بهجت الجبوري فنان عراقي قدير من مواليد قضاء الشطرة بمحافظة ذي قار عام (1947)، خريج معهد الفنون الجميلة ــ قسم المسرح نهاية الستينيات، عاش طفولته وشبابه المبكر في مدينة الناصرية، منطقة دور الادارة المحلية، التي كانت تعتبر في تلك الفترة الزمنية من افضل مناطق واحياء المدينة من حيث الموقع ودرجة العمران والبناء والحدائق والشوارع المعبدة.
فوالده محمود الجبوري كان يعمل (مشرفا تربويا) في مديرية تربية الناصرية، وكان رجلا وقورا وصارما في تربية عائلته، لذلك نشأ ولده البكر بهجت، ضمن تربية وسلوكية فيها الكثير من الانضباط والخصال الحميدة، كإحترام الكبير والتعامل بأدب وطيبة مع الاخرين.. سيما ان بهجت قد حباه الله وسامة الوجه وحلاوة اللسان والروح. والمرح وخفة الظل، وكلها جعلته محبوبا من ابناء محلته ومدينته. هكذا نشأ الفنان بهجت الجبوري وديعا مسالما، يحب الحياة والجمال والطبيعة والمرأة، قبل ان يأخذه الفن ويدخل عالمه الاثيري الذي احبه بكل صدق، وفضله حتى على امنية عائلته في ان يصبح ولدهم البكر طبيبا او مهندسا.
شارك بهجت الجبوري عندما كان طالبا في الثانوية، بالكثير من الاعمال المسرحية، مع فرقة الناصرية للتمثيل، التي كانت تضم (عزيز عبدالصاحب، عبدالرزاق سكر، عبدالامير السماوي، محسن العزاوي، حسين نعمة، فاضل خليل، حميد كاظم، عبدالمطلب السنيد، حميد البناء.. واخرين).
بعد تخرجه من معهد الفنون الجميلة، عمل في النشاط الفني لتربية ذي قار، ثم انتقل الى بغداد لينضم الى الفرقة القومية للتمثيل، وشارك في بعض اعمالها وتألق كثيرا في مسرحية (طير السعد)، لكنه عاد مرة اخرى الى مدينته ليشرف على النشاط الفني المدرسي. وفرقة الناصرية للتمثيل التي اخرج لها بعض الاعمال المميزة في منتصف السبعينيات. عاد مرة اخرى الى بغداد وللفرقة القومية للتمثيل ليكون احد اعضائها البارزين ليبدأ مشواره الفني الحقيقي من خلال المسرح والاذاعة والتلفزيون والسينما. الفنان بهجت الجبوري احب عمله الفني كثيرا، وله حالة من التفرد وهي المراقبة والاختلاط عن كثب مع بعض مفردات الناس الحياتية والمهنية والحرفية، فكان يخرج بسيارته الشخصية منتصف الليل ليعمل سائق تكسي (اجرة) وليشاهد ويطلع من خلال عمله هذا على حياة وتصرفات الناس وخاصة (السكارى والمخمورين).. ليتفحص شخصياتهم وحركاتهم وانفعالاتهم وطريقة كلامهم عند غياب الوعي عنهم، ليجسدها في اعماله المسرحية بكل مهارة وحرفية وتلقائية بعيدا عن التشنج والافتعال والصراخ الذي اعتدنا عليه من بعض الممثلين في مسارحنا. ولنا ايضا في حادثة وفاة والده وهو على خشبة المسرح يؤدي دوره في احدى المسرحيات وقد علم بالخبر المفجع، فأستمر باداء دوره بصعوبة والدموع تتساقط من عينيه كالمطر، حتى انتهاء العرض المسرحي، واسدال الستارة، ليجهش ببكاء حار كله لوعة واسى مرير على والده الذي احبه بكل العمق الذي اعرفه عنه شخصيا. اما عن حياته العائلية، فقد ترك بهجت الجبوري لابنائه حرية الاختيار لمستقبلهم الدراسي وما يطمحون اليه فأتجه الابناء اتجاها علميا صرفا فدخل البعض كلية الطب والبعض الاخر الصيدلة والهندسة، حيث كان يدرك ويؤمن بان الانسان الناجح في حياته، من يختار مستقبله ودراسته عن حب وقناعة. لا ان يفرضها عليه الاب او الاهل.
وهذه الديمقراطية التي تعيشها عائلة الفنان بهجت الجبوري جاءت نتيجة الوعي والتجربة.اما عن اعماله التلفزيونية فلا اعتقد ان احدا ينسى دوره الذي ابكى الناس في ذلك المسلسل الجميل وتجسيده لشخصية (عبدالله المسعود)، او دوره الطريف في مسلسل (حب وحرب) والكثير من الاعمال المسرحية والاذاعية والتلفزيون في سيرة مبدع من ابناء مدينة الابداع والمبدعين الناصرية.
كما قدم العديد من الادوار السينمائية في افلام : (يوم اخر) و(ليلة سفر) و(زمن الحب) وغيرها ، اما مسرحياته نذكر منها : (بيت وخمس بيبان) و(باب وخمس بيوت) و(اطراف المدينة) وغيرها .
اما في السينما المصرية فقد حقق حضورا طيبا عندما استدعاه المخرج المصري خالد يوسف لفيلم حيث كان يبحث عن شخص عراقي للعب شخصية عراقية بالفيلم، و حينما سأل بعض من المُقربين له رشحوه له، وقد وصفه خالد يوسف بأنه "محمود المليجي العراقي"، والفيلم يلعب بطولته هاني سلامة، خالد صالح، سمية الخشاب، وغادة عبدالرازق، ومن تأليف هاني فوزي.
(الريس عمر حرب) والذي فاز فيه بجائزة أفضل ممثل ثانوي في المهرجان القومى للسينما المصرية فى دورته الخامسة عشر، التي أُختتمت مؤخرا لدوره في فيلم "الريس عمر حرب"، ردوداً طيبة عن أهل الفن العراقي في بغداد، لكنهم لم يستغربوا ذلك، لكون الفنان الجبوري كبيرا في أدائه وعطائه، وبين فرح أعلنته العيون كان هناك جرح عراقي لامسه الخبر تمثل في الصورة التي عليها الفن العراقي ، كما قدم فيلما مصريا اخر وهو فيلم (دكان شحاته) . يذكر أن الفنان بهجت الجبوري غادر العراق قبل نحو ثلاث سنين بعد تعرضه لانتكاسة صحية تطلبت وجوده في الخارج للعلاج وكانت احدى محطاته فيه القاهرة.
_________________________________
________________________________
بهجت الجبوري عملاق الشاشة العراقية الصغيرة يتألق في السيدة
انه الوجع والحزن والحب والاشتياق ، انه التأمل الصادق النبيل ، والورم الكامن في ثنايا الروح لا يتفتق عن قيح وإنما عن ورود ورياحين ومحبة .. دموع صادقة بقيض من ماء النهرين ، وترنيمة طيور الصبح التي أبعدها الاشتياق عن التغريد ، فصدحت بمواويل من الآهات تتوزع على شجن العراق ، كما الأوركسترا التي تبحث في الضياع عن لحن مؤجل لحياة قادمة ، قادها في معزوفة ( السيدة ) وبإبداع مذهل قائد له باع طويل في الإيماءة والانسجام مع العزف كما الروح التائهة في أجواء حالمة تبعثها الأنغام ، فتضفي على قدسية المشاهدة قدسية الاستماع .