بسم الله الرحمن الرحيم
تحت عنوان ما قاله الشيخ اليعقوبي في كتابه القول الفصل
[ واني لا أستعجل الحكم على قيمة هذا البحث بقدر الطلب من الأخوة الفضلاء والعلماء أن يقيموه بموضوعية وتجرد وأن يقولوا الحق من دون مجاملة لأحد .......]
فنقول
سلسلة التقييم الموضوعي لبحوث الشيخ اليعقوبي
المورد الأول لرد سماحة السيد الحسني (دام ظله) على القول الفصل
من كتاب الفصل في القول الفصل الذي الفه بتاريخ
13/رجب/1421
ولم يصلنا رد الشيخ
لحد الان


المورد الأول :-
قال (القول الفصل / المقدمة ص6) : [إني لا زلت منذ سنين أدعو إلى الاستفادة من العلوم العصرية في عملية استـنباط الحكم الشرعي وقد فتحت هذا الباب عملياً بما أودعت في كتابي (الرياضيات للفقيه) من مطالب أعتقد أنها معمقة وقد توصلت فيها إلى نتائج لا يستطيع الفقيه غـير الملم بالرياضيات العالـية أن يـتوصل إليها ...
ثم قال في الهامش (راجع كمثال : مسألة الشغل والغروب الشرعي والاستفادة من نظرية الاحتمالات لمعرفة تأثير تكرر العلوم الإجمالية .......)] .
أقول :- يوجد عدة تعليقات في المقام
التعليق الأول : إن شأن الفقيه البحث عن الأحكام الكلية ومداركها لا عن موضوعاتها فكون الشيء خمراً أو خلاً أو أن الأدوية الكذائية مسكرة أو ليست مسكرة أو أن المسافة الكذائية ثمانية فراسخ أو لا أو أن كمية التراب المحفور والشغل المنجز فيها هو ربع الشغل المتفق عليه أو خمسه ... أو ان الطريقة المتبعة لتحصيل نسبة الشغل المنجز هي الطريقة (س) أو الطريقة (ص) . وهكذا ليس من المسائل الفقهية التي للفقيه البحث عنها وليس رأي الفقيه فيها حجة على غيره .
التعليق الثاني :إن ما ذكره (وقد توصلت فيها إلى نتائج لا يستطيع الفقيه غير الملم بالرياضيات العالية أن يتوصل إليها) تام في الجملة وأنا أعرف هذا لأني أيضاً من اطلع والمّ بالرياضيات العالية باعتباري قد حصلت على شهادة البكلوريوس في الهندسة المدنية أيضاً ، لكن ليس التمامية بسبب إنك أفقه أو غيرك ليس بفقيه بل إنك توصلت لذلك ولم يتوصل غيرك من الفقهاء لذلك لأن الذي بحثته ليس من المسائل الفقهية حتى يلزم على الفقيه البحث فيها أي أن الفقهاء أعرضوا عن البحث فيها لأنها ليست من المسائل الأصولية أو الفقهية ولا علاقة لها في استـنباط الأحكام الكلية ومعرفة مداركها أو الجزئية.
ومما يؤيد بل يدل على هذا :-
1- إنك ذكرت أمثلة من كتاب (الرياضيات للفقيه) وهذا يدل على أن هذه البحوث بإمكان أي شخص الخوض فيها حتى لو لم يكن فقيهاً حيث لا أظنك تقول بالاجتهاد لنفسك في ذلك الوقت وعليه لا أظنك تقول بأنك كنت في مقام الاستنباط في وقت تأليف الكتاب المذكور (الرياضيات للفقيه) .
2- تصدي كثير من الأشخاص ممن لا علاقة لهم بالفقه فضلاً عن كونهم مجتهدين إلى تأليف كثير من الكتب في هذا المجال وإظهار الإعجاز القرآني والإعجاز للسنة الشريفة فبحثوا في كتبهم التفسيرات العلمية لبعض الآيات القرآنية وللأحاديث الشريفة .
3- نذكر مورداً مما ذكر فلنأخذ مما ذكر مسألة الشغل(الرياضيات للفقيه / 89) قال : (ولنا هنا عدة ملاحظات بعد الإغماض عن مناقشة السند فإنه موكول إلى أهله وفي محله) .
أقول : أن هذا الكلام واضح ما فيه ولا يحتاج للتعليق
ثم قال [ الثانية : أن الصحيح في الجواب أن تقسم الأجرة المسماة... إلى أن قال : وأما مسافة الشغل المبذول فأن المسافات متباينة من نقطة لأخرى ففي المتر الأول تكون النقطة العليا على السطح فمسافتها = صفر ، والنقطة الأخيرة تبعد متر واحد وبينهما مسافات متباينة فيؤخذ معدلها وهو نصف متر الذي يمثل بعد مركز المتر الأول عن السطح أما المتر الثاني فمركزه على بعد(1.5) متر والثالث (2.5) وهكذا أما القوة المبذولة فإنها (و) لكل متر من العمق .... إلى أن قال : وتكون الحصة الأولى من هذا الشغل
صورة المعادلة
منتديات الفرات


أقول :
لو تنزلنا على جميع الاحتمالات في المسألة أي لو سلمنا أن طبيعة الأرض واحدة في جميع طبقات الأرض المحفورة وسلمنا أن العمل المستأجر عليه هو فقط نقل التراب وإخراجه ولا يتضمن العمل نفس الحفر ، فإنه يقال أن جواب الإمام(عليه السلام) هو الأقرب للواقع أما ما ذكره المستدل فهو غير معقول لا دقة ولا عرفاً لأن قوله (..... تكون النقطة العليا على السطح فمسافتها = صفر...) معناه أن الطبقة السطحيةالعليا من التراب سوف لاينجز عليها شغل لأن الشغل = (القوة × الإزاحة) وبما أن الإزاحة = صفر فناتج ضرب (القوة × صفر) يساوي صفراً أي الشغل = صفر وهذا معناه أنها لا تتحرك من مكانها وهذا يستلزم عدم إمكان تحريك الطبقات الأسفل منها وهذا التصور غير معقول ولا يقال : أن المطلب بالنظر العرفي وليس بالدقة العقلية لأنه يقال : بل أن الكلام حسب ما فرضته وحسب ما تريده في الشغل وقوانين الشغل وهي من المباحث الرياضية وهذه من العلوم البرهانية .
أما جواب الإمام(عليه السلام) فهو تام لأن المتعارف عند حفر ساقية أو بئر فإن التراب المحفور لا يوضع على حافة الساقية أو حافة البئر بل يُزاح مسافة عنها فلو كان معدل المسافة التي يُزاح فيها التراب هي (0.5) متر ، فإن :
الإزاحة الكلية للمتر الأول=(معدل المسافة التي يُزاحفيها التراب+ بعد مركز المتر الأول عن السطح) .
إزاحة المتر الأول = (0.5 + 0.5) = 1 متر وهكذا لكل الأمتار
أي إزاحة المتر الثاني = (0.5 + 1.5 ) = 2 متر
وإزاحة المتر الثالث = (0.5 + 2.5) = 3 متر
وهكذا إلى إزاحة المتر العاشر = (0.5 + 9.5) = 10 متر
وبهذا اتضح أن ما ذكره المستدل غير تام وما ذكرناه هو الصحيح حيث يحافظ على ظهور الرواية وعلى صحة تطبيق قانون الشغل من قبل الإمام(عليه السلام) بنظرة عرفية وعلمية ولو أراد أحد أن يطمئن لأحد القولين فلا أظنه يذهب إلى أحد الفقهاء كي يعرف الجواب الصحيح بل أنه سيذهب إلى أهل الاختصاص وفي المقام يذهب إلى أصحاب الاختصاص في الفيزياء وحينئذ حتى لو قال لك أهل الاختصاص (الفيزياء) أن كلام المستدل هو الصحيح (مع أني استبعد هذا) فإن هذا يكفي دليلاً في المقام بأن مثل هذه البحوث ليس من شأن الفقيه الخوض فيها بل يرجع فيها إلى أهل الاختصاص والخبرة فيها فهي شبهات موضوعية أما الفقيه فهو يعطيك الحكم الشرعي في المسألة وهل أن العقد باطل أصلاً فيرجع إلى أهل الخبرة والاختصاص لتحديد أجرة حفر المتر الواحد الذي أنجزه العامل أو إن الحكم الشرعي بصحة العقد أصلاً لكنه يفسخ من حين العجز ويعطي نسبة من الأجرة بمقدار نسبة العمل المنجز فيرجع إلى أهل الخبرة والاختصاص لتحديد هذه النسبة .
التعليق الثالث :أن قوله (الاستفادة من العلوم العصرية) لا يقصد به علوماً غير موجودة في زمن الإمام(عليه السلام) ووجدت في هذا العصر كيف فإن الرياضيات والكيمياء والفيزياء والفلك موجودة في زمن الأئمة(عليهم السلام) والظاهر أنك تريد النظريات الحديثة في العلوم المذكورة وغيرها وينقض على كلا الاحتمالين بوجود العلوم ووجود نظريات علمية في زمن الأئمة(عليهم السلام) فلو كان هذا الخط الذي تدعوا إليه ضرورياً ومهماً ومطلوباً لما أعرض الإمام(عليه السلام) عن الحث عليه ولوصلنا كثير من الروايات التي تحث على هذا الخط ولا يتصور التقية في عدم وصولها، هذا في زمن الأئمة(سلام الله عليهم) فما بالك في هذا العصر بعد أن أصبحت الأمور أكثر تعقيداً وصعوبة على الفقيه بعد تطور علم الأصول ونظرياته الحديثة وبعد إقحام المنطق والفلسفة في عملية الاستنباط ، إضافة إلى ابتعاد أهل هذا الزمان عن اللغة والمعاني اللغوية والبلاغية التي كانت متعارفة ودارجة في ذلك الزمان أما الآن فهي تحتاج إلى دراسة وتحصيل أوسع وأكثر مؤونة وغيرها من العلوم إضافة لذلك كله فإن تطور وتوسع المجتمع وتطور وتوسع العلوم في كل الاتجاهات مما يؤدي إلى تداخل بعض الأبواب الفقهية والفروع فيما بينها .
ولا يفهم من هذا الكلام إننا ندعوا إلى الإعراض عن العلوم العصرية بل ندعو وبكل قوة إلى المعرفة والإطلاع الإجمالي بالمستوى الذي لو إحتجت فيه إلى مراجعة أحد المصادر في أحد العلوم أو إحتجت إلى مراجعة أحد من أهل الخبرة في إحدى مراحل عملية الاستـنباط . أو الإفتاء فإنك تفهم ما موجود في ذلك المصدر وتفهم ما يقوله أهل الخبرة وتستطيع تقبّل المعلومات ومناقشتها وتنظيرها وتنقيحها والاستفادة منها في عملية الاستنباط .
وعلى الأقل يُقال أن الفقيه يجب أن يكون مجتهداً في علم الأصول الحديث على نحو العموم المجموعي وذلك لتداخل مسائله بصورة كبيرة جداً بحيث يصعب التفكيك فيما بينها ، وضرورة أن علم الأصول الحديث يعتمد على كثير من العلوم منها المنطق والفلسفة واللغة والرياضيات وغيرها