عرفت كاظم الساهر عام 1984 حيث كنا فيدائرة فنية واحدة .. كنت معدا للبرامج المنوعة وكان هو مطرباً شاباً يافعاً صادقاًوحنوناً ..يحب عائلته وأصدقائه وزملائه ..لكنه لا يجامل احداً على حساب فنه..كانجاداً الى حدٍ بعيد .. وخجولاً الى حدٍ أبعد .. وظلت هذه الصفات عنواناً لسيرتهالذاتية حتى يومنا هذا..
لم اكن صديقاً حميماً له .. وكانت لقاءاتي به متباعدةوسريعة ..لكنها لم تكن سطحية..فقد كنت أدرس شخصيته وما تعنيه طريقة كلامه وتصرفاتهوحواراته بطريقتي الخاصة ككاتب مسرحي يصنع شخصياته التي تختلف عن بعضها تبعاًلتاريخها وبيئتها و صفاتها..ومع ذلك غاب عني الكثير ولم أفهم الكثير من كاظمالإنسان والفنان إلا بمرور عشرات السنين التي لم التقيه خلالها إلا لحظات أو دقائقمتباعدة.... وتمنيت لو ان الجميع يفهمون كاظماً على حقيقته كما أفهمه أنا ..يفهمونبان قضية بلده تؤرقه ..لكنه فنان وليس سياسي ..ولايمكن لرؤاه الواسعة ومشاعرهالجياشة أن تتقوقع في فكر طائفي ما أو إتجاه حزبي أو تجمع برلماني او موقف أو ردودأفعال خطابيةسريعة .. إنه كاظم العراق بكل أطيافه وملامحه البشرية وتضاريسهالجغرافية وجذوره التاريخية..كاظم الأمهات والاباءوالأطفال والنساء.. كاظم الشبابالعراقيين المؤتلفين في بيت العراق الكبير..كاظم النهر العراقي الثالث..فهل يمكن أنيكون النهر _فراتاً كان أو دجلةً_ سنياً أو شيعياً أو مسيحياً..؟.. إنه كلذلك..مباح لمحبتنا وعطشنا وعتبنا وشوقنا..
هبط كاظم الساهر من سلم قاعةالإستقبال بفندق الميتروبوليتان وقد احنى رأسه.. وإتجه الى طاولة منزوية وطلبالفطور ..قالت فتاة لصديقتها :
- كم هو متكبر و مغرور.. لم يلق علينا السلام..
سمعت كلامها واضحاً كذلك شقيقي كريم العراقي..وقبل ان ننضم الى طاولة كاظمسألته :
- لم لا يحيّي كاظم الناس.. إبتسم كريم وأجاب :
-ألا تعرف بان كاظمخجول..هل تريده ان يرفع يديه و يستعرض امام المعجبين وكانه قائد منتصر..فسألته :
-لكنه يغني أمام عشرات الآلاف دون خجل.أجاب :
- نعم ..لأنه حينها يكونهائماً بعذوبة الأنغام وغائباً في آفاق الشعر. ومستغرقاً في التعبير .
فعرفتحينها أن كاظم الساهر ما يزال كما عرفته قبل عشرين عاماً خجولاً ومتواضعاً.. يعيشلحظاته بصدق وعفوية ولا يحسن التمثيل..
(( يتبع ))