<TABLE id=table1 style="BORDER-COLLAPSE: collapse" borderColor=#bccee2 cellSpacing=0 cellPadding=0 width=250 border=1><TBODY><TR><TD background=index_files/backtable_s.jpg> بوش .. الشيطان الساذج</TD></TR></TBODY></TABLE>
السيد محمد حسين فضل الله
لعل مشكلة الرئيس الأميركي جورج بوش في تصرفاته وأحاديثه وقراراته هذا الانتفاخ في الشخصية، الذي يخيّل اليه بأنه مبعوث السماء الى الأرض، حتى أنه تحدّث في مناسبة معيّنة بأنه "ينطق بلسان الله"، وربما ساعد ذلك في قدرة بعض المحيطين به، في داخل إدارته وخارجها، من المحافظين الجدد والفريق الصهيوني، على النفاذ الى داخله في عملية إيحاء بتضخيم الذات، ليدفعوه الى الخضوع لهم فيما يحددونه له من مواقف، ويقنعونه به من قرارات في الأمور الداخلية والخارجية، ولا سيما في إحساسه بقسوة الدولة التي يرأسها باعتبارها الدولة الأقوى التي تملك فرض إرادتها على العالم كله، ولا يملك أحد أن يفرض عليها شيئاً..
وقد يُخيّل اليه أنه قادر على إصدار الأحكام المختلفة على أكثر من موقع في العالم، سواء أكان هذا الموقع من الدول التي ينسجم معها، او من الدول التي لا يرتاح اليها، او من الجهات المتنوّعة من المنظمات او من الفئات المختلفة ممن يحدّد موقفه منها سلباً او ايجاباً باعتبار بعضها "محور الشر" وبعضها الآخر "محور الخير"، أو يطلق على هذه الجهة او تلك وهذه الدولة أو تلك صفة الإرهاب أو صفة الحرية، من دون أن يخضع في تقويمه أو أحكامه لأية اعتبارات قيمية فيما هي القيم الدينية والإنسانية، وهو يظن أن موقع القوة الذي يملكه في "امبراطوريته الكونية" يجعل الناس يصدّقونه ويتبعونه، على أساس تخيّله أنه قادر على الضغط على أفكار الناس، كما هو قادر على الضغط على حياتهم العامة والخاصة.
ولذلك، فإننا نلاحظ أنه يتحدّث عن قضايا العالم بطريقة عشوائية لا تحمل أي منطق، ولا توحي بأي احترام، بل إنه يرى في أكاذيبه في القضايا السياسية والأمنية فرصة لشنّ الحرب على هذا البلد أو ذاك، معتقداً بأن القوة التي يملكها تبّرر له ذلك، وتجعل بعض الرأي العام في الداخل أو بعض الدول التي تلتقي مصالحها مع مصالحه تؤيده وتوافقه وتتحرّك معه، كما حدث في احتلاله للعراق بحجة الكذبة الكبرى وهي مواجهة أسلحة الدمار الشامل لديه.
لقد تحوّل هذا الشخص إلى شخص مغرور يختنق في داخل إعجابه لنفسه بحيث لا يرى في العالم أحداً غيره، فمن اتبعه كان ممن يتحرّك في ساحة الديموقراطية والحرية، ومن خالفه كان في دائرة الشر والإرهاب.. إنه الشيطان الساذج الذي لا يملك من أمره شيئاً، لأنه يعيش في داخل ذاته، ويتحرك من خلال الشياطين الذين يحيطون به في إدارته، ويصدرون قوى الشر في العالم باسمه، وهذه هي قضية هذه الإدارة الجديدة التي أصبحت مشكلة للناس، حتى لحلفاء أميركا، في تخطيطها لأكثر من حرب ظالمة ضد مختلف شعوب العالم، على اساس مصادرة المصالح العامة للناس.
وربما يلاحظ المحللون لشخصية هذا الرئيس ان احداث 11 ايلول أدخلته في إرباك عقلي، وهستيريا شعورية، لأنه لم يكن يتصوّر كيف يمكن أن يقوم فريق من الناس، ولا سيما من المناطق التي يسيطر عليها، بتهديد أميركا بالطريقة التي جرت فيها هذه الأحداث، الأمر الذي استطاع معه شياطين إدارته ان يخططوا لاستغلال ذلك لتخويف من يُراد تخويفه، وحرب من يُراد إعلان الحرب عليه، والضغط على مَن يُراد الضغط عليه، والدخول إلى كل مواقع العالم الثالث تحت تأثير شعار <الحرب ضد الإرهاب>..
وقد بدأ ذلك في الحرب على أفغانستان والعراق، وتهديد كل دولة تتحرّك في داخلها الجماعات التي تختلف في سياستها عن سياسة الحكومة الأميركية، وتطالب بالحرية وحقوق الإنسان والمحافظة على ثرواتها، لتتهمها أميركا بالإرهاب، وتطالب الدول التي يعيشون فيها بملاحقتهم والقضاء عليهم بمختلف الوسائل في القتل والسجن والحصار السياسي، وقد امتدّت المسألة الى مواجهة رجال الانتفاضة في فلسطين كحركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما، حيث أصدرت هذه الإدارة بقيادة رئيسها حكمها عليها بأنها منظمات إرهابية، مما عطّل مسألة المفاوضات، وأسقط خطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية، لأن المطلوب أميركياً أن تكمل إسرائيل مشروعها الاستيطاني والجداري، وتستكمل إبادتها للشعب الفلسطيني من أجل إسقاط إرادته الوطنية في التحرير.
ولا تزال اللعبة الأميركية في مسألة الإرهاب تتمثل في حركتها الضاغطة على العالمين العربي والإسلامي من موقع العقدة ضدهما، فكانت حرب لبنان هي حرب أميركا لحسابها وحساب إسرائيل، من أجل الشرق الأوسط الجديد ومصادرة قاعدة القوة الرافضة والممانعة في لبنان، والمتمثلة بالمقاومة الإسلامية التي تحوّلت إلى منهج جديد في المواجهة للصهيونية وللسياسة الأميركية وعملائها في العالم العربي والإسلامي، مما يمكن ان يغيّر الوجه السياسي في الشرق الأوسط كله.. وهكذا، لاحظنا كيف قادت الإدارة الأميركية هذه الحرب بكل شراسة ووحشية بكل الوسائل السياسية التي حرّكت فيها ضغوطها على الدول العربية الخاضعة، وعلى حلفائها في الاتحاد الأوروبي والروسي، بحيث وجّهت الحملة العالمية ضد المقاومة وحمّلتها المسؤولية في إثارة الحرب، واعتبرت إسرائيل في موقع الضحية والمقاومة في موقع المجرم، في الوقت الذي يعرف فيه المحللون الذين يدرسون الأحداث أن خطف الجنديين الإسرائيليين لا يمكن أن يتسبب تحت أي ظرف بمثل هذه الحرب.
وقد عمدت هذه الإدارة الى منع او تعطيل أي قرار لوقف اطلاق النار على مستوى دولي، بالرغم من المآسي الفظيعة التي ارتكبها الجيش الصهيوني في مجازره ضد المدنيين اللبنانيين، ولا سيما الأطفال، وفي تدمير البنية التحتية للبنان، لأن الرئيس بوش قد استلهم في هذه الحرب إباحة الحاخامات اليهود قتل الأطفال والنساء والشيوخ، واستوحى ذهنية المحافظين الجدد الذين يستحلّون دماء العرب والمسلمين لحساب اليهود..
ولم تكتفِ الإدارة الأميركية بذلك، بل إنها نصبت جسراً جوياً لنقل الأسلحة المتطوّرة الى إسرائيل، وذلك للإمعان في قتل المزيد من اللبنانيين، من أجل تسجيل نصر لإسرائيل وهزيمة للمقاومة، ولكن من دون نتيجة. ولا يزال الرئيس الأميركي يتابع حملته الوحشية الظالمة، وأكاذيبه السياسية الساذجة، في حديثه عن مسؤولية المقاومة عن الحرب، في الوقت الذي يعرف فيه هو وإدارته أن إسرائيل كانت في مدى السنين الست الماضية تعتدي على لبنان، في اختراق حدوده يومياً بحراً وبراً وجواً، وكانت المقاومة تتولى مهمة الدفاع عن الوطن بأكبر قدر ممكن من الحكمة والانضباط حذراً من إرباك الواقع السياسي في المنطقة، لأنها لم تكن في وارد إثارة الحرب، بل في وارد إيجاد قاعدة أمنية للتوازن مع العدو لمنعه من العدوان.
وفي ضوء هذا، دخلت المقاومة في الحوار الوطني اللبناني للتخطيط لاستراتيجية الدفاع عن الوطن، مما جعل النادي السياسي اللبناني يتحرّك لتقديم الاقتراحات، في الوقت الذي أعلنت فيه المقاومة أنها لا تريد أن تكون بديلاً عن الدولة، أو تكون دولة داخل الدولة، وهو ما حاول الرئيس بوش أن يوحي به في اتصاله برئيس حكومة لبنان، ولا تريد لسلاحها أن يكون سلاح ميليشيا داخلية لاستخدامه في الواقع الطائفي للحصول على موقع داخلي متقدم، بل أرادت أن تكون مساعدة للدولة وداعمة لها في تقوية وجودها وأمنها في مواجهة العدو، حتى أنها أعلنت بأنها سوف تنسحب بكل عناصرها وسلاحها عندما تملك الدولة القوية القادرة إمكانية الدفاع عن الوطن ضد العدوان..
ولكن الإدارة الأميركية برئاسة بوش تحاول قلب الحقائق، ونشر الأكاذيب، وتسخير الإعلام لتشويه صورة المقاومة، ليخرج علينا الرئيس الأميركي مؤخراً بالحديث عن "الإسلام الفاشي" أثناء تعليقه على الجهات التي تخطط لتفجير الطائرات، وربما استعاد في ذهنه حديثه السابق عن الحرب الصليبية.. إننا نعتقد أن هذا التعبير "الوحشي" عن الإسلام ليس مجرد رد فعل لما حدث في 11 أيلول، بل يدل على عقدة مرضية يعيشها هذا الرجل ضد الإسلام والمسلمين، لأن الحركية الإسلامية الواعية المنفتحة على الحرية ترفض الهيمنة الأميركية على العالم، وهذا ما نتمثله في استراتيجية السياسة الأميركية في العالم الإسلامي في دعمها للدكتاتورية في اضطهاد شعوبها، وفي الدعم المطلق لإسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني، وفي احتلالها للعراق ولأفغانستان، وفي الطريقة التي تدير بها الحكومة الأميركية أوضاع المسلمين في الداخل الأميركي.
إننا، في الوقت الذي نعتقد فيه بأن اتهام الإسلام بالفاشية، لأن بعض المسلمين يمارسون بعض الأعمال التي توصف بالإرهابية، قد يجعل بعض الناس يتحدّثون عن اتهام المسيحية بالنازية، لأن بعض المسيحيين قد قاموا بالحركة النازية، نريد التأكيد أنه ليس هناك إسلام فاشي، وإسلام إرهابي، وإسلام متطرّف، وإسلام معتدل، إن الإسلام يمثل وحدة روحية إنسانية تنفتح على حقوق الإنسان، وتحمي حرياته، وترفض الظلم والظالمين والاستكبار والمستكبرين، وما يقوم به بعض المسلمين من أعمال شاذة سلبية لا يتحمّل الإسلام وزرها، كما أننا لا نحمّل أوزار ما يقوم به بعض المسيحيين، ولا سيما الدول الغربية المستكبرة.
وختاماً، إن هذا الرئيس الذي ابتُلي به العالم في مرحلته الحاضرة، وابتُلي به الشعب الأميركي، يمثل حركة شيطانية في إثارة الحروب من خلال نزوة ذاتية في عملية استعراض القوة، وحالة ذاتية خاضعة للشياطين المحيطين به في السيطرة على العالم لحساباتهم الخاصة ولتعقيداتهم المَرَضية.. وعلى العالم أن يعرف كيف يواجه هذا السرطان السياسي والأمني الذي يصيب الإنسان في قضاياه المصيرية والحيوية، لأن العالم لن يجد السلام العادل ما دام هذا الرئيس وإدارته في موقع المسؤولية الكبرى في العالم.