منتديات الفرات




يحرص تنظيم «القاعدة» دائماً على إعلان موقف نظري وعقدي مضاد لنظام الثورة الإيرانية الإسلامية، وهوما يبدوانه مناقض لمواقف حركات الإسلام السياسي و«المقاومات» السنية التي وازنت بين خطابها النظري وممارستها العملية المتحالفة بقوة مع هذا النظام. لكنْ، ثمة تناقض بنيوي بين خطاب «القاعدة» وممارساتها، اذ إنها لم تستهدف المصالح الإيرانية مطلقاً، على رغم نحيبها الدائم على أوضاع السنة في إيران، أوإيحائها برفض مشروع التمدد الإيراني في العراق أوالخليج أوغيرهما.

ثمة في ذلك ما يوحي بتوافق ضمني وغير معلن، في ظل الضغوط الأميركية والدولية، على تسليم إيران قوائم لعناصر «القاعدة» على أراضيها، وهوما ترفض إيران تلبيته، أوحتى الإجابة على تساؤلات أميركية حول معسكر تدريب لـ «القاعدة» في محافظة خراسان بالقرب من الحدود الأفغانية، يضم 1500 مقاتل، يشرف على تدريبهم مسؤولون كبار في «القاعدة» والحرس الثوري، أوشبهات مماثلة بوجود معسكر في محافظة كرمنشاه أوغيرها يشرف عليه عناصر من «أنصار الإسلام».

يمكن رصد بداية علاقة غامضة بين طهران و«القاعدة» عامي 1992 - 1993، من خلال اجتماعات ضمت مسؤولين في «القاعدة» وضباطاً في الحرس الثوري الإيراني، تم الاتفاق خلالها على تدريب بعض عناصر التنظيم. لكن هذه المعلومات أضعفتها في حينها مقابلة أجراها أيمن الظواهري مع نشرة «الأنصار» في عددها الحادي والتسعين، (عام 1994)، ألح فيها على نفي هذه العلاقة، التي يراها «من باب الافتراء المحض... لنا موقف واضح من إيران، وهوالموقف الذي يبنى على الحقائق العقائدية والعلمية»، نافياً أي تحالف مع الحكومة الإيرانية، ويورد في سبيل ذلك عدداً من الأمثلة منها: مساندتها الحكومة السورية أثناء حربها على الإخوان المسلمين أوائل الثمانينات، ومساندتها الأحزاب الشيعية فقط أثناء فترة الجهاد الأفغاني، وعدم إدانة ترحيل باكستان المجاهدين العرب من أراضيها، وعدم تقديمها أية مساعدة للحركات الجهادية في مصر أوالجزائر.

ويتكئ الظواهري في حواره هذا على مبدأ تبادل المصلحة وليس الموقف العقدي والمذهبي، الذي يتم استدعاؤه فقط في مضمار التجنيد والتعبئة من قبله، وليس في مضمار الحرب، حيث أمكن التقاء المصالح.

هذه الإمكانية التي أشار إليها الظواهري نفسه في رسالته الى ابي مصعب الزرقاوي في تشرين الأول (اكتوبر) 2005 حين قال للأخير إن «الصدام مع الايرانيين يرفع العبء عن الأميركيين»، ويضر بالمصالح المتبادلة حيث تؤوي إيران حوالى مئة من عناصر «القاعدة» على أراضيها، وقد طرح الظواهري في رسالته تلك على الزرقاوي السؤال الآتي: «هل تناسى الإخوة أن كلاً منا في حاجة إلى أن يكف أذاه عن الآخر في هذا الوقت الذي يستهدفنا فيه الأميركيون؟».

وهذا الأمر نفسه تكشفه شهادة سيف العدل، الذي أقام في إيران حتى أوائل شهر آذار (مارس) من هذا العام 2010، في شهادته التي كتبها عام 2005 عن الزرقاوي بناء على طلب موقع سلفي جهادي. فعن دور إيران الداعم لعناصر «القاعدة» يقول سيف العدل: «طريق الإخوة الآمن كان قد أصبح من طريق إيران، بعد أن بدأت السلطات الباكستانية بالتشديد علينا وعلى حركتنا». ويقول سيف العدل في الشهادة نفسها: بدأنا بالتوافد تباعاً إلى إيران، وكان الإخوة في جزيرة العرب والكويت والإمارات، من الذين كانوا خارج أفغانستان قد سبقونا إلى هناك، وكان بحوزتهم مبالغ جيدة ووفيرة من المال، شكلنا حلقة قيادة مركزية وحلقات فرعية، وبدأنا باستئجار الشقق لإسكان الإخوة وبعض عائلاتهم».

وأخطر ما تكشفه شهادة سيف العدل المذكورة هي تأكيده على دور إيراني رئيس وداعم في نشوء وصعود الظاهرة الزرقاوية منذ بدايتها، في معسكر مدينة هيرات منتصف التسعينات. وهيرات هي اقرب مدينه أفغانية إلى الحدود الإيرانية، وكانت استراتيجية سيف العدل حينئذ، تتمثل بحسب تعبيره في «إنشاء محطتين في طهران ومشهد في إيران من أجل تسهيل عملية عبور الإخوة دخولاً وخروجاً، من وإلى أفغانستان، وكان الهدف من وراء هذا الطرح كله، هوالتواصل مع منطقة مهمة من مناطق العالم العربي والإسلامي».

وقد تقوم حكومة النظام الإيراني ببعض الاستجابات الطفيفة للضغوط الدولية عليها بإعلان اعتقال أوتسليم معتقل منتسب للقاعدة الى بلده، أوالتأكيد على وجود منتسبين للقاعدة لديها، من دون أن تعطي أحداً سلطة تسلمهم أوان تقدم التزاماً بتسليمهم، فضلاً عن المساعدات التي تقدم لفرع «القاعدة» في اليمن، الذي تحول الى تنظيم «القاعدة في الجزيرة العربية»، بحسب ما صرح محمد العوفي القائد الميداني لتنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب، بعد فراره من اليمن وتسليمه نفسه للسلطات السعودية في 27 آذار عام 2009، اذ قال ان ثمة تنسيقاً بين «القاعدة» وبين الجماعات الحوثية، وتبادل مصالح وخدمات.

ثمة تباين بين مواقف التنظيمات الفرعية للقاعدة وبين مواقف التنظيم الأم من النظام الإيراني، أوتبادل أدوار، من قبيل بيان تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، الذي أطلق تهديداً للحكومة الإيرانية في حال تعرضها لأسرة أسامه بن لادن في 21 آذار الماضي، وهوما لم يشر إليه أي قيادي في التنظيم الأم، إضافة الى التناقض بين مواقف «القاعدة» في العراق ومواقف التنظيم الأم من الشيعة وإيران. كما يتنوع خطاب «القاعدة» حين يكون توجيهاً حركياً يؤكد على التحالف والمصلحة أوتعبئة أيديولوجية تؤكد على مبادئ