بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي غمر العباد بلطائفه، وعمر قلوبهم بأنوار الدين ووظائفه التي تنزل عن عرش الجلال إلى السماء الدنيا من درجات الرحمة إحدى عواطفه فارق الملوك مع التفرد بالجلال والكبرياء بترغيب الخلق في السؤال والدعاء فقال: هل من داع فأستجيب له وهل من مستغفر فأغفر له؟ وباين السلاطين بفتح الباب، ورفع الحجاب فرخص للعباد في المناجاة بالصلوات كيفما تقلبت بهم الحالات في الجماعات والخلوات ولم يقتصر على الرخصة بل تلطف بالترغيب والدعوة وغيره من ضعفاء الملوك لا يسمح بالخلوة إلا بعد تقديم الهدية والرشوة فسبحانه ما أعظم شأنه وأقوى سلطانه، وأتم لطفه، وأعم إحسانه؛ والصلاة على محمد نبيه المصطفى ووليه المجتبى وعلى آله وأصحابه مفاتيح الهدى ومصابيح الدجى وسلم تسليماً. أما بعد: فإن الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، ورأس القربات، وغرة الطاعات؛ هكذا قال حجة الاسلام الامام الغزالي رحمه الله
وفي كتاب للامام الذهبي رحمه الله قال روى البيهقي بإسناده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله تعالى في الإسلام؟ قال الصلاة لوقتها ومن ترك الصلاة فلا دين له والصلاة عماد الدين
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لقي الله وهو مضيع للصلاة لم يعبأ الله بشيء من حسناته أي ما يفعل وما يصنع بحسناته إذا كان مضيعاً للصلاة " وقال عليه السلام بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة
فصل في المحافظة على الصلوات والتهاون بها:
وقد ورد في الحديث: " إن من حافظ على الصلوات المكتوبة أكرمه الله تعالى بخمس كرامات يرفع عنه ضيق العيش وعذاب القبر ويعطيه كتابه بيمينه ويمر على الصراط كالبرق الخاطف ويدخل الجنة بغير حساب " .
ومن تهاون بها عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة خمس في الدنيا وثلاث عند الموت وثلاث في القبر وثلاث عند خروجه من القبر فأما اللاتي في الدنيا فالأولى ينزع البركة من عمره والثانية يمحي سيماء الصالحين من وجهه والثالثة كل عمل يعمله لا يأجره الله عليه والرابعة لا يرفع له دعاء إلى السماء والخامسة ليس له حظ في دعاء الصالحين وأما اللاتي تصيبه عند الموت فإنه يموت ذليلاً والثانية يموت جائعاً والثالثة يموت عطشاناً ولو سقي بحار الدنيا ما روي من عطشه
وأما اللاتي تصيبه في قبره فالأولى يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه والثانية يوقد عليه القبر ناراً يتقلب على الجمر ليلاً ونهاراً والثالثة يسلط عليه في قبره ثعبان اسمه الشجاع الأقرع عيناه من نار وأظفاره من حديد طول كل ظفر مسيرة يوم يكلم الميت فيقول أنا الشجاع الأقرع وصوته مثل الرعد القاصف يقول أمرني ربي أن أضربك على تضييع صلاة الصبح إلى طلوع الشمس وأضربك على تضييع صلاة الظهر إلى العصر وأضربك على تضييع صلاة العصر إلى المغرب وأضربك على تضييع صلاة المغرب إلى العشاء وأضربك على تضييع صلاة العشاء إلى الصبح. فكلما ضربه ضربة يغوص في الأرض سبعين ذراعاً فلا يزال في الأرض معذباً إلى يوم القيامة.
وأما اللاتي تصيبه عند خروجه من قبره في موقف القيامة فشدة الحساب وسخط الرب ودخول النار وفي رواية فإنه يأتي يوم القيامة وعلى وجهه ثلاثة أسطر مكتوبات السطر الأول: يا مضيع حق الله السطر الثاني: يا مخصوصاً بغضب الله السطر الثالث: كما ضيعت في الدنيا حق الله فآيس اليوم من رحمة الله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا كان يوم القيامة يؤتى بالرجل فيوقف بين يدي الله عز وجل فيأمر به إلى النار فيقول يا رب لماذا فيقول الله تعالى: لتأخير الصلاة عن أوقاتها وحلفك بي كاذباً.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوماً لأصحابه: اللهم لا تدع فينا شقياً ولا محروماً ثم قال صلى الله عليه وسلم: أتدرون من الشقي المحروم قالوا: من هو يا رسول الله قال: " تارك الصلاة " . وروي أنه أول من يسود يوم القيامة وجوه تاركي الصلاة وإن في جهنم واديا يقال له " الملحم " فيه حيات كل حية ثخن رقبة البعير طولها مسيرة شهر تلسع تارك الصلاة فيغلي سمها في جسمه سبعين سنة ثم يتهرى
عقوبة ترك الصلاة
قال الله تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها وقال سعيد بن المسيب إمام التابعين رحمه الله هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ولا يصلي العصر إلى المغرب ولا يصلي المغرب الى العشاء ولا يصلي العشاء الى الفجر ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس فمن مات وهو مصر على هذه الحالة ولم يتب وعده الله بغي وهو واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه وقال الله تعالى في آية أخرى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون أي غافلون عنها متهاونون بها
وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سألت رسول الله عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال هو تأخير الوقت أي تأخير الصلاة عن وقتها سماهم مصلين لكنهم لما تهاونوا وأخروها عن وقتها وعدهم بويل وهو شدة العذاب وقيل هو واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره وهو مسكن من يتهاون بالصلاة ويؤخرها عن وقتها إلا أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فرط
وقال الله تعالى في آية أخرى يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون قال المفسرون المراد بذكر الله في هذه الآية الصلوات الخمس فمن اشتغل بماله في بيعه وشرائه ومعيشته وضيعته وأولاده عن الصلاة في وقتها كان من الخاسرين وهكذا قال النبي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن نقصت فقد خاب وخسر
وقال الله تعالى مخبرا عن أصحاب الجحيم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين وقال النبي العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر وقال قال النبي بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة حديثان صحيحان وفي صحيح البخاري أن رسول الله قال من فاتته صلاة العصر حبط عمله وفي السنن أن رسول الله قال من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله وقال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله متفق
حكاية
روي أن امرأة من بني إسرائيل جاءت إلى موسى عليه السلام فقالت: يا رسول الله إني أذنبت ذنباً عظيماً وقد تبت منه إلى الله تعالى فادع الله أن يغفر لي ذنبي ويتوب علي فقال لها موسى عليه السلام: وما ذنبك؟ قالت: يا نبي الله إني زنيت وولدت ولداً فقتلته فقال لها موسى عليه السلام: اخرجي يا فاجرة لا تنزل نار من السماء فتحرقنا بشؤمك فخرجت من عنده منكسرة القلب فنزل جبريل عليه السلام وقال يا موسى الرب تعالى يقول لك لم رددت التائبة يا موسى أما وجدت شراً منها قال موسى: يا جبريل ومن هو شر منها؟ قال: تارك الصلاة عامداً متعمداً.
حكاية أخرى
عن بعض السلف أنه أتى أختاً له ماتت فسقط كيس منه فيه مال في قبرها فلم يشعر به أحد حتى انصرف عن قبرها ثم ذكره فرجع إلى قبرها فنبشه بعدما انصرف الناس فوجد القبر يشعل عليها ناراً فرد التراب عليها ورجع إلى أمه باكياً حزيناً فقال: يا أماه أخبريني عن أختي وما كانت تعمل قالت وما سؤالك عنها قال: يا أمي رأيت قبرها يشتعل عليها ناراً قال: فبكت وقالت: يا ولدي كانت أختك تتهاون بالصلاة وتؤخرها عن وقتها. فهذا حال من يؤخر الصلاة عن وقتها فكيف حال من لا يصلي فنسأل الله تعالى أن يعيننا على المحافظة عليها في أوقاتها إنه جواد كريم.