لم نتحدث طيلة الثلاث سنوات الاخيرة الا لدقائق معدودة وكنا نكتفي بالقاء التحية على عجالة بينما كنت غالبا ما اكيله بعبارة ذم ودية لانه مغرور رغم كل خصاله المميزة التي لا استطيع الا ان احبه بواسطتها ... 
التقيت به اليوم عند وقت الغروب وكنت قادما من مقهى النت البائس الوحيد في البلدة الذي اصابني بقرحة المعدة والاثني عشر والثلاثة واربعين وانا احاول جاهدا ان اكتب مشاركة في المنتدى ...حملقت في وجهه لدقائق قبل ان القي التحية واعاجله :
-- محتاج الليلة نلتقي سوية ...
وحددنا الموعد ...الحادية عشرة مساءا في اي مكان ..
عندما حان الموعد اصطحبته الى مكان على الشاطيء ..مكان في اطراف المدينة كنا نختبأ فيه من عيون المخبرين ورجال الامن اثناء لقاءاتنا قبل حوالي 15 سنة مرت بسرعة عجيبة ...جلسنا هناك ...لاشيء قد تغير الا..........ربما نحن ...
تذكرنا بسرعة ماحدث في اخر لقاء بيننا هنا ...عندما قدمت سيارة دورية لرجال الحزب الحاكم واصطحبوا كلا منا على حده وقالوا له نفس العبارة :
ننصحك ان لاتلتقي بفلان فانه مراقب وانت من عائلة ذات سمعة امنية جيدة ..!!!
الواقع ان كلانا كان تحت المراقبة ..بل العالم كله كان تحت ...والقلة القليلة فوق ...!!!
وتغيرت اماكن لقاءاتنا بعدها بكثرة وصار كلانا يعرف انه يشتاق الى الاخر ورغم تباعد اللقاءات لكنا كنا نعود كما كنا معا اخر مرة ....
في نفس المكان غادرتني الذاكرة الى اعوام طويلة مضت ...ومرت دقائق من السكون فسالته :
_ ...........ترى مالذي تغير ؟
قال صديقي ..فاجبته :
- هل تغيرت انت ؟
قال / مازلت كما انا ..والا ما جالستك ..
وتبادلنا الابتسام والتدخين واستذكرنا بنهم عناوين ذكرياتنا السالفة ..فعلى هذا الشاطيء تذكرت اني كتبت شعرا في صديق غيبته المقابر الجماعية ..نسيت كل الابيات وتذكرت فقط هذا الجزء من احد الابيات.
(....................................والنخل غاف وفي اهدابه ملل )
سالته / هل لازلت تكتب ؟
قال / ربما قليلا ..لكني مازلت افكر ..
_ هل لازلت تعشق ؟
فرد علي بخبث عميق : وسابقى كذلك وانت ؟
قلت براحة كبيرة كما لو كنت اثبت وجودي / لم اتغير
_متى نتوقف برايك ؟
_ بل قل كم سنستمر !!
اراحته اجابتي فرد عليها :
_ حتى تتوقف الارض عن الدوران ...
واردت ان يتخذ حديثنا طابعا سفسطائيا فسالته :
_ ومتى تتوقف في رايك ؟
تصورت انه سيقول بانها ستتوقف عندما يصبح ثقب الاوزون بحجم الخيانة ولكنه رد الكرة علي من جديد :
_ عندما يتوقف كلانا عن الحب ..
ضحكنا واعقبت :
_الارض تتوقف عن الدوران ويصيبها الفتور والوهن عندما تختفي النساء الجميلات من على وجه الارض ..عندها سيكون على الرجال ان يحملوا الارض على اكتافهم ويدورا بها حول الشمس مادامت هي الانثى الوحيدة ..
عندما عدت الى المنزل بعد الثانية عشرة والنصف تقريبا كنت احمل في ثنايا روحي تلالا من روائح الامس وسحبا من الشوق لان اعيش طقوس غرامي مع مولاتي البعيدة ...
كنت احدق في الشاطيء الممتد بجوار منزلي وكان كل شيء نائما حتى الهاتف النقال الذي اخرجته من جيبي وحاولت الاتصال بها ....بالمجهول ...بالنجوم ...بالهة الشوق والحرمان ...لكن الكل كان خارج التغطية ..
بل كنت انا خارج تغطية العالم الضاج بنباح الكلاب والظلام والحر...الى عالمي انا ..عالمي الفريد الذي لا يتسع الا لامراة واحدة ...انتظرها شريكة فيه ..
شريكة تهبط علي في هذه الساعة وتكون قريبة جدا مني ..لا بل قريبة فقط ...تعانقني عيناها وتعبث شفاهها بما تبقى مني ...تشاطرني اقتسام حرية الارادة التي امتلكها في هذه الساعة ...بعيدا عن عبث الجسد وطموحاته ...
الساعة الان هي الثالثة صباحا الا خمس دقائق ...
تململت الورقة عندما انحدرت من وجهي قطرة عرق ونزلت عليها ..واعلن القلم انه يريد ان يسبت من جديد في انتظار ليلة اخرى ...
ليلة من الوئام الروحي اطير فيها مع خيال مولاتي الهابط علي من بعيد ..التقط ذراعها واطوف معها فوق ملايين النيام على اسطح المنازل ..نطير بعيدا عن تموز واب واشهر الاشتعال الكثير
ونغرق في حوض من المتعة ....
والى ان يحدث ذلك مرة اخرى اعلن القلم نهاية ارتعاشته الاولى



 
					
					
					
						
  رد مع اقتباس