بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأعزاء الكرام :
خربشات فوق الجدران
بين الحياة والموت دماغ يعمل وقلب ينبض ودماء حارة تسري في أنحاء سجن الجسد لكن في معنى الحياة بعمقها ومفاهيمها وأهدافها قد يكون نبض الحياة موت يتجدد في كل لحظة ينبض فيها القلب والموت هو ميلاد الحياة بمفهومها الأعمق والأشمل.
أحتاج لملف أخربش فيه مجرد خربشات دون إعداد ولا تصنيف ولا قواعد تحكمه .. تماماً مثل خربشات طفل صغير طائش فوق جدار.
خربشات قد لا يكون لها معنى ولا مغزى لكن الطفل بداخلي يبحث عن جدار لخربشاته بحرية وتلقائية.. أحتاجها لأنها مجرد تعبير عن جراح في النفس رسمها الزمن على شكل خدوش على زجاج العمر الذي يترك فيه كل جرح أثر لا يزول وقد تكون بعض الخدوش عميقة الأثر فيُشعَر الزجاج، يمتد ويتشعب حتى ينفرط عقده وينهار العمر ونستحيل لأحياء أموات.. أحياء لأننا ما زلنا نتنفس وأموات لأننا لا نشعر بمعاني الحياة ولا تنبض أرواحنا الأسيرة مع نبض مضخة القلب الذي يستحيل في كثير من الأحياء الأموات مجرد آلة لم تتوقف عن العمل بعد..
حين تكون وتيرة الإنسانية عالية فينا ليس ما كل يجرحنا بالضرورة يختص بنا ولا كل ما نعانيه يختص بالذات الفردية فينا والأنا، فكل ذات تعاني في عرف الإنسانية أنا وكل دمعة نشهدها ونتأثر لها خدش على زجاج أعمارنا وكل شمعة تنطفئ وإنسانية تنهار أمامنا ينهار معها جزء من كينونتنا وكل شر يكبر ويطغي ويقهقه ممزقاً إنسانية الإنسان والخير يتحكم فيها الشر ويستعبدها يترك في نفوسنا أثر لا يمحى .
ماذا يعني أن أعيش وماذا يعني أن أموت وماذا يعني ألا أعيش ولا أموت؟
قطرة ماء أنا.. مجرد قطرة ماء....بين مليارات البشر والأزمنة .. لمحة في كوكب بين مليارات الكواكب والمجرّات وما خلق الله فيها مما نعلم وما لا نعلم..
ما قيمة وجودي من عدمه.. ماذا يساوي ألمي ودموعي وماذا تعني جراحي ووجودي الذي لا يبقى منه غير صوت ضعيف يتشابك مع عدد هائل من الأصوات عند الغلاف الجوي للأرض ليكون بين ما يكون شاهد علينا جميعاً يوم الحساب ؟! وهل الشر إلا ذاتية متبلدة بأناها المصابة بداء التضخم يسكنها فيروس مقاوم لأنت وهو وهم وللإنسانية والضمير ؟
هل يعرف الشر أنه أيضاً قطرة ماء آسنة وأنه لا يشكل شيئاً في كل هذا الكون وأنه أقل من ذرة غبار في عمر الزمن وزائل بكل شروره وآثامه وخطاياه ومجرد جسد بشري مظلم الروح يوم تتوقف مضخته لن يكون أكثر من وليمة لحشرات الأرض وديدانها ؟
منذ أدركت الوعي وشاهدت الظلم والجور وأنا في حيرة من أمري، كيف يفكر الأشرار ومن أين يستمدون القدرة على ممارسة الشر وكيف يحسبون أعمارهم؟!
سنوات طويلة وأنا أحاول تحليل وفهم كيف يغفو الخائن ويتنفس وبأي وهم يبرر لنفسه خياناته؟!
كيف يُطعَم من مال كان ثمناً لدماء بريئة زكية من بني جلدته سالت بلا ذنب ولا جريرة وكيف يتمكن من مضغ وابتلاع لقيمات مغموسة بدماء الأبرياء؟!
كيف يمكن لإنسان أن يبيع وطنه وكرامته مقابل حفنة من المال، كيف يبيع أجداده وآباءه و يسلب أبناءه وطنهم ليصبح قبل غيره بلا جذور ولا امتداد.. بلا انتماء؟!
أي مال ومناصب حين يكرهه الهواء الذي يتنفسه والأرض التي يسير عليها ويلعنه ويشمئز منه كل ما في الكون وأين سيهرب من الحفرة التي سيفنى بها ومن جحيم بحر الظلمات الذي سيبتلع روحه الآثمة؟!
عصر التجارة والدعارة.. تجارة الأوطان ودعارة حكمة الخيانة وحضارة الخيانة وفلسفة الخيانة وبزنس الخيانة وكراسيها ومناصبها ...
ماذا تبقى لنا في هذا الزمن غير جدران نترك فوقها خربشات ؟!
هل أضحك أحياناً وأقهقه ؟ حتى في خربشاتي :
لا تحسبوا رقصي بينكم فرحاً...فالطير يرقص مذبوحاً من الألم
دمتم برعاية الله