منتديات الفرات
عمليات التخريب لن توقف عمل الشبكة العالمية


هل يمكن العيش من دون انترنت؟




الانترنت تبدو وكأنها حقيقة نهائية. وباستثناء البلدان الفقيرة والبلدات النائية، فالانترنت متاحة فى كل مكان تقريبا، وهى تحولت الى وسيلة الإتصال الأهم بين البشر، واضعة خلفها، من حيث التوظيف والأهمية حتى خطوط الهاتف التى ما تزال تشكل العمود الفقرى لخدمات الانترنت.

ومع تحول الانترنت الى خزان هائل للمعلومات، والى مكتبة للمعرفة من أعظم المكتبات التى عرفها التاريخ، والى أداة لنقل وتداول المعلومات والى وسيط تجارى هو الأكبر بين كل الأسواق، بل والى أداة من أهم أدوات نقل الأموال، فان العالم يكاد يكون مستحيلا من دون هذا الوسيط.

ولكن ماذا لو أدت عملية تخريب ما الى تعطيل الأنترنت؟ وهل يمكن للضغوط المتزايدة ان تشكل بحد ذاتها عاملا قد يؤدى الى انهيار الشبكة؟ وماذا بشأن مخاطر الفيروسات؟ ولكن الى أى مدى يعد خطر الانهيار واقعيا او محتملا؟

تقول دراسة أجرتها مؤسسة Nemertes للأبحاث مؤخرا، إن الطلب المتزايد على عرض الموجة قد يتسبب فى تعطل شبكة اﻹنترنت بحلول عام 2010. وتتنبأ هذه الدراسة بحدوث تباطؤ حاد فى الشبكة بسبب حاجتها للتعامل مع الكم المتزايد من البيانات التى تمر عبرها.

ﻻ شك أن حدوث مثل هذا اﻷمر من شأنه أن يغير وبشكل جذرى طريقة استعمال الناس للإنترنت، لكن المشكلة الحقيقة قد تكون فى أن هذا اﻷمر يمكنه أن يقتل المنافسين المستقبليين لجوجل، يوتيوب وأمازون فى مهدهم، ليس بسبب نقص الطلب من قبل المستخدمين، لكن بسبب عدم كفاية البنية التحتية لدعم الشركات الناشئة.

وطبقا لمؤسسة comScore للقياسات، فإن حوالى 75% من مستخدمى اﻹنترنت اﻷمريكيين شاهدوا أكثر من 8.3 بليون فيديو على الشبكة خلال شهر مايو-أيار. من الواضح أن الطلب على عرض حزمة أوسع فى ازدياد مستمر، لكن هل من الممكن أن يطيح هذا بشبكة الإنترنت بهذه السرعة؟ وإن كان اﻷمر كذلك، فكيف يمكن تجنب مثل هذه الكارثة؟

وفى وقت ما من العام الجارى قال خبراء ان وحدات الخادم الرئيسية التى توجه رسائل البريد الالكترونى ومتصفحى الانترنت الى الجهات المطلوبة حول العالم هوجمت فى محاولة منسقة على ما يبدو لتعطيل شبكة المعلومات الدولية.

وكشف بول فيكسى رئيس شركة لبرامج الانترنت فى كاليفورنيا تملك احدى اجهزة الخادم الرئيسية هذه ان الهجوم الذى فشل الى حد كبير فى تحقيق اهدافه وقع الساعة التاسعة بتوقيت غرينتش على 13من اجهزة الخادم الأساسية التى تشكل نطاقات العناوين فى فضاء الانترنت مشيرا الى انه استمر نحو ساعة.

والهجمات من هذا النوع تؤدى الى اغلاق مؤقت لوحدات الخادم باغراقها بفيضان كاسح من الرسائل. ونظام نطاقات الأسماء الذى يساعد مستخدمى الانترنت فى الوصول الى العناوين الالكترونية التى يطلبونها ووحدات الخادم الرئيسية التى يتم الاعتماد عليها فيما يتعلق ببيانات العناوين تعتبر اضعف حلقة فى الانترنت ويمكن ان تتسبب فى اغلاق شبكة المعلومات الدولية اذا هوجمت.
ولكن قبل الحديث عن المخاطر التى تهدد الإنترنت، ينبغى أن نعرف مفهوم الشبكة الذى تستند إليه الإنترنت.

لايضاح الأمر يمكن النظر الى شبكة الكمبيوتر نفسها. فهى مجموعة من أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الطرفية "كالطابعات والماسحات" التى تتصِّل معا. وإذا كانت شبكة الكمبيوتر فى مكان محدَّد "مكتب واحد أو مبنى واحد مثلا" فإنها تُدعى بالشبكة المحلية "LAN- Local Area Network"، أما إذا كانت الشبكة موزَّعة فى أكثر من مكان "عدة مبانٍ أو مُدُن مثلا" فإنها تدعى عندئذ بالشبكة الواسعة "WAN- Wide Area Network"، وقد تكون الشبكة الواسعة مكوَّنة من أجهزة كمبيوتر موزَّعة فى أكثر من مكان، أو من مجموعة من الشبكات المحلية، أو من مجموعة من الاثنين معا.

ومن هنا سيتضح ان شبكة الانترنت انما هى شبكة لمجموعات ضخمة من سلسلة شبكات مترابطة على المستوى الدولي. واذا حصل ان واحدة من هذه الشبكات تعطلت، فان هذا لا يعنى على الإطلاق ان الشبكة كلها سوف تتعطل، لان الاتصالات بين الشبكات يمكن ان تمر عبر ممرات أخرى مختلفة. وهكذا، فما لا يمكن الوصول اليه، على سبيل المثال، عن طريق الشبكات فى فرنسا، فانه يمكن الوصول اليه عن طريق الشبكات فى بريطانيا.

أما الفائدة الرئيسية من وجود الشبكة فهى تشارك إمكاناتها بين المستخدِمين وفق الصلاحيات التى يمنحها لهم مدير الشبكة. وعلى سبيل المثال، فإن بإمكان أحد مستخدمى أجهزة الكمبيوتر فى الشبكة- إن كانت لديه الصلاحية- أن ينفذ إلى الملفات المخزنة فى جهاز الكمبيوتر الخادم "server" أو فى أحد الأجهزة الأخرى، كما إنه قد يستطيع بعض مستخدِمى الشبكة أن يستخدموا طابعة واحدة أو أكثر.
وعلى هذا الأساس فان الإنترنت- بكل بساطة- هى شبكة الشبكات، إذ إنها تتكوَّن من تشبيك الملايين من أجهزة الكمبيوتر والشبكات المحلية والشبكات الواسعة. وقد تم اشتقاق مصطلح الإنترنت من المصطلح الإنجليزى International Network الذى يعنى الشبكة العالمية.

والإنترنت آخذة فى التوسّع والانتشار بسرعة كبيرة، كما إن عدد المشتركين فى خدمة الإنترنت يزداد ازديادا هائلا يوما إثر يوم. ونستنتج من ذلك أن الإنترنت ليست مِلكا لإحدى الشركات أو البُلدان، وربّما تستطيع شركة أو جهة ما أن تعطل أو تحجب خدمة الإنترنت فى مكان معيَّن، ولكن ليس هنالك أى شركة أو جهة تستطيع تعطيل الإنترنت على مستوى العالم بأكمله، إذ إن تعطيل إحدى الشبكات التى تضمّها الإنترنت لا يعنى تعطيل الشبكات الأخرى.

ومن وقت لآخر يحذر مسؤولون حكوميون كبار من مخاطر التهديدات التى تتعرض لها الشبكة. وبالنسبة للولايات المتحدة، فان هؤلاء المسؤولين يعتبرون أن عمليات اختراق أنظمة الكمبيوتر باتت تمثل تهديدا للأمن القومى والاقتصادى للولايات المتحدة .

ويقول المسؤولون الأمنيون بأن جرائم الكومبيوتر تتزايد بمعدل سريع وتهدد بأن تصبح خارج قدرة السيطرة عليها.

وادت الهجمات التى تستهدف شبكات وأنظمة الكمبيوتر إلى زيادة كبيرة فى حجم القضايا التى يتعامل معها مكتب التحقيقات الفيدرالى الامريكي. وتشير الأرقام إلى أن المكتب قد فتح تحقيقات تصل الى نحو 3000 قضية اختراق للشبكات خلال العالم الماضى مقارنة مع 1000 قضية فقط فى عام 2000.

وقد تنوعت التهديدات التى انطوت عليها هذه القضايا بين عمليات اختراق بسيطة يقوم بها مراهقون، وهجمات على مواقع قام بها موظفون ساخطون. لكن أخطر ما واجهه المكتب هو تلك الاختراقات المعقدة التى يخشى أن تكون قوى أجنبية وراءها. وبالرغم من أن مكتب التحقيقات قد نجح فى تطوير قدراته على التصدى لهذه الهجمات، فإن مديره يعترف بأن المشكلة تتفاقم بسرعة وأن المكتب لا يستطيع مسايرة الزيادة المستمرة فيها.
وتطالب وزارة الداخلية الأمريكية بوضع معايير قياسية موحدة لتجهيزات الكمبيوتر، وبأن يتم تحديث تكنولوجيا تصنيعها بشكل مستمر وهو الأمر الذى يؤكد أن تكاليف حل المشكلة ستكون فلكية. كما تدعو إلى ضرورة تشديد العقوبات على مخترقى شبكات الكمبيوتر إلى الحد الذى يمنعهم من التسبب فى حالة من الفوضى على شبكة الإنترنت.

ويعمل المحققون فى جرائم الكمبيوتر على مدار الساعة للتوصل إلى الأشخاص الذين يتسببون فى خسائر بملايين الدولارات للشركات التى تعتمد فى عملياتها على الانترنت.

ويقول الخبراء ان توفر برامج التطوير ومصادر الشفرات الخبيثة للفيروسات اضافة إلى توفر منتديات وخبرات مبرمجين فاسدين على الانترنت يجعل من عملية تطوير او حتى تصميم فيروس جديد لا يحتاج إلا لمجرد معرفة بسيطة بأبسط لغات البرمجة على الانترنت او حتى برمجة التطبيقات التقليدية ليمكن لمن تتوفر لديه مثل تلك الخبرة تطوير فيروس جديد يمكن ان يسبب اضراراً غير مسبوقة.

واكثر ما يخشاه خبراء الأمن هو استمرار الرغبة الجامحة لدى المطورين والمبرمجين الهواة فى التسابق لتصميم فيروسات جديدة وخطيرة باستخدام برامج وتطبيقات التطوير والخبرات المنتشرة بكثرة على شبكة الانترنت الدولية. ولعل اصعب ما يتخيله المرء هو "ملاحقة اشباح فى الظلام الدامس" مزودين بافضل الوسائل المتوفرة لهم مجاناً على الشبكة الدولية.

ومن الملاحظ ان عمليات التخريب فى تصاعد مستمر وهو ما يتطلب من الشركات العمل بجد نحو الحد منها وليس القضاء عليها.
ورغم تحقيق بعض التقدم فى مجال الحد من العمليات الاغراقية التى كانت اكبر مهددات مواقع ومزودات الانترنت بفضل ادخال الكثير من البرامج والعتاد لحماية تلك المزودات فانها لا تكفي، للحيلولة دون وقوع هجمات جديدة.

ولكن الشيء المهم، فى الحقيقة، هو ان مطورى الهجمات أثبتوا خلال السنوات العشر الماضية عجزهم عن تخريب الشبكة، وذلك على الرغم من النجاحات التى حققوها فى إحداث أضرار موضعية محدودة عليها، وذلك الى جانب الأضرار التى يتعرض لها الأفراد.

الشبكة قد تحمى نفسها، بسبب طبيعتها بالذات، ولكن أيضا بسبب أسلحة الحرب الدفاعية التى لا تتوقف شركات الكومبيوتر الكبرى عن انتاجها، والتى تحولت بدورها الى مصدر مهم من مصادر الدخل بالنسبة لهذه الشركات. والمفارقة ان بعض تلك الأسلحة الدفاعية هى من انتاج المخربين أنفسهم، الذى وجدوا ان عملهم مع تلك الشركات أكثر فائدة من العمل ضدها
.