بسم الله الرحمن الرحيم
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)
البحر المديد{ فإِذا سوَّيتُه } أي : صوَّرْتُه بالصورة الإنسانية ، والخلقة البشرية ، أو : سويت أجزاء بدنه ، بتعديل أعضائه ، { ونَفَخْتُ فيه من روحي } الذي خلقته قبلُ ، وأضافه إليه تخصيصاً ، كبيت الله ، وناقة الله . والروح سر من أسرار الله ، لطيفة ربانية ، سارية في كثيفة ظلمانية ، فإذا سرت فيه حيى بإذن الله ، أي : فإذا أحييته { فَقَعُوا } أي : اسقطوا { له } ، وهو أمر ، مِن وقع ، { ساجدين } قيل : كان انحناء يدلّ على التواضع ، وقيل : كان سجوداً لله ، أو سجود تحية لآدم وتكريماً له .الكشاف{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } فإذا أتممت خلقه وعدلته { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } وأحييته وجعلته حساساً متنفساً { فَقَعُواْ } فخروا ، كل : للإحاطة . وأجمعون : للاجتماع ، فأفادا معاً أنهم سجدوا عن آخرهم ما بقي منهم ملك إلا سجد وأنهم سجدوا جميعاً في وقت واحد غير متفرّقين في أوقات .المحرر الوجيزوالبشر المخلوق من الطين . هو آدم عليه السلام و : { سويته } يريد به شخصه . { ونفخت } هي عبارة عن إجراء الروح فيه ، هي عبارة على نحو ما يفهم من إجراء الأشياء بالنفخ .وقوله : { من روحي } هي إضافة ملك إلى مالك ، لأن الأرواح كلها هي ملك لله تعالى ، وأضاف إلى نفسه تشريفاً .وقوله : { ساجدين } اختلف الناس فيه ، فقالت فرقة : على السجود المتعارف . وقالت فرقة معناه : خاضعين على أصول السجود في اللغة .تفسير الالوسي{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } أي صورته بالصورة الإنسانية والخلقة البشرية أو سويت أجزاء بدنه بتعديل طبائعه { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } تمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها فليس ثمت نفخ ولا منفوخ أي فإذا أكملت استعداده وأفضت عليه ما يحيا به من الروم الطاهرة التي هي أمري { فَقَعُواْ لَهُ } أمر من وقع ، وفيه دليل على أن المأمور به ليس مجرد الانحناء كما قيل : أي فاسقطوا له { ساجدين } تحية له وتكريماً .تفسير البيضاوي{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } عدلت خلقته . { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } وأحييته بنفخ الروح فيه ، وإضافته الى نفسه لشرفه وطهارته . { فَقَعُواْ لَهُ } فخروا له . { ساجدين } تكرمة وتبجيلاً له وقد مر من الكلام فيه في «البقرة» .تفسير الجلالين{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } أتممته { وَنَفَخْتُ } أجريت { فِيهِ مِن رُّوحِى } فصار حياً ، وإضافة الروح إليه تشريف لآدم والروح جسم لطيف يحيا به الإِنسان بنفوذه فيه { فَقَعُواْ لَهُ ساجدين } سجود تحية بالانحناء .تفسير الرازيالمسألة الثانية : قال { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } وهذا يدل على أن تخليق البشر لا يتم إلا بأمرين التسوية أولاً ، ثم نفخ الروح ثانياً ، وهذا حق لأن الإنسان مركب من جسد ونفس .تفسير الطبرييقول تعالى ذكره: فإذا سويت خلقه، وعدلت صورته، ونفخت فيه من روحي، قيل: عني بذلك: ونفخت فيه من قُدرتي. ( فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) يقول: فاسجدوا له وخِرّوا له سُجَّدا.فتح القديرومعنى { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } : صوّرته على صورة البشر ، وصارت أجزاؤه مستوية { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } أي : من الروح الذي أملكه ، ولا يملكه غيري . وقيل : هو تمثيل ، ولا نفخ ، ولا منفوخ فيه . والمراد : جعله حياً بعد أن كان جماداً لا حياة فيه . وقد مرّ الكلام في هذا في سورة النساء { فَقَعُواْ لَهُ ساجدين } هو أمر من وقع يقع ، وانتصاب { ساجدين } على الحال ، والسجود هنا هو : سجود التحية لا سجود العبادة ، وقد مضى تحقيقه في سورة البقرة .تفسير القرطبي{ فإذا سويته } < إذا > ترد الماضي إلى المستقبل لأنه تشبه حروف الشرط وجوابها كجوابه أي خلقته { ونفخت فيه من روحي } أي من الروح الذي أملكه ولا يملكه غيري فهذا معنى الإضافة وقد مضى هذا المعنى مجودا في < النساء > في قوله في عيسى { وروح منه } [ النساء : 171 ي { فقعوا له ساجدين } نصب على الحال وهذا سجود تحية لا سجود عبادة وقد مضى في < البقرة > التبيان ج8" فاذا سويته " أي سويت خلق هذا البشر وتممت أعضاه وصورته " فقعوا له ساجدين " أي اسجدوا له.وقد بينا في ما مضى أن السجود كان لله تعالى وعبادة له وفيه تفضيلا لآدم على الملائكة وقوله " ونفخت فيه من روحي " فالروح جسم رقيق هوائي بها يتم كون الحي حيا لتخرقه في مخارق الانسان وهو مشتق من الريح، ومنه الراحة والاستراحة من الكد للخفة على النفس كالريح، ومنه الاريحة، والراحة كفالانسان لما يتراوح الناس اليها في العمل، ومنه الرواح إلى المنزل للاستراحة ومعنى " ونفخت فيه من روحي " أي توليت خلقها من غير سبب كالولادة التي تؤدي اليها، لان الله تعالى شرف آدم بهذه الحال وكرمه.مجمع البيانالمعنى« فإذا سويته » أي فإذا سويت خلق هذا البشر و تممت أعضاءه و صورته « و نفخت فيه من روحي » أي أحييته و جعلت فيه الروح و أضاف الروح إلى نفسه تشريفا له و معنى نفخت فيه أي توليت فعله من غير سبب و واسطة كالولادة المؤدية إلى ذلك فإن الله شرف آدم و كرمه بهذه الحالة « فقعوا له ساجدين » أي فاسجدوا له أجمعين و في الكلام حذف و التقدير ثم إن الله تعالى خلق ذلك البشر الذي وعدهم بخلقه..
الباحث : حيدر البصام
نسألكم الدعاء