هنا .....قررت ان اكتب بعد انقطاع ..ربما تكون فسحة للذهن أن يسترجع حاجيات للذكرى ..اطياف تمر على عجل فتعبث بركام الامس وتثير زوبعة من القلق وهديرا من الحسرات ...لهذا ساترككم مع ماكتبت في محطة
استراحتي الدائمة خارج اقواس المكان وعقارب الزمان ...:
( لاني اعشق كتابة مذكراتي او فلنقل اني كنت اعشق احيانا كثيرة مستمرة ان اضرب تخوم الكلمات بحثا عن مطايا لتسجيل اوجاعي والتحليق في فضاءات حرة ..لهذا قررت الان وبدون سابق ترخيص ذهني ان انطلق نحو الكلمات في نفس السرعة التي تهرب فيها افكاري الحبيسة نحو قلمي بحثا عن منقذ لها من حيرة الكتمان ...
الكائن الوحيد الي يعرف عني كل شيء ايها السادة هو قلمي ..حتى لحظات قبحي المثيرة لخجلي وربما ايضا بل بالتاكيد لحظات الغرور والزيف والحمق والشهوة والطيش كلها يعرفها هذا القلم المرتعش ويعرف ادق تفاصيلها ...ولهذا احترمه واغض الطرف عن خيانته لي بتسريب هذه المعلومات الشيطانية الى عشيقته الورقة التي تسترق قلبه وتعتصر مايملك من وجدان ...
رغم اني لا اكتب كثيرا وخاصة في الشهور الاخيرة او فلاعترف فاني لا اكتب كثيرا في السنوات الاخيرة من عمري الراكض نحو الاربعين ...( اعتراف خطير ان اقول اني عبرت الخامسة والثلاثين ..ومع ذلك فهناك من تعشقني وتعتبرني فارسا مع وقف التنفيذ طبعا )
الكتابة تحتاج الى مثابرة ...انها مثل العمل ...مثل الاستقاظ مع حمرة الفجر ...مثل عجلات المكائن التي اذا توقفت عن الدوران نام عليها الصدا و...............مثل القلب ...
اذا توقف عن الحب سقط في حبائل الكراهية ...
ومثل قلبي ...........
اذا توقف عن اشتياقه لمولاته ....( سأدعوا عليه بالجلطة )..
انا هنا ...الساعة الان هي الثانية بعد منتصف الليل في بلدة تغط في الظلام وتعب نهارات الصيف الطويل ونباح الكلاب وحرارة تموز ...
وتموز عراقي يحتفل فيه الجنوب بلباس من القيظ ..
الناس هنا تختن اطفالها في تموز ...تبني بيوتها في تموز ...وتتضاجع في تموز ايضا ...ولهذا يولد الاطفال تموزيون اصلاء يعشقون الثرثرة والجنس والعمل ويصبح الصيف سيدا لهويتهم السمراء ...
قبل ايام التقيت صدفة بزميل كان معي في ايام الكلية ...وعرفت انه هاجر واستقر في استراليا ...وتزوج هناك وانجب ( صبيان وبنات على الطريقة العراقية ) من غير عدد يعني ...
سالته باستغراب / ماذا تفعل هنا في هذا الصيف اللاهب ؟
كانت اجابته بأن اطفاله يعانون من مشاكل جلدية هناك وانه يعمدهم سنويا بالمجيء الى العراق في شهر تموز واحيانا في جحيم اب ايضا !!
اجابتي له كانت وستظل دوما / بطراااااااااااااااااااااااااااااااااان !!
رغم هروب العوائل للنوم فوق اسطح المنازل هربا من حرارة الجدران والارض في هذه الساعة المتاخرة الا اني كنت اكتب في حجرتي التي لازالت تحتفظ بشيء من برودة اجهزة التكييف التي انطفات عند الساعة 12 وفي انتظار ان تعود من جديد في الثالثة او الرابعة ..
كل شيء هاديء في بلدتي ...حتى الحرب لاتمر من هنا الا عن طريق الخطأ ..بل حتى الموت يمضي ببطأ وخيلاء مع احتفاء المشيعين وتكبيراتهم وربما لعلعة رصاصهم ايضا ...
نباح الكلاب جزء مهم من تعريف الليل في هذه البقعة من العالم...من طقوس الظلام والموت والفراغ ..بل الفزع المسكون بالانين ومواويل القرى المتهالكة على حافات السواقي ..لان الجميع يدور في نفس الحلقات المفرغة والفكر منوم مغنطيسيا وتموزيا ايضا فالكلاب تصول وتجول في هذه الساعات المتاخرة في شوارع المدينة جماعات جماعات ..تتجول كراعية وحامية و ...علامة على ان الحياة تسير كالمعتاد وبان كل شيء هو هو منذ اكثر من ثلاثين عاما !!
الكلاب لا تعبأ بحضر التجول الذي ينطلق بعد منتصف الليل ...في جولتي الليلية بعد منتصف الليل بسيارتي حيث اذرع شوارع المدينة الهادئة والفارغة تماما من البشر بدون ان يستوقفني شرطي او رجل امن ..اشعر ان العالم ملكي واني سيد مطلق لعالمي ..مادمت هكذا متحرر من سطوة الناس وبلادة الفكر وجاهزية السلوك ..
لهذا تستغرق رحلتي نصف ساعة من السياقة الهادئة في الشوارع كلها بهدوء الواعظ وجنوح العاشق وغرور المعشوق الذي يعرف ان هناك أمرأة تهواه في مكان اخر ..وربما تعظ الوسائد شوقا له !!!( مو معقول )
قبل ساعتين واكثر تقريبا كنت اجالس صديقا قديما تنحدر علاقتي به الى مرحلة الفتوة والدراسة الثانوية ... جمعني به معتقل وزنزانة واحدة قبل 17سنة تماما ...عشقت فيه كثيرا واقعيته المفرطة وجنونه العاهر المكتوم الذي لايعرف تفاصيله الغامضة الا انا ..