
وروى مسلم عن أبي موسى (رضي الله عنه) قال: كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"فصوموه انتم".
فهذه الروايات تدل على أن صوم عاشوراء كان واجبا؛ لان ظاهر الأمر هو الوجوب ثم نسخ الوجوب بفرض رمضان, روى البخاري أن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر بصيام يوم عاشوراء, فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء افطر.
قال ابن حجر في الفتح الباري (6/283):"ويؤخذ من مجموع الأحاديث انه كان واجبا لثبوت الأمر بصومه ثم تأكد الأمر بذلك ثم زيادة التأكيد بالنداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال. ويقول ابن مسعود الثابت في مسلم :"لما فرض رمضان ترك عاشوراء" مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق,فدل على أن المتروك وجوبه. وأما قول بعضهم المتروك تأكد استحبابه والباقي مطلق استحبابه فلا يخفى ضعفه, بل تأكد استحبابه باق ولا سيما استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته (صلى الله عليه وسلم) حيث يقول:"لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر", لترغيبه في صومه وأنه يكفر سنة, وأي تأكيد أبلغ من هذا؟.
وصوم يوم عاشوراء يكفر السنة التي قبله, فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده, وصيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" (رواه مسلم).
وذكر بعض العلماء أن الحكمة في زيادة صوم عرفة في التكفير عن صوم عاشوراء أن عرفة من شريعة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم), وصوم عاشوراء من شريعة كليم الرحمن موسى (عليه السلام), وشريعة محمد (صلى الله عليه وسلم) أفضل كما لا يخفى.
وقوله (صلى الله عليه وسلم):"أحسب على الله أن يكفر السنة التي قبله أي يكفر الصغائر من الذنوب لا الكبائر, لان الكبائر تحتاج إلى توبة لتكفيرها. قال النووي في المجموع (6/382):"المذكور في الأحاديث من غفران الصغائر دون الكبائر هو مذهب أهل السنة, وان الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى". وقال أيضا:"فان وجد ما يكفره من الصغائر كفره, وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات ورفعت له به درجات, وذلك كصلوات الأنبياء والصالحين والصبيان وصيامهم ووضوئهم وغير ذلك من عباداتهم, وان صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغائر رجونا أن تخفف من الكبائر".
ويستحب لمن ينوي صيام عاشوراء أن يصوم اليوم الذي قبله وهو التاسع من محرم مخالفة لليهود, فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: حين صام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم عاشوراء وأمر بصيامه, قالوا: يا رسول الله, إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى, فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)".
وعن ابن عباس أيضا قال: قال (صلى الله عليه وسلم):"صوموا التاسع والعاشر, وخالفوا اليهود" (رواه الترمذي وصححه الألباني). أي أن اليهود يصومون عاشوراء فقط أما انتم أيها المسلمون فصوموا التاسع والعاشر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"والصحيح انه يستحب لمن صام يوم عاشوراء أن يصوم معه التاسع, لأنه هذا آخر أمر النبي (صلى الله عليه وسلم)".
وروى foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/? في مسنده من حديث ابن عباس (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:"صوموا يوم عاشوراء, وخالفوا فيه اليهود, وصوموا قبله يوما أو بعده يوما". (قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/188):"رواه foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/? والبزار, وفيه محمد بن أبي ليلى, وفيه كلام". وظاهر كلام ابن حجر انه يحتج به. انظر: الفتح الباري (6/280)). وفي رواية لم أقف على مدى صحتها:"صوموا قبله يوما وبعده يوما").
وبيّن ابن القيم مراتب صيام عاشوراء فقال:"مراتب الصوم ثلاثة: أكملها أن يصام يوم قبله ويوم بعده فهو الأحوط لإدراك يوم عاشوراء من بينها, وفيه مخالفة لليهود من إفراده, ويليه في الكمال صيام التاسع والعاشر, وعليه أكثر الأحاديث, ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم".
وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج (5/307):"وحكمة صوم يوم تاسوعاء مع عاشوراء الاحتياط له لاحتمال الغلط في أول الشهر, ولمخالفة اليهود فإنهم يصومون العاشر, والاحتراز من إفراده بالصوم كما في يوم الجمعة, فان لم يصم معه تاسوعاء سن أن يصوم معه الحادي عشر, بل نص الشافعي في "الأم" والإملاء على استحباب صوم الثلاثة".
ويستحب للمرء أن يوسع على نفسه وأهل بيته في يوم عاشوراء لقوله (صلى الله عليه وسلم):"من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته" (رجاله كلهم ثقات: انظر : السلسلة الصحيحة للألباني (4/366)).
وكانت قريش تعظم عاشوراء وتصومه وتكسو فيه الكعبة حلة جديدة, روى مسلم ان عائشة (رضي الله عنها) قالت:إن قريشاً كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية. وروى البخاري من حديث عائشة أيضا قالت:"كان عاشوراء في الجاهلية يوما تستر فيه الكعبة".