كاظم فنجان الحمامي
ألم يأن للذين تعهدوا بمعالجة مشكلة البطالة البحرية في العراق أن يوفوا بعهودهم التي قطعوها علي أنفسهم ؟، أولم يسمعوا بعد بحكاية الجوازات البحرية، التي أوصدت منافذ العمل البحري الشريف بوجه أبنائنا، وحرمتهم من حقوقهم المشروعة في البحث عن أرزاقهم في بحار الله الواسعة ؟، أولم يعلموا أن العراق هو البلد الوحيد من بين أقطار السماوات والأرض، الذي مازال يصر على حجب الجواز البحري عن أبنائه العاملين في القطاع البحري الخاص ؟، أولم يعلموا إن قانون الحرمان الجائر صدر في العام 1986 ومازال نافذا حتى يومنا هذا ؟، ألم يعلموا انه دق أول الخوازيق الصدئة في جسد سفن القطاع الخاص، وأغرقها في بحار الإهمال والركود والتخلف ؟، والعجيب إن تشريعاتنا في العراق تسمح للناس أن يكونوا وزراء وسفراء بجوازات وجنسيات مزدوجة، لكنها تستكثر عليهم أن يحصلوا على الجواز البحري الذي يفتح لهم نوافذ العيش الكريم، ويحررهم من مخالب الفقر والفاقة، فقد تمادت الدولة العراقية منذ عام 1986 ولحد الآن في وضع القيود والمعوقات بوجه الراغبين بالعمل البحري، وانفردت من بين بلدان العالم المتحضر في هذا الموقف الغريب والتصرف العجيب، رغم إن ابسط واجبات الحكومات العراقية المتعاقبة تحتم عليها السعي نحو القضاء على البطالة، وتلزمها بتوفير فرص العمل للعاطلين، وتفرض عليها تحسين ظروفهم المعيشية، وتحثها على الارتقاء بمستواهم نحو الأفضل، ثم إن الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والسيادية المتمثلة في حتمية التنوع في المجالات البحرية المتاحة، وبسط سيطرة الدولة على مسطحاتها البحرية ومياهها الإقليمية والدولية، تستدعي اهتمامها بتشغيل العاطلين، وإلحاق اكبر عدد ممكن منهم في الأساطيل والسفن التجارية المرتبطة بالنشاطات البحرية ذات المردودات الاقتصادية الهائلة. لقد ضربت البطالة أطنابها في مجتمعنا، وعصفت به نتائجها وتداعياتها وآثارها الكارثية، وأهدرت أبسط حقوقه التي كفلتها له التشريعات السماوية والوضعية، وضمنتها الأنظمة والقوانين والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. أن ارتفاع معدلات البطالة في ضواحي شط العرب، وعلى وجه الخصوص بين المؤهلين بحريا، يدل على وجود خلل كبير في تقديرات الخطط التنموية والإستراتيجية، ويعكس مدى تفريط الدولة بمصالحها ومصالح أبنائها، ويؤكد على تقصيرها في هذه المسألة، التي لا تحتاج منها أية جهود استثنائية سوى إصدار تعديلات تشريعية عاجلة، تحرر الناس من القيود المفروضة على العمل البحري، وتحفظ كرامتهم، وتجنبهم التعرض لذل المسألة، وتنأى بهم عن تحولهم إلى أداة من أدوات الخلل الأمني.
إننا اليوم في أمس الحاجة إلى استثمار تجارب الدول المتشابهة معنا في الملامح الجغرافية والمعيشية والإنسانية، رغبة منا في تلافي أخطائهم، وتكثيف نجاحاتهم، مع مراعاة تبسيط إجراءات منح الجوازات البحرية وتسهيلها، إنها مجرد خطوة واحدة لا تحتمل التأجيل بعد الآن، خطوة ستفتح أمامنا آفاق العمل البحري الرحب، وستعود علينا بالنفع والخير والفوائد الجمة، لكنها للأسف الشديد مازالت مؤجلة ومعطلة. .