اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
جاءت هذه المناظرة في كتاب الكافي للكليني ، كتاب الحجة :
4 - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عمن ذكره ، عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك ، فقال أبوعبدالله عليه السلام: كلامك من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله أو من عندك ؟ فقال: من كلام رسول الله صلى الله عليه واله ومن عندى فقال ابوعبدالله: فأنت إذا شريك رسول الله ؟ قال: لا ، قال: فسمعت الوحي عن الله عزوجل يخبرك ؟ قال: لا ، قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: لا ، فالتفت ابوعبدالله عليه السلام الي فقال: يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل ان يتكلم ثم قال: يا يونس لوكنت تحسن الكلام كلمته ، قال يونس: فيالها من حسرة ، فقلت: جعلت فداك انى سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لاصحاب الكلام يقولون ، هذا ينقاد وهذا لا ينقاد (1) ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله ، فقال ابوعبدالله عليه السلام: إنما قلت: فويل لهم ان تركوا ما اقول وذهبوا إلى ما يريدون (2).
ثم قال لى: اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فادخله ؟ قال: فأدخلت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام ، وأدخلت الاحول وكان يحسن الكلام وادخلت هشام بن سالم وكان يحسن الكلام ، وأدخلت قيس بن الماصر وكان عندى أحسنهم كلاما ، وكان قد تعلم الكلام من على بن الحسين عليهما السلام فلما استقر بنا المجلس - وكان أبوعبدالله عليه السلام قبل الحج يستقر أياما في جبل في طرف الحرم في فازة له (3) مضروبة - قال: فأخرج أبوعبدالله رأسه من فازته فاذا هو ببعير يخب فقال: هشام ورب الكعبة(4) ، قال: فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة له .
قال: فورد هشام بن الحكم وهو اول ما اختطت لحيته وليس فينا الا من هو اكبر سنا منه ، قال: فوسع له ابوعبدالله عليه السلام وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه و يده ، ثم قال: يا حمران كلم الرجل، فكلمه فظهر عليه حمران، ثم قال: يا طاقى كلمه فكلمه فظهر عليه الاحول ، ثم قال: يا هشام بن سالم كلمه ، فتعارفا(5) ، ثم قال أبوعبدالله عليه السلام لقيس الماصر: كلمه فكلمه فأقبل ابوعبدالله عليه السلام يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي .
فقال الشامي: كلم هذا الغلام - يعنى هشام بن الحكم - فقال: نعم فقال لهشام: يا غلام سلني في امامة هذا، فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال للشامي: يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لانفسهم ؟ فقال الشامي: بل ربي انظر لخلقه ، قال: ففعل بنظره لهم ماذا ؟ قال ، أقام لهم حجة ودليلا كيلا يتشتتوا او يختلفوا ، يتألفهم و يقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم قال: فمن هو؟ قال: رسول الله صلى الله عليه واله ، قال هشام: فبعد رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قال: الكتاب والسنة ، قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا ؟ قال الشامي: نعم ، قال: فلم اختلفنا انا و انت وصرت الينا من الشام في مخالفتنا اياك؟ قال: فسكت الشامي، فقال ابوعبدالله عليه السلام للشامي: ما لك لا تتكلم؟ قال الشامي: إن قلت: لم نختلف كذبت، وإن قلت: ان الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت ، لانهما يحتملان الوجوه وان قلت: قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة الا ان لي عليه هذه الحجة ، فقال ابوعبدالله عليه السلام: سله تجده مليا .
فقال الشامي: يا هذا من انظر للخلق اربهم او انفسهم؟ فقال هشام: ربهم أنظر لهم منهم لانفسهم ، فقال الشامي: فهل أقام من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم ؟ قال هشام: في وقت رسول الله صلى الله عليه واله أو الساعة ؟
قال الشامي: في وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة من ؟ فقال هشام: هذا القاعد الذى تشد اليه الرحال ، ويخبرنا باخبار السماء [والارض] وراثة عن أب عن جد ، قال الشامي: فكيف لى ان اعلم ذلك ؟ قال هشام: سله عما بدا لك ، قال الشامي ، قطعت عذري فعلي السؤال .
فقال ابو عبدالله عليه السلام يا شامي: اخبرك كيف كان سفرك ؟ وكيف كان طريقك ؟ كان كذا وكذا ، فاقبل الشامي يقول: صدقت، اسلمت لله الساعة ، فقال ابو عبدالله عليه السلام: بل آمنت بالله الساعة، ان الاسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون ويتناكحون ، والايمان عليه يثابون، فقال الشامي: صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه واله وانك وصى الاوصياء .
ثم التفت ابوعبدالله عليه السلام إلى حمران ، فقال: تجري الكلام على الاثر فتصيب (6) والتفت إلى هشام بن سالم، فقال: تريد الاثر ولا تعرفه ، ثم التفت إلى الاحول ، فقال: قياس رواغ (7) ، تكسر باطلا بباطل الا ان باطلك اظهر، ثم التفت إلى قيس بن الماصر، فقال: تتكلم واقرب ما تكون من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه واله أبعد ما تكون منه (8) ، تمزج الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل ، انت والاحول قفازان حاذقان (9) ، قال يونس: فظننت والله انه يقول لهشام قريبا مما قال لهما، ثم قال: يا هشام لا تكاد تقع ، تلوي رجليك إذا هممت بالارض طرت (10) مثلك فليكلم الناس، فاتق الزلة ، والشفاعة من ورائها ان شاء الله .
___________________________________
(1) اشارة إلى ما يقوله اهل المناظرة في مجادلاتهم: علمنا هذا ولكن لا نسلم ذلك (و هذا ينساق وهذا لا ينساق) اشارة إلى قولهم للخصم: له ان يقول كذا وليس له ان يقول كذا (في)
(2) اى تركوا ما ثبت منا وصح نقله عنا من مسائل الدين واخذوا بآرائهم فيها فنصروها بمثل هذه المجادلات (في).
(3) الفازة الخيمة الصغيرة و (يخب) من الخبب بالخاء المعجمة والموحدتين ضرب من العدو
(4) يعنى هذا الراكب هشام (فظننا الخ) أى ظننا انه يريد بقوله: هشام، رجلا من ولد عقيل [*]
(5) فتعارفا في اكثر النسخ بالعين والراء المهملتين والفاء اى تكلما بما عرف كل منهما صاحبه وكلامه بلا غلبة لاحدهما على الاخر، وفى بعضها بالواو والقاف اى تعوق كل منهما عن الغلبة، وفى بعضها بالفاء والراء والقاف وفى بعضها بالعين والراء والقاف [تعارقا] اى وقعا في العرق كناية عن طول المناظرة (آت) وفى بعضها [فتعاركا] أى لم يغلب أحدهما على الاخر (في) .
(6) أى على الاخبار المأثورة عن النبى واالائمة الهدى صلوات الله عليهم فتصيب الحق، وقيل على حيث ما يقتضى كلامك السابق فلا يختلف كلامك بل يتعاضد، ويحتمل ان يكون المراد على اثر كلام الخصم اى جوابك مطابق للسؤال والاول اظهر (آت)
(7) قياس على صيغة المبالغة اى انت كثير القياس وكذلك رواغ باهمال اوله واعجام آخره اى كثير الروغان وهو ما يفعله الثعلب من المكر والحيل، ويقال للمصارعة ايضا (في).
(8) اى إذا قربت من الاستشهاد بحديث رسول الله وأمكنك ان تتمسك به تركته وأخذت أمرا آخر بعيدا من مطلوبك. (في)
(9) بالقاف والفاء المشددة والزاى من القفز وهو الوثوب وفى بعض النسخ [قفاران] بالراء من القفر وهو المتابعة والاقتفاء وفى بعضها بتقديم الفاء على القاف من فقرت البئر اى حفرته (آت)
(10) أى انك كلما قربت من الارض وخفت الوقوع عليها لويت رجليك كما هو شأن الطير عند ارادة الطيران ثم طرت ولم تقع .