بروسترويكا عراقية... ولكن كروية!!
بقلم الدكتور كاظم العبادي
-------------------------
افضل تشبيه يمكن اطلاقه على ما يجري حاليا في الوطن العربي الذي كثيرا ما شبه بالزلزال هو ما حدث في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي في دول المعسكر الاشتراكي التي حدث فيها ما يشبه الزلزال فعلا وذلك بعد ان نجحت عملية الاصلاح والتغيير التي قادها الرئيس الروسي الاسبق غورباتشوف في العام (1986) بما سمي بالبروسترويكا والغلاسنوست التي كانت تهدف الى الاصلاح في النظام الشيوعي الشمولي القائم في ذلك الوقت على افكار ماركس ولينين والتي ادت في النهاية الى انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية في اوربا والتي غيرت مجرى الحياة في تلك البلدان التي رزحت لاكثر من نصف قرن تحت مفاهيم وقوانين واجراءات الماركسية اللينينية لذلك استطيع ان اقول ان ما جرى في مصر وتونس وما يجري حاليا في ليبيا هو عبارة عن بروسترويكا عربية بالرغم من انها جاءت متاخرة.
هذا المقدمة تقودني الى الاشارة الى ما اكدته سابقا وفي اكثر من مقالة حول ضرورة السعي الى اجراء اصلاح جذري لواقع الكرة العراقية بعد تأخرت عمليات الاصلاح اكثر من اللازم وكان بودي ان اقول انه لم تكن اية عمليات اصلاح بالمرة لولا الدعوات التي كانت تظهر بين الحين والاخر والتي تنادي الى التطوير وتدعو الى التغيير في احيان كثيرة ورغم ان اكثر هذه الدعوات لم تكن اصيلة في افكارها او صادقه في نواياها الا انها على اية حال كانت مؤشرا على ضرورة التغيير وعلى ان ثمة خلل لابد من معالجته خاصة بعد ان تمت الاشارة الى الوضع المزري والمتخلف الذي وصل اليه مستوى الكرة العراقية والتي اعتمدت على افكار وبرامج وسياسات بدائية واحيانا غواغائية اذا صح التعبير فماذا يمكن ان تسمي مثل هذه العشوائيات التي كانت تدار بها الكرة العراقية بغير هذا الوصف... والمزعج في الامر ان بغداد كانت ولا تزال مستمرة في تنفيذها رغم التغييرات التي حصلت في العراق بعد العام (2003)... وكأن القائمين على شؤون الكرة في العراق مصرين على ابقاء الوضع كما هو ام تراهم ظلوا مبرمجين ومسيرين على نفس البرنامج الذي وضع لهم في العصور المظلمة.
ان العراق بحاجة الى اصلاح شامل وحاسم وسريع للتخلص من الافكار العقيمة البائسة والنظريات الضعيفة الفاشلة التي لم تعد تناسب هذا العصر بقدراته وتقنياته العلمية المتطورة... العراق بحاجة الى انقلاب كروي وزلزال يهز صروح التخلف والمتخلفين والفساد والمفسدين ويقضي بالنهاية على كل من بقي من شيوخ العصر الجاهلي الذين لنقضي بذلك والى الابد على الوجوه الكالحة البائسة التي لم يعد بامكانها تحقيق اي انجاز يضمن الصعود بـ العراق الى المستويات العالمية والتطور على اسس سليمة.
البروسترويكا الكروية في العراق اصبحت مطلبا مهما ومهما جداً من قبل الجمهور العراقي وعشاق الكرة العراقية... الذين ملوا وضجروا من الافكار العقيمة والنفسيات المريضة التي اتعبتهم لعقود طويلة وقد حان الوقت لطلب التغيير والاصلاح لذلك لم يعد الصمت ممكناً امام الافكار الضعيفة والعقلية القديمة العقيمة التي فشلت في تطوير وبناء الكرة العراقية... الكرة العراقية بحاجة الى عهد جديد من التطور والوصول الى ما تستحق بدلاً من تهميشها في بطولات ضعيفة لا تغني ولا تسمن ولا تحقق سوى افراح لا تدوم اكثر من اربعة وعشرين ساعة اوتهميش نجومها وخداعهم بهذه الانتصارات الزائفة... سؤال يطرح باستمرار... اين العراق من المستويات العالمية؟ بلد يمتلك كنوزا هائلة من الطاقات والامكانيات البشرية وذخيرة كبيرة من النجوم لماذا لا يكون في مصاف الدول المتقدمة رياضيا ولماذا بدأنا بالتراجع الا نشعر بالخجل او على الاقل الا نشعر بالغيرة من وصول دول ومنتخبات لم يكن احد يسمع او حتى ان يفكر في صعودها الى اي مستوى كان لماذا تراجعنا وبدأ الاضمحلال يسري في اوصال منتخباتنا اين العيب واين الخلل واين هي المشكلة؟ والى متى سيستمر هذا الصمت ولماذا يسكت الجميع؟ ان كرة القدم في العراق شيء غير طبيعي ولا اظن ان احدا يمكن ان يجادلني في ان ولع العراقيين بكرة القدم ربما لا يقل عن ولع وشغف البرازيليين بهذه اللعبة الاثيرة وهي مدللة عشاق الكرة في العراق ولؤلؤة الالعاب الرياضية التي لا يكف الكثيرون عن ممارستها ولا يمل الجميع من متابعتها وتتبع اخبارها اولا باول . اذا كان العهد الماضي قد فشل في بناء كرة قدم عراقية رصينة واذا كانت الانظمة السابقة مشغولة بثوراتها وانقلاباتها وخلافاتها ولم تلتفت الى وضع رؤية ناجحة وطموحة للمستقبل فلماذا يتلكأ الجميع الان في تحقيق بعض هذه الطموحات خاصة بعد ان تحقق شيء من التغيير بعد زلزال 2003.
لا اعتقد ان الجمهور العراقي سيبقى ساكتا ولن يقبل ابدا باي فرصة لاستمرار التخلف او العودة الى الماضي او البقاء في داخل النفق ولن يرضى ايضا على الاخفاقات والخسارات المتكررة ولن يقبل بالقرارات العشوائية وغير العلمية وسيرفض عدم وجود العراق بين كبار العالم... ومن حق هذا الجمهور الوفي الامين ان لايبقى ساكتا كما ان من حقه ان يستمتع ويزهو ويفتخر بتقدم وتطوروازدهار الكرة العراقية.
لقد نفد صبر الجمهور العراقي ولن يبقى ساكتا على الواقع المتخلف للكرة العراقية.
الكرة العراقية بحاجة الى بروسترويكا جديدة وحاسمة وليس بالضرورة ان تكون عراقية مائة بالمائة او ان تكون مستنسخة عن تجارب اخرى مائة بالمائة ولكن بالامكان الابقاء والاحتفاظ بطعم ونكهة التجربة العراقية مع الاخذ وبشكل علمي مدروس من تجارب الاخرين الناجحة والكرة العراقية بحاجة الى البدء من نقطة الصفر وطي صفحة الماضي والمباشرة بتنفيذ برامج وافكار عالمية وعلمية... البداية تاتي من خلال تغيير شكل اللجنة العمومية لاتحاد الكرة العراقي واتحاد كرة القدم وضمان وصول اسماء امينة ومحترفة لها باع طويل في مجال الكرة وتمتلك العقلية الفكرية والادارة والقدرة على التطوير وبناء الكرة العراقية باساليب حضارية مقتبسة من نماذج عالمية ناجحة... بعيداً عن المطامع والمنافع الشخصية وعلى ان يكون هدفهم الاول والاخير هو بناء عراق الغد – الجديد الكروي باسلوب عالمي مختلف جذرياً وكلياً عن اساليب الماضي... من المفروض ان يفتح اتحاد كرة القدم العراقي الابواب امام الافراد والافكار والمنطق الذي ينتقل بـ العراق الى تصنيف متقدم بين الامم المتقدمة في مجال اللعبة.
العراق بحاجة في السنوات العشر القادمة الى الاهتمام ببناء القاعدة وارساء الاسس السليمة والتخلي عن اسلوب المماطلة والتسويف وبعيداً عن التزييف او التعالي والتكبر على الاشخاص وبرامج القادرة على تطوير موهبة اللاعب العراقي في عمر مبكر وايصاله الى افضل مستوى ممكن... هذا الامر يبدأ ببناء مدارس او اكاديميات عراقية تعتمد على نماذج عالمية من خلال الشراكة مع اندية اوروبية تضع لها البرامج والاهداف التي من المهم اتباعها وتحقيها والعمل على اهداف حقيقية منها السعي الى وصول اللاعب العراقي في عمر مبكر للاحتراف في اوروبا وهي احدى الادلة التي تحدد نجاح هذه المدارس... والاتعاظ من التجربة الفاشلة التي بدأت منذ عام (1975) في تشكيل منتخبات الفئات العمرية... للاسف الشديد عقلية الماضي كانت مهتمة في تحقيق البطولات ولم يكن يعنيها ابداً تطوير المواهب العراقية ووصولها الى احتراف حقيقي ولائق في الغرب..ولم تسعى الى ايجاد مدارس كروية لها شان عالمي رغم وجود بعض التجارب التي لم تقيم ولم تطور ولم تصل بـ اللاعب العراقي الى كبار الاندية العالمية منها مدرسة عمو بابا التي كتب عنها الكثير لكن تبقى برامجها غير واضحة وغير مرتبطة مع برامج عالمية ولم نسمع انها اوصلت احد ابنائها الى العالمية ولم نسمع عن حضور اندية عالمية للتعاقد مع احد نجومها ولا نعرف ما هي اهدافها... للاسف الشديد تجربة مثل هذه جيدة لكن ان لم يتم الحساب للامور اعلاه فان التجربة ستفشل وتصبح مضيعة للجهود... بناء اجيال العراق لابد ان يتم باحترافية عالمية لضمان تطوير قابليات اجيال الكرة العراقية الى افضل ما يمكن تحقيقه.
الاصلاح الكروي لابد ان يشمل جميع المنتخبات العراقية وان تكون وراء عملية الاصلاح هذه عقلية جديدة قادرة على البناء والاحتكاك وتشخيص الاهداف الواضحة وتسليمها بيد قيادات تدريبية عالمية لها سمعتها وتاريخها المعروف وانجازاتها المشرفة ... والنظر الى المستقبل والبطولات الكبيرة فقط والسعي الى تطوير القابليات من خلال تقييم علمي مستمر.
التغيير يجب ان يشمل الاندية والدوري والملاعب والمدربين والتحكيم وذلك بالسعي الى بناء الاندية الكروية على اساس قوي وايجاد صيغة متطورة لدوري كبير والبدء في بناء ملاعب كروية بنوعية عالمية وتاهيل جيل جديد من المدربين والحكام... الكرة العراقية بحاجة الى بروسترويكا لان ما يجري لا يسر ولا يفرح ولن ينقل او يطور العراق الى ما يطمح له جمهور الكرة العراقية الذي يتفجر غضباً بعد كل اخفاق للكرة العراقية ويزعل ويتألم حين لا يرى منتخبه في بطولة كأس العالم اوعلى الاقل لا يرى ايا من نجومه في قائمة المحترفين العالميين وضمن الاندية العالمية الكبيرة.
الغلاسنوست - كلمة روسية تعني الشفافية
طرح الزعيم الروسي غورباتشوف في سنة 1986 مبدأ الغلاسنوست، للتخلص من تراكماتالماضي وإعادة بناء الاتحاد السوفيتي السابق كدولة حديثة، والغلاسنوست: هوتفعيل الديموقراطية بالمصارحة والمكاشفة والشفافية والمقاربة بالفهم من دونتغطية وفبركة وإطناب .
البروسترويكا - كلمة روسية تعني الاصلاح
وهي سياسة اقتصادية استلهمت افكارها وقواعدها من الرأسمالية الغربية تهدف الى اصلاح اقتصادي شامل لمواجهة البطالة والركود وندرة السلع الاستهلاكية
*** ملاحظة: هذا المقال جزء من اصدار الدكتور كاظم العبادي وعنوانه "لم يعد الصمت ممكناً" ارهاصات الكرة العراقية عام (2010) وكأس آسيا والذي سيصدر قريباً.