الشــاعر العـــراقي عبد الصاحب عبيد الحلي
(( ثقـــافة شعــــــــرية ))
الكثير من متذوقي الشعر الشعبي يعرفون ويتذكرون شاعر الفيحاء عبد الصاحب عبيد الحلي وهو من مواليد 1914 في محلة جبران بالحلة هذا الشاعر الذي تدفق كالسيل بين شعراء عصره فكان اشهرهم فهو علم بارز وقمة شامخة من قمم الادب الشعبي متفننا ذو اسلوب بديع لقد تاثر في بداية حياته الادبية بقراءة القصص الاسطورية امثال قصة ( عنتر وعبلة ) وابي زيد الهلالي . وقيس وليلى رغم انه تعلم القراءة والكتابة على يد الملالي والكتاتيب انذاك
وكان يتشبع بروح البطولات والشعر الحماسي العربي مما زاد في تثقيفه وقد شب شاعرنا الحلي على الروح الوطنية التي تتوق للفخر والحماس لغة تربيته الثورية فخاض غمار الحوارات السياسية والرجالية الاجتماعية واسهم في الكثير من الانتفاضات الشعبية من اجل حرية ورفعة واستقلال العراق ولمع اسمه كشاعر شاب شعبي له وزنه في انتفاضة عام 1953 في الرميثة وسوق الشيوخ التي امتدت الى الفرات انذاك فكان دائما الى جانب الانتفاضات الوطنية وقد ساهم في حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 واسهم الى جانب ابناء الشعب بكل طوائفهم في الوثبة عام 1948 والتي كانت اروع انتفاضة شعبية عرفها تاريخ العهد الملكي حيث الهب شاعرنا الحلي الجماهير بقصائده الحماسية
هاي شلون وثبة ويرن طاريها
واربعين السعد لاح السعد بيها
بزغ سعد العراق ابجبهه الاحرار
ونار الجسم منها تولدت انوار
ضبطهة الواهم وشلع ابعمره وطار
واحزاب الوطن كامت تصفيها
صفت لا عنصرية ولا اقليمية
حكم عادل نريدة ابكل معانيه
وحرية بحقوق الديمقراطية
وديمقراطية حرة بكل معانيها
ويستمر الشاعر الحلي بادانته للمعاهدة ويعبر عن سخطه مع ابناء شعبه مطالبين باسقاط وزارة صالح جبر والغاء المعاهدة حيث يواصل بقصيدته التي هجا بها صالح جبر قائلا
ردنا عون ويانه طلع فرعون
وعلى بيع العراق يساوم السكسون
اجه التخت الرياسة مثل مايكلون
اول شيخته شرم تراجيه
والى اخر القصيدة الطويلة وكذلك ساهم شاعرنا في عام 1956 حيث وقع العدوان الثلاثي على مصر وكذك ساهم في ثورة 14 تموز عام 1958 اسهاما عجيبا فشاعرنا لم يقتصر على كتابة القصيدة والابوذية والموال بل كتب حتى الاغنية في وقته
ومن قصائده اغنية سبتني الحلوة البنية التي غناها المطرب حسين نعمة واغنية ( حميد يا حميد ) واغنية عزيز الروح يا بعد عيني التي غناها ياس خضر وسبقته الراحلة زهور حسين في غنائها في خمسينات القرن الماضي وقد كتب الكثير من الاغاني والابوذيات والموالات لكثير من مطربي الريف
وعندما قرا قصيدته في احدى المناسبات ( نوري سعيد القندرة... صالح جبر قيطانه )
ارسل عليه نوري السعيد انذاك في مكتبه وقال له اسمعني القصيدة الان فاستخرج الشاعر وقال نوري سعيد شدة ورد وصالح جبر ريحانة
فقال له نوري السعيد لا القي القصيدة القديمة فالقاها عليه فضحك رئيس الوزراء نوري السعيد وحياه واكرمه
وقد اصبح مطلع قصيدته ((نوري سعيد)) مثلا يردده العراقيون كثيرا و اغلبهم لا يعرف من قالها و قد حوكم و حكم عليه بسببها ((نوري سعيد القندرة وصالح جبر قيطانها)).
للشاعر صاحب عبيد صوت رخيم لا يملكه الاخرون، صوت شجي بطبقة عالية فاستغل هذا الصوت الجميل لقراءه المراثي الحسينية ايام عاشوراء، وكان شباب الحلة و كهولها و نساؤها- خارج الحسينية- ينتظرون ما يؤدي صاحب عبيد من على المنبر الحسيني، لا لشيء، الا لكونها قصيده سياسية تعرض بالانظمة العميلة و الخائنة لشعبها،
وله قصيدته(( يا يوم )) التي القيت في حسينية ابن طاووس و هي اوسع حسينية في الحلة، بحضور مسؤولي المحافظة، صعد المنبر عام 1967 م بعد نكبه حزيران غير مكترث للامن و ازلامه ليقول
يا يوم نسمع مؤتمر قمتنه
يا يوم نتوحد ابجلمتنه
جم دوب نصبر جم دوب
عالضيم واحنه من الصبر ملينه
و سرعان ما اقتيد لدهاليز الامن المقبور، وفي حرب التحرير 1973 م التي سميت بحرب التحريك وقف شاعرنا ليردد قصيدته((ثوار)) في نفس الحسينية المذكورة
ثوار دوخنه الكره الارضيه
ثوار هاي اعلومنه مرويه
واليوكف ابخط النار
مو غيرنه ونفدي الوطن بدمانه
استغل الوطنيون و اليسار العراقي هذا الشاعر و الرادود انبل استغلال ، ووظف بشكل وطني و اسس موكب الشبيبة الديمقراطية، وكان شاعرنا احد مؤسسيها و شاعرها و رادودها، و كثيرا ما دخل الى معتقلات الانظمة الفاشية المتعاقبة بسبب قصائده الوطنية الحماسية.
عام 1967 م اسست جمعية الشعراء الشعبيين المركز العام/ بغداد و كان عبد الصاحب عبيد احد مؤسسيها و عنصرا ناشطا فيها، و بعد عام 1968 م التي جلبت النظام الفاشي المقبور فانسلخ عنها تماما و بقي يراقب عن كثب ما تدور به الساحة الشعرية الشعبية،
فشكل المركز العام لجمعية الشعراء الشعبيين بتاريخ 3 /9 / 1970 م وفدا برئاسة الشاعر البغدادي عيدان علي الجصاني سكرتير الجمعية و الشاعر ابو حامد حسن نصيف الكاظمي و اخرين لاقناع الشاعر عبد الصاحب عبيد بالعودة للجمعية و فتح مقر لها في بابل و فتح بقصيدة
للجصاني مطلعها
سجلكم ناصع و طيبة سجاياكم
يا شيوخ الشعر حي الله مسعاكم
و بأدب جم كما هي اخلاقه اجابهم بقصيده يعتذر فيها عن العدول عن رأيه مفضلا الانعزال عن الساحة الشعرية المشبوهة و يقول:
على ماكدن و مدن هله بيكم
مو عالعين فوك الراس اخليكم
***
ابو (( حامد)) ميرضه انصير ماشة نار
تجوينه وعلينه مانجد نغار
((يعيدان)) الابل متحملات انمار
لاتروه ولا نروه ونرويكم
***
ومن عزلته يراقب عسكرة القصيدة و انحرافها و ارتدائها الملابس الزيتونية فكتب قصيدة نشرت في مجلة المتفرج بعددها 385 الصادر في 26/ 10/ 1972 م يقول فيها:
بطلت من نظم الشعر
اكرهته و بعد ماريده
من كام يطلعلي الدهر
كل يوم بسته جديده
***
ستين عام امن العمر
بيمن يفكري هايم
ومنهو البعد يسوه البجه
وبعضك البعضك لايم
نامت طواغيت الادب
وهسه ((الشكنك)) كايم
و النثر يتسمه شعر
و اهل الزلوف اتعيده
***
و تململ عبد الصاحب عبيد في عزلته القاتلة و اعتبر نفسه ميتا فكتب قصيدة رثائيه له يشكر فيها المشيعين و المعزين و قائمي اربعينيته و اسماها
(( رثاء في حياتي )) يقول:
صار داعي الحك يكود زمامي
للخلود و بيها ضم اعظامي
***
و فيها
اذكروني فوك منبر ابو الضيم
من يمر عاشور و يدلهم الغيم
هاي دعوة ميت و الله الكريم
تنقبلي وتنجلي اوهامي
***
بقي ان اقول ان شاعرنا الكبير عبد الصاحب عبيد الحلي كتب مطلعاً لقصيدة قبيل وفاته بايام تمنى على شعراء الحلة الفيحاء كتابة قصائد رثائية على منوالها
من صدر السفينه انكسرت الدفه
يوم البيه كالو صاحب اتوفه
وهذا شئ بسيط عن حياة الشاعر الشعبي عبد الصاحب عبيد الحلي لما قدمه من مواقف وطنية مطرزة بالشعر والابداع
رحم الله شاعرنا الكبير عبد الصاحب عبيد الحلي و اسكنه فسيح جناته.