يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله "إن لقتل ولدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن ببرد أبداً" وقوله "حسين مني وأنا من حسين" إلى كثير من أمثال ذلك. والمتتبع لحركة التاريخ الحسيني على صعيديه الفكري والشعائري أو قل العقلي والعاطفي يجد انسجاماً رائعاً بينه كواقع معاش وبين تلك التصريحات القولية المؤكدة والرشحات النبوية المباركة.
ولعلنا نلحظ هذا المعنى مجسداً حركياً من خلال النظر إلى الأمواج البشرية الهائلة التي وفدت على قبر الإمام الحسين (عليه السلام) نهار العشرين من صفر وقد رسمت صورة لملحمة رائعة سطرها ما يربو على ستة ملايين خرجوا لمواساة النبي (صلى الله عليه وآله) واستقبال ركب سبايا أهل البيت القادم من الشام إلى كربلاء بعد رحلة طويلة مضنية استمرت أربعين يوماً.
نعم .. زحفت هذه الجموع الإيمانية لملاقاة الإمام زين العابدين والسيدة زينب وبقية نساء وأطفال آل البيت (عليهم السلام) لدى عودتهم برؤوس الشهداء إلى حيث ترقد جثامينها الطاهرة في أرض كربلاء..
خرج المؤمنون بعد أن أحسوا بحرارة في قلوبهم لن تبرد إلا بالمسير نحو الحسين ملبين نداء النصرة الذي انطلق يوم العاشر من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة عابراً للحدود والحواجز التي يفرضها الزمان والمكان.. وأخذوا يخفون السير بلا مبالاة للتعب أو العناء أو الخوف من العمليات الوحشية التي ينفذها الإرهابيون التكفيريون والصداميون ضدهم على طول الطريق.
لم تمنعهم توعدات القاعدة والبعث والوهابية وإشاعات أجهزة مخابرات بعض الدول الداعمة لمشروع إفشال التجربة العراقية الجديدة.. ولم تثن عزيمتهم وثباتهم على طريق التضحية الذي رسمه لهم الإمام الحسين (عليه السلام) بدمه الطاهر ودماء الخيرة من ذويه وصحابته الشهداء الكرام.
قطع الزوار عشرات الكيلومترات بخطى تسابق الأنفاس شوقاً ولهفة لبلوغ غاية المنى ومنتهى الآمال وكعبة القلوب ومهوى الأفئدة.. ذلك الضريح الذي يضم فلذة كبد الرسول المصطفى وريحانته ونفسه الزكية وروحه التي بين جنبيه (الحسين) الذي قتل ظلماً وعدواناً ليس فقط على الدين القويم وإنما على الإنسانية كلها لأن الحسين امتداد النبي المبعوث رحمة للعالمين وهو سيد المصلحين وإمامهم ومعلمهم على مر الدهور وفي قتله خسارة ليست للمسلمين حسب بل للناس أجمعين.
والهتاف أينما وجد الشيعة والموالون (واحسيناه.. واحسيناه) يملأ الأرجاء ويسود الأجواء ويحرك في النفوس نوعين من الانفعال: سلبا وإيجابا. فأما السلب فهو يتمثل بموقف الانكار والشجب والرفض لعبودية الحاكم الجائر وسياساته الطائشة وظلمه وبطشه واحتكاره لثروات البلاد وجعلها في يده وجيبه من دون حق.. وأما الإيجاب فيتمثل بالتأييد والمساندة للحركة الإصلاحية والثورة التصحيحية لمسار الأمة التي قادها من بعد النبي الأئمة الهداة من أهل بيته الطاهرين ومن أبرزهم الإمام الحسين (عليه السلام).
على أن هذا الانفعال بنوعيه يمثل صرخة الحق بوجه الغاصبين وثورة المظلومين على الظالمين. فهو بالجملة يعني حالة من التحدي والإصرار على مقاومة العبودية التي يجهد الحكام المستبدون على ترسيخها في صفوف القواعد الجماهيرية لتدين لهم بالولاء الأعمى والاستسلام الكامل لإراداتهم ونزعاتهم ونزواتهم ولو كانت على حساب العقيدة والقانون الإلهي الذي حدد مهام الناس حاكمين ومحكومين وبين مسؤولياتهم واستحقاقاتهم ولم يترك لهم مجالاً للتلاعب بمقدرات الشعب باي حال من الأحوال.
وليكـن شعارنا شعـار الأحرار
الذي يـرعب الظالميـن صـداه
(( واحـســـــــيــناه ))
نســألكـم الدعـــاء