رياض البكري الشاعر العراقي الثائر الشهيد
هو الشاعرالشيوعي رياض كمال الدين البكري
اختار الاسلوب المسلح في مقارعة السلطة البعثية اثناء وجوده في العراق .
و كان مناضلا دؤوبا وصحفيا في صفوف الحركة الفلسطينية .
كان يتشوق الى العراق وينتقد الوضع السياسي برمته . ويسافر سرا مابين لبنان والعراق بهوية لبنانية او فلسطينية وقد جرى اعتقاله في احدى المرات بعد تعرف السلطة عليه بكونه رياض البكري وليس الشخص اللبناني الذي يدعي اسمه .
وكان شعر رياض غزير . والشاعر وشعره خسارة كبيرة وهو ثروة للعراق .. هدرت للأسف ولا نتمنى ان تهدر حياة أي شاعر حتى لو كان ضدنا سياسيا , انها خطيئة . مع ضرورة التأكيد على البديهة التي تعاد في كل مرة :
ان الانسان ليس للهدر . الانسان للحياة والجمال .
رياض البكري
شاعرٌ حقيقي وعاشقٌ شهيد
لقد عانق الشهيد اول خيوط الشمس في صبح حزين من صباحات بغداد – عام 1978 - وحبل المشنقة يطبق على رقبته ويخنق صوت الفيروز الطاهر النقي ويقتطف أجمل زهرة من ازاهير شبيبة العراق الرائعة . رياض البكري ملحمة شعرية لمن عرفه ، قد تطايرت اوراقها ، في الريح ، كما تتطاير اعمار الناس في عوالم الفاشية والحروب والتناحرات . مجدا لرياض البكري شاعرا وعاشقا وشهيدا.
*** ومن جملة اشعــاره ***
( آلة التنويم )
ان نهرا من الليل
نام على فجوة الشمس
هبني عيونك كي لا أرى
وطنا يتهاوى أمامي كطير جريح
وهبني سكوتك كي لا أبث الحقيقة
هبني عواطفك المستريحة
كي اتغنى بموت بطيء،
واضحك للنار وهي تسيل لعابا على شفتي،
ان عرسا يقام لقتل الحقيقة خلف دخان التعاويذ، دعني ادافع عن جثة لقتيل ضعيف ٍ ، تدوّسها العاهرات وكل رجال بيوت الهوى ، وكلاب ٌ لصيد المجانين والفقراء . ان لي اخوة يجهلون القراءة والشمس والفرح الداخلي ، ويعترفون بأن إلها ًهو الخوف يحكم كل الخطايا وكل الذنوب ، ويعتقدون بأن السكوت عن الاثم اسمى الفضائل ، اني بهم اتشبث ، من حزنهم استمد انتظاري ، قفا ، ان عمرا من الشهداء يصير فما ً ، وقطارا من الموت يصرخ في هدنة الصمت ، ليلا من الذكريات يقص فصولاً ملوّحة بالسؤآل ، ويكتب قدّام كل جياع الخليج ، وكل النساء المباحات ، والكتب المستعارة ، والصحف الموسمية ، يعلن من هذه الفِكَر الزائفات براءته الكاملة ْ .
لاتنشّف دمي ، لاتخدّر عواطفي َ المشمئزة ، دعني اعلّم صوتي الصراخ ، أيمكن للمسرحية أن تستمر ، وللصدق أن يتهاوى الى الأبد المنتهي ، في دمي تستفيق البراعم خضراء مثل صغار الحمام ، وعيناي لاتذعنان لنوم تقدمه الآلة الزمنية ، اني خسرت رهان البقاء المؤقت ، لكنني ، كم أنا فرح بنعالي الذي سيدوس الخسارة والرابحين ، دمي أنا يتكلم ، يخرج من حفرة القبر ، لحمي الذي يتفسخ تحت سياط المذلة ، عذرا لمؤتمرات السلام التي ختمت فوق تقرير موتي ، ولم تكشف الستر عن وجهي المتآكل في الصمت ، ماذا تريد البغايا ؟ لكي تستعيد عذارتها المستباحة غير شراع ؟ وماذا يريد دمي غير ضوء ٍ لكي يتنفس ؟ قلت بعيني رأيت اللصوص – الخفافيش يسطون ليلا على معبد الحب ، يلتهمون المقالات والكتب الوطنية ، يستعملون أعز التعابير ، يحتفلون بأجمل أعيادنا ، وبأعماقهم روح آدولف هتلر ، انياب صلبانه الهمجية ، إني رأيتهم ُ يهزؤون بشعر حبيبي ، يرتبكون اذا سمعوا إسم لينين ، يحتقرون جميع المبادئ والشرعات ، سوى شرعة السوط يسلخ جلد الحقيقة ، والهمسات النقية ، والذعر يزحف في طرقات المدينة ، إني رأيتهم ُ يقرؤون كفاحي ، فلا تنس َ إني أقول احترس ، كبرت طفلة الخوف والتعب الزمني على جبهة الزعماء القدامى ، فناموا ، وشاخت عناوينهم في المفارز ، ماعاد يقلق حراس ليل المدينة اسم زعيم قديم ، تجاوزه الوقت ، وانطلقت فوق جثته عربات الجياع ، تفتش عن وطن ٍ آخر في المحطات ، تزرع أيامها في دروب العواصف ، إني أقول احترس ، أزهرت وردة النار في الثلج ، هل أزهرت ؟ سوف تزهر ، سوداء مثل عيون النساء الجميلات ، والحزن في كربلاء الصغيرة ، يحملها الفقراء على طهر أيامهم ، ويطوفون في كل أحيائها الساهرات برأس الحسين ، اذا بقي الرأس ، فانتظر الوردة المزهرة
أواخر تشرين ثاني 1973
***************
الوعد الأخير
في زاوية ما ..
على الرصيف قد التقينا
ماذا تبقى لنا ..
غير كومة من الثلوج والذكريات
أجمل الشموع انطفأت
وفاض العشب فوق الزهور
لسنا الذين بددنا أيامنا بأيدينا
كم ضحكة سالت على هذه الصخور
مثل الشلال
وكم من لحن
قد اختال في هذه الغابة المقفرة
مثل العصافير
ولكننا هيهات .
تعوّدنا أن لانبكي
هل تتذكر السوط
اذن
اعطني اذنا بالسفر
وعدني أن تسير في جنازتي
مثل الطاووس
لم يعد لي حب
ولا اهداب اتعلق بها
فحتى القصائد قد التحقت
هي الاخرى بالغبار
ولم يعد بيننا
مايجمعنا او يفرقنا
غير سحابة سوداء
ولم يتبق في الصحن غير الملاعق
وعلى الجدران
آثار الشعارات الحمراء
والبصاق
وفوق الرصيف
اعني فوق ذلك الشارع الموحش
بقيت بعض قصاصات الصحف القديمة
وآثار الأحذية
فلا تبتئس اذا قلت لك
والدموع يابسة في حنجرتي
الوداع
ساسافر الى جوف التاريخ
على صهوة شرارة
وسافكر فيك
قبل ان انتهي في آخر لحظة
اعدم الشاعر ببغداد في آب 1978 ودفن في النجف . جرى الحفاظ ، من بعده ، على اوراقه لخمس وعشرين سنة ، حتى سلّمت للنشر في مواقع الانترنيت ، وذلك في نهاية عام 2003 ، ولا تزال تظهر القصائد والمواد الأدبية تباعا ، تخليدا لذكراه واحتراما لمواقفه وثباته ودفاعه عن فقراء شعبه . المجد والخلود لك يارياض البكري ياشاعرا بصدق ومناضلا بصدق ورافضا للفاشية بأصدق الصدق وأنت تعانق حبال المشنقة وفي عينيك البريئتين بريق الحقيقة والحالمتين بالعدل والسعادة لشعبك العراقي المكلوم والحزين في سائر الدهور والأزمان .
***********************
مع تحيـــاتي للجميــــــــع