شيعة آل أبي سفيان هم قتلة الحسين (عليه السلام)
السؤال:
يتردّد من البعض: إنّ الذين قتلواالحسين (عليه السلام) هم شيعة، فهل هم شيعة كما يقال؟ أم أنّهم غير ذلك؟ وهل كانوا من أتباع أهل البيت ثمّ انحرفوا أم ماذا؟
الجواب:
في الواقع هذه شبهة روّج لها البعض، ممّن في قلبه مرض، طعناً منه بالمذهب الشيعي، من أنّ الشيعة هم الذين قتلواالإمام الحسين (عليه السلام)! والواقع خلاف ذلك، فإنّ الذين قتلوه (عليه السلام) هم شيعة آل أبي سفيان، بدليل خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) إليهم يوم عاشوراء: «ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون يوم المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى احسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون» (1).
ثمّ لم نجد أحداً من علماء الرجال أدرج أسماء هؤلاء الذين قتلوه (عليه السلام) ـ كأمثال عمر بن سعد، وشبث بن ربعي،وحصين بن نمير، و… ـ ضمن قوائم رجال الشيعة، بل النصوص تدلّ على أنّهم من جمهور المسلمين.
وأمّا كونهم محكومين بأنّهم كانوا تحت إمرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا يدلّ على أنّهم شيعة علي (عليه السلام)، كما أنّه ليس كلّ من صلّى خلف علي أو قاتل في جيش علي هو شيعي بالضرورة، لأنّ الإمام علي (عليه السلام)يعتبر الخليفة الرابع للمسلمين، فالكلّ يقبله بهذا الاعتبار، لا باعتبار أنّه معصوم، وأنّه الخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مباشرة.
وأمّا أنّهم كانوا ممّن أرسلوا إلى الإمام الحسين (عليه السلام) برسائل تدعوه للمجيء إلى الكوفة، لا يدلّ أيضاً على أنّهم شيعته (عليه السلام)، لأنّهم كانوا يتعاملون مع الإمام الحسين (عليه السلام) باعتباره صحابي، وسبط الرسول (صلى الله عليه وآله)، وله أهلّية الخلافة والقيادة، لا باعتبار أنّه إمام من الأئمّة الإثني عشر، وأنّه معصوم، وأنّه أحقّ بالخلافة من غيره.
مضافاً إلى هذا، فإنّ مواقفهم من الإمام الحسين (عليه السلام) ومن معه يوم عاشوراء تدلّ على أنّهم ليسوا بشيعة له، من قبيلمنعهم الماء عليه، فيخاطبهم برير الهمداني بقوله: وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه، وقد حيل بينه وبين ابنه، فقالوا: يا برير، قد أكثرت الكلام فاكفف، فوالله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله (2)، يقصد عثمان بن عفّان، فهل هذا جواب شيعي؟!
ثمّ إنّ الشيعة في الكوفة يمثّلون سبع سكّانها، وهم 15 ألف شخص، كما نقل التاريخ، فحوالي 12 ألف زجّوا في السجون، وقسم منهم اعدموا، وقسم منهم سفّروا إلى الموصل وخراسان، وقسم منهم شرّدوا، وقسم منهم حيل بينهم وبين الإمام الحسين (عليه السلام)، مثل بني غاضرة، وقسم ضئيل منهم استطاعوا أن يصلوا إليه (عليه السلام).
إذاً شيعة الكوفة لم تقتلالإمام الحسين (عليه السلام)، وإنّما أهل الكوفة ـ من غير الشيعة ـ قتلوه (عليه السلام) بمختلف قوميّاتهم ومذاهبهم.
نعم، هذا صحيح أنّ اكثر الشيعة في الكوفة، لكن لا أكثر الكوفة شيعية، والدليل على أنّ الشيعة كانوا أقلّية في الكوفة، هو عدّة قضايا:
منها: ما ذكرته بعض المصادر: من أنّ علياً لما تولّى الخلافة أراد أن يغيّر صلاة التراويح، فضجّ الناس بوجهه في المسجد، وقالوا: وا سنّة عمراه (3).
ومنها: ما في الفقه الإسلامي، إذا قيل هذا رأي كوفي، فهو رأي حنفي لا رأي جعفري.
وللمزيد من الفائدة نذكر لكم نصّ كلام السيّد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة: «حاش لله أن يكون الذين قتلوه هم شيعته، بل الذين قتلوه بعضهم أهل طمع لا يرجع إلى دين، وبعضهم أجلاف أشرار، وبعضهم اتبعوا رؤساءهم الذين قادهم حبّ الدنيا إلى قتاله، ولم يكن فيهم من شيعته ومحبيه أحد.
أمّا شيعته المخلصون فكانوا له أنصاراً، وما برحوا حتّى قتلوا دونه، ونصروه بكلّ ما في جهدهم إلى آخر ساعة من حياتهم، وكثير منهم لم يتمكّن من نصره، أو لم يكن عالماً بأنّ الأمر سينتهي إلى ما انتهى إليه، وبعضهم خاطر بنفسه وخرق الحصار الذي ضربه ابن زياد على الكوفة، وجاء لنصره حتّى قتل معه، أمّا أنّ أحداً من شيعته ومحبّيه قاتله فذلك لم يكن، وهل يعتقد أحد أنّ شيعته الخلّص كانت لهم كثرة مفرطة؟ كلاّ، فما زال أتباع الحقّ في كلّ زمان أقلّ قليل، ويعلم ذلك بالعيان، وبقوله تعالى: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (4) (5).
ويمكن أن يقال: إنّ الشيعة من أهل الكوفة على قسمين:
1ـ شيعة بالمعنى الأخصّ، يعني يعتقدون بالتولّي والتبرّي، وهؤلاء لم يكونوا في جيش عمر بن سعد، الذي حارب الإمام الحسين (عليه السلام)، بل إمّا استشهدوا معه (عليه السلام)، أو كانوا في السجون، أو وصلوا إلى كربلاء بعد شهادته (عليه السلام).
2ـ شيعة بالمعنى الأعمّ، يعني يحبّون أهل البيت (عليهم السلام)، ويعتقدون بالتولّي دون التبرّي، ولا يرون أنّ الإمامة منصب إلهيّ وبالنصّ، وهؤلاء كان منهم من بايع الإمام الحسين (عليه السلام) في أوّل الأمر، ثمّ صار إلى جيش عمر بن سعد.
وكلّ ما ورد من روايات ونصوص تاريخية فيها توبيخ لأهل الكوفة، فإنّما تحمل على الشيعة بالمعنى الأعمّ، أي الذين كانوا يتشيّعون بلا رفض، وبلا اعتقاد بالإمامة الإلهية، وما إلى ذلك من أُصول التشيع.
ــــــــــــــ
(1) لواعج الأشجان: 185، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 344، البداية والنهاية 8 / 203، مقتل الحسين لابن مخنف: 190،اللهوف: 71، كشف الغمّة 2 / 262.
(2) الأمالي للشيخ الصدوق: 222، روضة الواعظين: 185، لواعج الأشجان: 111.
(3) جواهر الكلام 13 / 140 و21 / 337، الصحيح من السيرة 2 / 149.
(4) سبأ: 13.
(5) أعيان الشيعة 1 / 585.