لم يعهد تاريخ العراق المعاصر هذا النمط من الارهاب المروع ، الذي كنا نسمع عنه ونستهجنه، فلم يعرف العراقيون هذا السلوك المشين ، الذي وصل الى حالة القتل باعصاب باردة لمواطنين لم يرتكبوا أي ذنب او جريمة ، ولم يكن لهم دخل في اللعبة السياسية ، مواطنون بسطاء اطفال ابرياء ونساء وشيوخ00 فمن هو الذي ساعد على ظهور هذه الحالة الغريبة على المجتمع العراقي ، اتذكر في بداية السبعينيات عندما روع المجرم (ابو طبر) المجتمع البغدادي بجرائمه الغريبة ، وان كان الهدف من وراءها السرقة والاغتصاب ، ويومها سادت حالة من الخوف والرعب رغم ان تلك الجرائم لم تتعد اصابع اليد الواحدة 00 وكيف ظلت هذه الجرائم عالقة في الذهن كما ظلت جرائم (ريا وسكينه) عالقة في ذاكرة المجتمع المصري منذ عشرينيات القرن الماضي ، واليوم تقترف جرائم ارهابية فاقت كل التصورات من ذبح وقطع للرؤوس وتفجير عبوات وتفخيخ سيارات وجرائم خطف وفرض اتاوات ، كل ذلك وامريكا التي احتلت العراق بعد اسقاط نظام الصنم كانت تمني العراقيين بانشاء مجتمع ديمقراطي تسود فيه الحرية والمساواة وحرية التعبير واستقلال القضاء 00 فكيف وجدت هذه المكونات الاجرامية وكيف تمادت 00 واصبحت تهدد باسقاط التجربة الديمقراطية الوليدة ، واجبرت الحكومة وقوات التحالف الى استنفار كل طاقاتها للحد من هذه الظاهرة ، التي حولت بغداد ومدناً اخرى الى مدن اشباح مشلولة الحركة ، وعطلت حركة البناء والتعمير التي نحن بامس الحاجة لها0
لابد من وقفة طويلة متانية ، نسترجع فيها كل الاسباب التي ادت الى ظهور هذه الظاهرالتي لم تولد بعد السقوط مباشرة ، وكلنا يتذكر ان الاشهر الاولى بعد السقوط كانت بمثابة حلم جميل لاسيما ان الناس تخلصوا من اعتى نظام قمعي ديكتاتوري وسادت روح التفاؤل بين المواطنين، الا ان الظروف السياسية غير الناضجة ، وعدم قدرة الفعاليات السياسية على استيعاب كل التناقضات وردود الفعل ، والتعامل الخاطئ مع الاوضاع بعد السقوط ، ادى الى ظهور تطرف معارض ، لبس لبوسا متعددة من اهمها لباس الاسلام ولخلو الساحة العراقية من الضوابط الامنية وانتشار الاسلحة المنهوبة من الجيش المنحل ومخافر الشرطة وانتشار البطالة وغياب السلطة وضعف تطبيق القانون ، كل ذلك شجع على قيام منظمات ، تعارض التحول الديمقراطي ، ووجدت من يمولها ماليا ولوجستياً من انظمة بائسة ظلت لعقود طويلة ، تتحكم في رقاب شعوبها بتفويض شبه الهي واكثر ما يخيف هذه الانظمة هو ظهور نظام ديمقراطي شعبي كالذي حصل في العراق ، لان ذلك يشكل الخطر الاكبر لزعزعة عروشها واسقاط تاريخها المغمس بالتعسف والاستحواذ على مقدرات الشعب 0
وجدت هذه الحكومات ضالتها في هذه الفئات المنفلته ، واستطاعات ان تغذي حقدها بحقنها بجرثومة الطائفية المقيته التي وجدت تقبلا لدى هؤلاء الذين هم من بقايا ايتام النظام السابق ، والذين كانوا مستفيدين من ايديولوجية البعث الصدامي 00 والذين كانوا يتمتعون بمراكز مميزة في المجتمع وهم من الكثرة بمكان حيث ان صدام كان يوظف مئات الالاف من الحرس الخاص وقوات الامن الخاص ، والمخابرات ، وقوات الطوارئ كل هؤلاء يحظون بامتيازات خاصة ولديهم السطوة والنفوذ ، ولقد خسر هؤلاء كل هذه الامتيازات ، فاصبحوا في الرعيل الاول للارهاب لاسيما انهم متعودون على القتل وسفك الدماء 0
ان الارهاب في العراق ، يتكون من بقايا النظام السابق والمجرمين والقتلة والشواذ واللصوص، الذين استطاعوا بمؤارزة قوى خارجية عربية خليجية ، ان ينظموا انفسهم ويعمدوا الى حرب العصابات وتدمير كل شيء وبث حالة الرعب والفوضى في البلاد ، من خلال القتل والتصفيات والخطف والسرقة ، وتدمير البنية التحتية ، كل ذلك مدروس ومبرمج لكي يشلوا الحياة ويتركوا الحكومة عاجزة عن تقديم الخدمات للمواطنين0
أن هذه التنظيمات لاتنفع معها الحرب التقليدية وحرب الجيوش النظامية بمعداتها الثقيلة ،اذ ان أي عجلة عسكرية هي هدف واضح سهل الاصطياد بعكس التنظيمات الارهابية التي تعمد الى تنظيمات ضبابية غير معروفة وتستعمل اسلوب (اضرب واهرب) وبرايي ان الاسلوب المتبع في الوقت الحاضر غير مجد في القضاء على هذه التنظيمات الا باللجوء الى حرب هذه التنظيمات بتنظيمات مشابهة واستخبارات سرية مكثفة ومطاردة فلول هذه العصابات من افراد يشابهونهم في التكوين والتنظيم ومن خلال اختراقهم والنفاذ الى اوساطهم بطرق سرية مدعومة بالمال والسلاح 00 وعدم السماح لدول الخليج بمد هؤلاء بالمال ونقل الاحداث الى قلب هذه الدول ليذوقوا مرارا الارهاب ويتعظوا00 فالذي يداه في النار غير الذي يداه في الماء0