بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اذا اصبحت فلا تنتظر المساء اليوم فحسب ستعيش فلا امس الذي ذهب بخيره وشره ولا الغد الذي لم يات الا الان اليوم الذي اظلتك شمسه وادركك نهاره هو يومك فحسب عمرك يوم واحد فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكانك ولدت فيه وتموت فيه حينها لا تتعثر حياتك بين هاجس الماضيي وهمه وغمه وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب الليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وابداعك وكدك وحدك فلهذا اليوم الابد ان تقدم صلاة خاشعة وتلاوة بتدبر واطلاعا بتامل وذكر بحضور واتزان الليم انت فيه فتقسم ساعاته دقائقه سنوات ومن ثوانيه شهور وتزرع فيه الخير تسدي جميل تستغفر فيه من ذنب تذكر فيه الرب تتهئ للرحيل تعيش هذا اليوم فرحا وسرورا وامنا وسكينه ترضى فيه برزقك وبزوجك واطفالك بوظيفتك وبيتك وعلمك ومستواك تعيش هذا اليوم بلا حزن ولا انزعاج ولا سخط ولا حقد ولا حسد.
اترك المستقبل حتى ياتي:
لاتسبق الاحداث اتريد اجهاض الحمل قبل تمامه وقطف الثمر قبل النضج ان غدا مفقود لا حقيقة له ليس له وجود ولا طعم ولا لون ولا ندري هل يحال بيننا وبينه او نلقاه فاذا هو سرور وحبور المهم انه في علم الغيب لم يصل الى الارض بعد كثير هم يبكون لانهم سوف يجوعون إذا وسوف يمرضون بعد سنه وسوف ينتهي العالم بعد مائه سنه اترك غدا ياتيك لاتسال عن اخباره ولا تنتظر زحوفه لانك مشغول باليوم لم تشرق شمسه ولم يرا نوره فحذار من طول الامل.
المؤمن الصابر إذا فقد صفاء دنياه لا يفقد صفاء دينه، ولا يضعف أمام نفسه لنكبة حلَّت به، أو لابتلاء أصابه.. ذلك شأن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين والدعاة والرجال العظماء، فقد أكدت سيَرُهم إن عِظم المنزلة والأجر مع ثقل الأحمال، وشدة البلاء، ومعاناة الصعاب، وقوة الصبر.
فالابتلاء سُنّة من سنن الله عزّوجلّ في عباده، وهي سنة لا محالة واقعة، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد/ 31)، وفي سورة الملك: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (ملك/ 2)، وفي سورة الكهف ذكر الابتلاء بالنعمة وزينة الأرض، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الكهف/ 7).
- القرآن يشخص نفسية الإنسان:
الابتلاء بالخير واليسر أصعب من الابتلاء بالشر والضيق، وقد شخِّص القرآن الكريم نفسية الإنسان، فبيّن أن ابتلاء الإنسان بالضرِّ يقربه من ربه، قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ * أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) (الزمر/ 8-9).
- ضرورة التأهب والاستعداد:
حياة الناس – إذن – مليئة بالابتلاءات والأزمات، ومن هنا وجب على الإنسان أن يتأهّب ويستعدّ للنوازل المتوقعة، حتى لا تذهله المفاجآت، كما قال الشاعر:
عرفنا الليالي قبل ما نزلت بنا ***** فلما دَهَتْنا لم تَزِدْنا بها علما
فلا شك ان تَلَقِّي الشدائد والابتلاءات ببصيرة مستنيرة واستعداد كافٍ من شأنه أن يحصِّن الإنسان، وأن يحفظ عليه دينه، فإذا ما استحكمت الأزمات، وتعقّدت حبالها، وتتابعت الضوائق وطال ظلامها، فالصبر وحده هو الذي يشع للمسلم النور العاصم من التخبط، والهداية الحافظة من الضلال، والأمل الواقي من اليأس والقنوط، وهذا معنى قول رسولنا الكريم(ص): "والصبر ضياء".
- كيف يكون الصبر ضياء؟
إذا وطّنَ المؤمنُ نفسه على احتمال المكاره دون ضَجَر، وواجه الشدائد برضا وثبات، فإن ذلك يحفظ عليه عقله، فلا تطيش به كُربةٌ، ولا تفتنه محنةٌ، بل يشيء الصبرُ له الطريق، ويوقن بأن ذلك من علامات الدّرب، ويبقى موقناً بأن بوادر الصفوّ لابُدّ آتية، وأن من الحكمة والإيمان انتظار الفرج القريب في سكونٍ وطمأنينة ويقينٍ.
- الفرق بين الساخط والراضي:
الفرق بين من ينزعج للمصيبة وبين من يصبر عليها ويرضى بها، أن الأول يجعل كل همّه في الدنيا؛ لأنها في عينه أكبر من حجمها، ولا يستطيع أن يوازن بينها وبين الآخرة، أما المؤمن الصابر الراضي.. فإنه يعلم طبيعة الحياة الدنيا، ويعلم أنها دار عناء وتمحيص وابتلاء، وأن الابتلاء حلقات تتوالى تتراً دون انقطاع، يخرج من حلقة ليدخل أخرى... وثمَّ فرق ثان بين الساخط من الابتلاء والراضي به، هذا الفرق هو الإيمان، فالأول ضعيف الإيمان، وكأنه أبرم عقداً مع ربه ألا يتعرض لمحنة أبداً، أما الراضي فهو مؤمن بالقدر خيره وشره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ومن ثمّ فإن المؤمن تهون عليه مصيبته؛ لأنه دائماً لا يعطي الدنيا أكثر مما تستحق، ويتطلع إلى تحقيق التقوى، ليسعد في الدنيا والآخرة