حمورية الجمعيات المستحمرة
كاظم فنجان الحمامي
يحكى أن نحويا دخل سوق البصرة ليشتري حمارا, فقال للبائع: أريد حمارا لا هو بالصغير المحتقر, ولا بالكبير المشتهر, إن أقللت علفه صبر, وإن أكثرت علفه شكر, إذا ركبته هام, وإن ركبه غيري أقام, لا يدخل تحت البواري, ولا يزاحم بي السواري, إذا خلا له الطريق تدفق, وإذا كثر الزحام ترفق. فقال له البائع: انتظر, فربما يمسخ الله القاضي حمارا فأبيعه لك.
كانت هذه الحكاية من طرائف الأدب العربي الزاخر بالعطاء الثقافي والفكري المتفتح, لكننا وللأسف الشديد شهدنا منذ بداية القرن الماضي انخراط الكثير من القضاة ورؤساء المحاكم ورجال القانون في صفوف الأحزاب المستحمرة, ومعهم جمع غفير من الأدباء والمفكرين والفنانين, وتطوعهم لنشر ثقافة الاستحمار, وتسخير أقلامهم وسلطاتهم ونفوذهم ومهاراتهم لترويج الأفكار المستوردة, والدعوة للتقليد الأعمى, ومصادرة فرص النهوض والتقدم, وتشويه صورة الموروث الشعبي, والدعوة للاتكال على الدول الأجنبية في تأمين الغذاء والدواء والعلاج, واستعطاف الأعداء لتوفير الآلات والمعدات والمواد والكتب والأفلام, وتجريد البلد من معامله ومزارعه وموانئه ومؤسساته العلمية, وتسفيه عقول الناس بالمفاهيم الغبية, والصرعات المبتذلة, وتقديس حمير البيت الأبيض, والمبالغة في احترام بغال البنتاغون.
حتى وصل بنا الحال إلى اليوم الذي نسمع فيه بخطة حزب الحمير الكردستاني لفتح إذاعة (النهيق) شمال العراق.
ربما كانت البداية في مصر في العام 1930, عندما نجح (زكي طليمات) بتأسيس جمعية للحمير, ضمت في عضويتها مجموعة كبيرة من المثقفين والصحفيين والكتاب, مثل طه حسين, وتوفيق الحكيم, وforaten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/? رجب, ووزير الصحة الأسبق محمود محفوظ. تراوحت رتبهم بين (الجحش), و(الحمار الصغير), و(حمار البردعة), و(كبير الحمير), و(الحمار الأكبر).
ثم سارت البلدان العربية على هذا النهج الاستحماري, فتأسست في اليمن جمعية للحمير, ضمت في إسطبلاتها لفيف من السفهاء, وتأسست في الكويت رابطة للحمير, ثم التحقت بقطيع الحمير مجاميع من المغرب, وليبيا, والأردن, وأخيرا اكتملت حلقات ثقافة الاستحمار بتأسيس حزب للحمير شمال العراق, برفسة مباغتة قام بها (عمر كلول), الملقب بـأبي صابر, وهي كنية الحمار نفسه, ويكنى الحمار أيضا بابي زياد. قال الشاعر:
زياد لست ادري من أبوه
ولكن الحمار أبو زياد
اما المكتب السياسي لهذا الحزب فيسمى (الخان), وهو مكان نوم الحمير والبغال في اللغة الكردية, بينما تسمى فروع الحزب بالإسطبلات.
وهنالك مؤشرات كثيرة تلقي بظلال الشك والريبة على النشاطات السرية لهذه الجمعيات والأحزاب المستحمرة, وتؤكد على ارتباطها بجمعية الحمير الأولى, التي أسسها الرئيس الأمريكي الأسبق (هاري ترومان), والتي تستمد تعاليمها و مفاهيمها من محافل الحركة الماسونية (المحفل الاسكتلندي ومحفل الشرق الأعظم), وتعتمد في نظام الترقية على سلم التدرج الماسوني, والتي لا ينال الدرجات العليا فيها إلا من تنكر كليا لدينه ووطنه وأمته, وأعلن تمرده على القيم والأعراف الاجتماعية, وسخر نفسه لتزييف عقول الناس وتضليلهم.
والعجيب بالأمر أن الحكومات العربية, هي التي سمحت للمستحمرين بترويج أفكارهم المسمومة, وهي التي منحتهم الغطاء الرسمي لنشر فلسفة النهيق والرفس, وان من يتوغل في أعماق التاريخ سيقرأ عن ملوك وسلاطين حملوا على أكتافهم ألقاب (الحمار), فقد كان الأمير مروان بن محمد بن مروان بن الحكم يتباهى بلقب الحمار, وكان السبب في سقوط الدولة الأموية.
وها هي الفضائيات العربية تروج اليوم للاغاني الهابطة من مثل (بحبك يا حمار), و(أنا بحسد الحمار).
ليس للحمار ذنب في هذا السقوط الاجتماعي الذريع, ولا علاقة له بهذا الإفلاس الفكري النابع من مستنقعات الجهل والابتذال, ويبقى الحمار المسكين في أنظارنا هو المخلوق الصبور القنوع الودود الخجول.
سؤال:
لماذا تفتح الأبواب لأي حمار على ظهره ذهب ؟؟.
البصرة 22/8/2010
حمورية الجمعيات المستحمرة
رد مع اقتباس
