=----> ( السير شارلتون.. صانع أفراح إنجلترا ) <----=
--------------------------------------------------------------------------------
كان يمكن للمسار الواعد لهذا الشاب الإنجليزي أن يتوقف مبكرا. فعلى مدرج مطار ميونيخ، وقعت الكارثة التي مازالت تدمي ذاكرة البريطانيين وعشاق الكرة حتى اليوم. انفجرت الطائرة التي كانت تقل فريق مانشيستر يونايتد، وقتل ثمانية من لاعبيه. نجا بوبي شارلتون بأعجوبة، لكن رواسب الفاجعة ظلت ملازمة له إلى الأبد. ينتمي بوبي شارلتون إلى طينة اللاعبين الذين زاوجوا بين قوة الأداء والإبداع داخل الميدان وبين المكانة الاعتبارية داخل المجتمع، التي لازمت اللاعب بعد نهاية مشواره الرياضي. فشارلتون لم يكن فقط قامة رياضية كبيرة بل مفخرة قومية بالنسبة للبريطانيين الذين أجمعوا على استحقاقه لقب السير، الذي يمنحه العرش البريطاني.
بوبي هو واسطة عقد الجيل الذهبي الذي أهدى إنجلترا اللقب العالمي الوحيد الذي تعتد به. هو بمثابة بيليه البرازيل وكرويف هولندا وبيكنباور ألمانيا... ويعد شارلتون إلى جانب زميله بوبي مور وسلفه بيلي ورايت أحد ثلاثة لاعبين إنجليز تجاوزوا سقف مائة مقابلة دولية.
دشن شارلتون بداياته كجناح، لكنه مالبث أن أبان عن علو كعبه في قلب الهجوم. وكان من أوائل اللاعبين البارعين في التمويهات الجسدية المعتمدة على الخفة والحيوية الجسمانية، غير أن قوة السير كمنت أساسا في تعدد مواهبه ومهاراته. فقد كان بفضل مؤهلاته التقنية، موزعا برع بتمريراته الدقيقة والحاسمة، وقوة التسديد الحاسمة في اللحظات الصعبة. وشكل بوبي على مدى مساره الحافل نموذجا في الانتظام والاستمرارية في الأداء والعطاء برصيد قياسي بلغ 105 مقابلة دولية.
كانت عين جو أرمسترونغ المسؤول عن اقتناء اللاعبين بمانشستير أول من رصد بوبي الذي لم يكن ليرفض فرصة الالتحاق بالشياطين الحمر على أرض أولد ترافولد. كان ذلك سنة 1953. غير أن مساره الاحترافي في الفريق الأول لمانشستير سيبدأ سنة 1956 وهو يكمل بالكاد سنته التاسعة عشر. بنت مانشستير فريق ما بعد المأساة لبنة لبنة، وكان شارلتون حجر الزاوية في تشكيلة النادي العريق الذي لم يتأخر في العودة إلى ساحة الكبار انطلاقا من سنة 1963، حيث توالت الألقاب على مستوى البطولة والكأس. على أن الفوز الكبير سيتحقق عقدا بعد الكارثة، حين اكتسحت مانشتير فريق بنفيكا البرتغالي ب 4-1 برسم نهاية كأس أوروبا، الأولى التي تؤول إلى فريق انجليزي.
دوليا، كان كأس العالم موطئ مغامرة شارلتون مع المنتخب الانجليزي. البداية لم تكن مرضية في مونديال 1958 بالسويد، حيث خرج الفريق من المنافسة في الدور الأول إثرلهزيمة في لقاء سد مع الاتحاد السوفياتي. بعد ذلك، سيضمن شارلتون مكانته رسميا في المنتخب الذي خاض معه مونديال الشيلي 1962، وخرج في دور الربع أمام البرازيل، الفائز بالكأس.
وكانت سنة 1966 سنة فاصلة في مشوار بوبي والكرة الإنجليزية عموما. كان المونديال الذي احتضنته ملاعب انجلترا فرصة ثأرية لشعب متعطش إلى الألقاب وبلد يعد مهد كرة القدم الحديثة. وبالفعل لم يخيب أصدقاء شارلتون الذي بلغ أوج نضجه في سن 28 عاما آمال شعبهم. وقاد بوبي إلى جانب أخيه المدافع جاكي فريقه لتسلم اللقب من يد الملكة إليزابيث الثانية.
كان المونديال فرصة لمعاينة سجال كروي رفيع بين الدينامو شارلتون، والموهبة الدفاعية الفذة المتمثلة في فرانز بيكنباور، الذي أوكل إليه المدرب الألماني هيلموت شون مهمة كبح النفاثة الإنجليزية، في نهائي خالد، آل أخيرا للإنجليز. عقودا بعد ذلك، سيعترف بيكنباور بروح اللاعبين الكبار قائلا: "انجلترا هزمتنا سنة 1966 لأن بوبي شارلتون كان أفضل مني قليلا".
ورغم تجاوزه الثلاثين بعامين، ظل شارلتون الرقم الصعب في التشكيلة الإنجليزية التي انتقلت إلى المكسيك دفاعا عن لقبها، وسيضعها القدر من جديد في محك أمام وصيفها الألماني برسم الدور ربع النهائي. على بعد عشرين دقيقة من صفارة النهائية، والإنجليز متقدمون بهدفين لواحد، اختار المدرب ألف دامسي أن يبيع الدب قبل قتله، مستبدلا شارلتون بحجة إراحته للمقابلة الموالية، فإذا بالألمان يوقعون التعادل ثم هدف الانتصار بفضل القناص جيرد ميلر. خرج شارلتون وخرجت معه انجلترا من برج الكبار، لتنطلق منذئذ في رحلة شاقة للبحث عن الذات والمصالحة مع الألقاب، مازالت متواصلة حتى اليوم.
كان مونديال المكسيك محطة نهاية المشوار الدولي لبوبي شارلتون. بعد ذلك، أمضى موسمين إضافيين مع مانشيستر الذي كان آخر ظهور له في صفوفه شهر أبريل 1973، متوجا قصة إنجليزية مجيدة داخل الملاعب وخارجها. وكان صديقه ومدربه السير مات بوسبي خير من عبر عن شخصية السير شارلتون: "لم تعرف الكرة لاعبا بمثل هذه الشعبية. لم يبلغ أحد مستوى الامتياز الذي حققه شارلتون، في الميدان كما في الحياة".



رد مع اقتباس
