بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وبعد السلام عليكم ورحمة الله احبتي في الله هذا الباب في مناقب الصالحين اعلموا أن كرامات الأولياء لا تنكر ومناقبهم أكثر من أن تحصر، نسأل الله تعالى أن يحشرنا معهم في زمرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم المحشر إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


قال مالك بن دينار رحمه الله تعالى: احتبس عنا المطر بالبصرة فخرجنا نستسقي مراراً، فلم نر للإجابة أثراً، فخرجت أنا وعطاء السلمي، وثابت البناني، ويحيى البكاء، ومحمد بن واسع، وأبو محمد السختياني، وحبيب الفارسي، وحسان بن ثابت بن أبي سنان، وعتبة الغلام، وصالح المزني، حتى إذا صرنا إلى المصلى بالبصرة خرج الصبيان من المكاتب، ثم استسقينا، فلم نر للإجابة أثراً حتى انتصف النهار وانصرف الناس وبقيت أنا وثابت البناني بالمصلى،


فلما أظلم الليل إذا أنا بعبد أسود مليح رقيق الساقين عليه جبة صوف قومت ما عليه بدرهمين، فجاء بماء فتوضأ، ثم جاء إلى المحراب، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: إلهي وسيدي ومولاي إلى كم ترد عبادك فيما لا ينفعك، أنفذ ما عندك أم نقص ما في خزائنك، أقسمت عليك بحبك لي إلا ما أسقيتنا غيثك الساعة. قال: فما تم كلامه حتى تغيمت السماء وجاءت بمطر كأفواه القرب.


قال مالك: فتعرضت له، وقلت له: يا أسود أما تستحي مما قلت؟ قال: وما قلت؟ قلت قولك: بحبك لي وما يدريك أنه يحبك؟ قال: تنح عني يا من اشتغل عنه بنفسه، أفتراه بدأني بذلك إلا لمحبته إياي؟ ثم قال: محبته لي على قدره، ومحبتي له على قدري، فقلت له: يرحمك الله ارفق قليلاً، فقال: إني مملوك وعلي فرض من طاعة مالكي الصغير، قال: فانصرف وجعلنا نقفو أثره على البعد حتى دخل دار نخاس، فلما أصبحنا أتينا النخاس، فقلت يرحمك الله، أعندك غلام تبيعه منا للخدمة؟ قال: نعم عندي مائة غلام للبيع،


فجعل يعرض علينا غلاماً بعد غلام حتى عرض علينا سبعين غلاماً، فلم ألق حبيبي فيهم، فقال عودا إلي في غير هذا الوقت، فلما أردنا الخروج من عنده دخلنا حجرة خربة خلف داره، وإذا بالأسود قائم يصلي، فقلت: حبيبي ورب الكعبة، فجئت إلى النخاس، فقلت له: يعني هذا الغلام، فقال: يا أبا يحيى هذا الغلام ليست له همة في الليل إلا البكاء، وفي النهار إلا الخلوة والوحدة، فقلت له: لا بد من أخذه منك ولك الثمن، وما عليك منه، فدعاه، فجاء وهو يتناعس، فقال: خذه بما شئت بعد أن تبرئني من عيوبه كلها، فاشتريته منه بعشرين ديناراً،


وقلت له: ما اسمك؟ قال: ميمون، فأخذت بيده أريد المنزل، فالتفت إلي وقال: يا مولاي الصغير لماذا اشتريتني وأنا لا أصلح لخدمة المخلوقين. فقلت له: والله يا سيدي إنما اشتريتك لأخدمك بنفسي، قال: ولم ذلك؟ فقلت: ألست صاحبنا البارحة بالمصلى. قال: بلى، وقد أطلعت على ذلك، قلت: نعم، وأنا الذي عارضتك البارحة في الكلام بالمصلى؟ قال: فجعل يمشي حتى أتى إلى مسجد، فاستأذنني ودخل المسجد، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم رفع طرفه إلى السماء، وقال: إلهي وسيدي ومولاي، سر كان بيني وبينك أطلعت عليه غيرك، فكيف يطيب الآن عيشي. أقسمت عليك بك إلا ما قبضتني إليك الساعة، ثم سجد، فانتظرته ساعة، فلم يرفع رأسه، فجئت إليه وحركته، فإذا هو قد مات رحمة الله تعالى عليه،


قال: فمددت يديه ورجليه، فإذا هو ضاحك مستبشر، وقد غلب البياض على السواد ووجهه كالقمر ليلة البدر، وإذا شاب قد دخل من الباب، وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعظم الله أجورنا وأجوركم في أخينا ميمون، هاكم الكفن، فناولني ثوبين ما رأيت مثلهما قط، فغلسناه وكفناه فيهما ودفناه. قال مالك بن دينار: فبقبره نستسقي إلى الآن، ونطلب الحوائج من الله تعالى رحمة الله عليه.