ليس من اليسير قراءة الشعر كما يظن البعض، حيث الاعماق التي لايصلها الامتدرب على تلقي الشعر، وعلى الاحساس بالنبض الذي يسري في مستويات مختلفة من هذه الاعماق، فاللشعر كما يقول بعض الكتاب عدة اعماق وليس عمقا واحدا، والغوص الى العمق البعيد يعتمد على شطارة الغواص / القارئ ليكشف مجاهيله التي لم تطأها قدم قارئ من قبل، ويحرك رمل القاع لتظهر له اشباح الشعر التي تستكين هناك منتظرة، فعلى الشاعر أن يصنع سلما مرجانيا يقود به القارئ الذي ما يزال يراوح عند السطح، الى تلك المجاهيل الملونة ورمالهاالمتحركة، التي تخفي أعماقا أخرى تعب من ملاحقتها، ربما ارضاءا لقناعات ابستملوجية، او غزلا خفيا للطروحات الاسكولائية المهيمنة.
نص ( أسيجة ) للشاعر رياض الغريب، يطرح لنا تلك الاعماق، ان نحن تسلحنا بعدة جيدة، ونثرنا رمال النص في ريح القراءة المتمعنة، التي ستنتج لنا مرتسمات سرابية سنحصرها بين دفتي كلمة استهلال النص وهي / دائما/ واخر كلمات النص وهي/ خارج الاسيجة/، سنرى بان النص يحاول ان يسير في جهة يحاول ان يعززها بطرق عدة ليوهمنا إن هذا هو الطريق الذي سيوصلنا الى العمق، بيد انا سنكتشف ان نحن سرنا داخل النص بصورة حذرة، وتأكدنا من موضع اقدامنا، سرابية هذا العمق، واننا اخذنا الجهة المعاكسة تماما ، فهناك مجموعة من الدوال المضللة التي وضعها الشاعر لتعميق نصه، وهي جملة الاهداء (الى ركن الدين يوسف وشعراء المحنة) والمتضافرة مع الافعال المضارعة، حتى ان النص يحاول ان يظهر نفسة وكأنه تفصيل لجملة تربط بداية النص بنهايته /دائما /= (هم)= /خارج الاسيجة/، و(هم) هنا هي اختزال لجملة الاهداء وايحاء الجمع المتولد من الأفعال المضارعة، بيد اننا لو حاولنا تحري ولمس الاعماق الحقيقية التي ربما يقصدها الشاعر، لراينا بان الدالة البدئية وهي العنوان( أسيجة ) هي المهيمنة على تحركات النص، في اجواء من الاحتدام الذي تضفيه الافعال المضارعة، وهذا الاحتدام ربما يعزز الدلالة الاولى التي يحاول النص ايهامنا بها، والتي نحاول ان نفككها ونكتشف سرابية مقولاتها، ان اخذناها بسطحيتها وانقدنا وراء وهم الفعل الذي تحاول هي والنص تعميقه، بيد اننا لو اخضعنا هذه الافعال الى الربط الدقيق مع وجودها الفعلي ومدى تأثيرها على الجملة الشعرية لرايناها افعالا غير حقيقية بل هي افعال مموهة تفتقد الى روح الفعل الحقيقي، للأرتباطها بدلالات تحرفها عن مسارها ، من مثل:/يندلعون بالخوف/ والذي يعكس الذي قد قلناه سابقا بأرتباط فعل الاندلاع وهو فعل احتدام ذو دلالة ايجابية حركية، مع مفردة الخوف والتي هي دلالة سلبية غير حركية، او / يعلقون / فوانيس نومهم العميق/، والذي يرينا ان فعل التعليق هنا هو فعل سكوني لا حركي، للارتباط دلالته كما هو واضح بالنوم العميق، والتي هي دلالة سلبية، اخرجته من مرجعيته الابستملوجية الى سكونية سالبة، وايضا هناك الفعل (تركض) في المقطع التالي:
تركض
في ذاكرتهم سماء لا تتوقف
وهذا الركض الذي ربما يظهر كفعل ايجابي حركي، مرتبط بدلالة الانفتاح المتمثلة بالسماء، والتي تتماهى مع فعل الركض بأنها لا تتوقف، بيد ان سرعان ما يتكشف لنا بانها حركية مموهة وغير حقيقية للارتباطها مع شبه جملة الجار والمجرور (في ذاكرتهم )، والتي قد جنحت بالمقطع بعيدا عما حاول الفعل المضارع تأسيسه، اي ان فعل( الركض) والذي اراد ان يوحي لنا بانه فعل حركي ، قد امتصت دلالة الذاكرة في جملة / في ذاكرتهم / زخمه واندفاعه، والذي حاول به النص ان يوهمنا ويضللنا عن العمق الحقيقي له، وايضا هناك الفعل (تسقط) في المقطع الذي يليه:
تسقط
قرب أحلامهم
حروب الجغرافيا
تجعلهم اكثر حكمة
في تجميع ألسنة الهواء
والذي يرتبط بجملة / قرب احلامهم / والتي تنطبق عليها المقولة السابقة، لأرتباطه بدلالة وهي ( الاحلام ) والتي لا تعزز حركيته بل تطفئ الزخم الحركي الذي نتوقعه منه كفعل له دلالة حركية ( السقوط) ، اما الفعل ( تجعلهم ) والذي يبدو اكثر حركية وانفلاتا عن المهيمنة الدلالية للنص لكونه فعل حركي مضارع، وايضا لأرتباطه بدلالة اخرى والمتولدة من جملة / اكثرهم حكمة /، بيد انه يفقد اتجاه الدلالة هذا لكون جملة / تجعلهم أكثر حكمة/ متولدة من الفعل المهيمن على المقطع وهو ( تسقط)، اي ان هذا الفعل سيلبس نفس لباس الفعل السابق المتولد منه.
اما الافعال في المقطع التالي من النص:
وحين
يقترب المطر من جلودهم
يفرحون
يرقصون من رؤية
تقبلو تحياتي
السلطاني