انهيار حكومي
لم يعد من الصعب القول والملاحظة ان العراق عاد بلا دولة تحمي سكانها ولا حكومة تؤدي وظائفها. فاما غياب الدولة فاصيل منذ سقوطها مع سقوط الصنم في عام 2003 ومع استمرار غياب الجهد الوطني السليم لإعادة بنائها، واما الحكومةـالسلطة التي جرى تشكيلها قبل بناء الدولة فهاهي تتآكل بالانسحابات المتتالية لأعضائها وبتراجعها امام سلطة المليشيات ومتنفذي المحافظات حتى عادت غير قادرة حتى على حكم المنطقة الخضراء، فضلا عن ادارة شؤون البلد وتقديم الخدمات للناس. ولولا نعمة النفط لكان من المستحيل التفكير بدفع رواتب موظفي الدولة الذين يعانون من جانبهم من قلة الرواتب من جهة، ومن بطالة مقنعة سببها جزئيا ضيق مقرات الوزارات والادارات الحكومية بموظفيها. وبالامس يعلن وزير الكهرباء ان منظومة بغداد على وشك ان تنهار بسبب الاعمال التخريبية وانعدام الوقود وعدم التزام المحافظات بحصصها المقررة ما يعني ايضا ان سلطات المحافظات لم تعد ملتزمة بقرارات الحكومة. وليست هذه معلومة جديدة بطبيعة الحال، فمنذ اشهر ذكر تقرير بريطاني رصين ان الحكومة العراقية لا تمارس صلاحياتها على معظم الاقليم العراقي وانها غير قادرة على انفاذ كلمتها في الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية للبلاد. هذا مع التفاقم المستمر في كل جوانب الأزمة السياسة والامنية والاقتصادية والخدمية.
لم يعد من القبول ان تستمر الحكومة بحوالي نصف اعضائها بعد انسحاب الصدريين و التوافقيين وتوقف وزراء القائمة العراقية عن حضور اجتماعات مجلس الوزراء. يؤدي هذا الى منح البلاد وزارة ناقصة فضلا عن كونها غير قادرة على الاداء.
لم تولد هذه الازمة يوم امس، ولا في وقت قريب انما ثمرة تراكم في نتائج منهج مسدود الافق بدأ يوم تشكيل مجلس الحكم على اساس المحاصصات الطائفية والعرقية والحزبية، ثم استمر في التوالد واعادة الانتاج في تشكيل الحكومات الاربع التي تعاقبت على الادارة فضلا عن تشكيل الجمعية الوطنية ومجلس النواب وبقية هيئات الدولة.
الان وصل نظام المحاصصة الى نهاية طريقه غير السعيد، ولم يجد الماشون فيه غير باب موصد سوف يتعذر عليهم فتحه بمفاتيح المحاصصة. ولن ينفع ندب الحظ والبكاء على الاطلال الان، انما لا بد ان يدركوا ان البلد والعملية السياسية بحاجة الى هزة قوية تعيد الامور الى نصابها الصحيح، من اجل اجراء تغيير جذري في النظام السياسي تكون اولى فقراته الغاء نظام المحاصصة والشروع ببناء دولة وتشكيل حكومة وفق مناهج الدول الحديثة المدنية الديمقراطية الوطنية.