في محافظة النجف الاشرف وفي ناحية الحرية كنت تمر من هناك الى قرية الخماسي والحمام وهور أبو نجم وما بعدها وأنت تستنشق أطيب النسيم المعطر برائحة العنبر وكأنه ينساب بين ضلوع الصدر نسمات عافية تبعث الراحة في النفس أما اليوم فان الحال يدعو للاسى بعد أن تحولت تلك المساحات الخضر الشاسعة المليئة بسنابل الشلب الى أرض قاحلة جرداء تبعث في نفس من يشاهدها خوفاً من قحط قد يطول وكآبة تصارع خوالج الذات.. أشجار الفاكهة جفت وتيبست أوراقها وتحولت أعضاؤها الى عيدان صفراء ونهر الخماسي الذي كنا نخشى عبوره ونحن صغار حيث كانت جذوع النخيل هي الجسور فوق المياه الهادرة أمسى ملعباً للصبية ويشكو حاله لله عن قطرة ماء تمر به. مشهد مخيف ومرعب يبعث على القلق من مستقبل هؤلاء الناس الطيبين الساكنين في هذه الارض المعطاء ومستقبل زراعة الشلب في العراق وما يميز الفرات الاوسط عن سواه في محصول العنبر الذي له من النهكة والطعم ما يجعله في المرتبة الاولى بين كل أنواع الرز في العالم..
أن هذا الحال يجمع بين متناقضات قد تبدوا غريبة في هذا الزمان فبينما يموت ضحية لهذا الجفاف تفاجئ بموقف وطني لامثيل له عند اهالي منطقة الخماسي حيث وقفنا بالاعجاب والاكبار لاجابتهم حينما سألناهم عن الحل برأيهم وعن الوسيلة التي سيلجأون اليها لمعالجة هذه المشكلة فاجاب المواطن سلام عودة انهم يتاملون خيراً لان هناك عملاً في اقامة مشروع مائي كبير للخزن في موقع هور أبو نجم وعليهم ان يصبروا مادام الامر سوف يصب في الصالح العام للشأن الوطني وهكذا كان رأي الشيخ شعبان ابو قيس فقد قال ان الصبر مطلوب مادام الامر فيه مصلحة لعموم المواطنين واضاف قائلا اننا والله الحمد ننعم بماء الشرب الصافي الذي وصلنا عبر المشروع الذي تم انجازه وهذا الماء نستفيد منه للشرب عبر المشروع الذي تم انجازه والغسل والاستعمال المنزلي لكن لا يجوز استخدامه لسقي المزروعات لان في ذلك اشكال شرعي وقانوني فهو يحرم الآخرين من وصول الماء اليهم خصوصاً في المناطق البعيدة.
هذه الآراء وهذا الصبر وهذه الاخلاق السامية أن دلت على شيء انما تدل على ان الغيرة على الوطن والشهادة والكرم لم ولن تحدث عند اهلنا في منطقة الخماسي والحمام والمناطق المحيطة بها عند الفرات الاوسط رغم موت الزرع وجفاف الانهر فما احرى بالحكومة الوطنية والمسؤولين في محافظة النجف مجلسا ومحافظاً أن يستجيبوا لمعاناة هؤلاء الطيبين ويعملوا على حل هذا المشكلة وتوفير ما يمكن توفيره من المياه لتعود سنابل العنبر من جديد بشموخها ورائحتها التي تشرح الصدور.