كان (عليه السلام) يجيب من السجن على بعض الرسائل
فقد رويت إجاباته (عليه السلام) لمحمد بن أبي عمير وعلي بن سويد السائي ، نسبة الى الساية قرية قرب المدينة (النجاسي/276) وهما من كبار شخصيات شيعته .
ففي الكافي:8/124: «عن علي بن سويد قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) وهو في الحبس كتاباً أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة ، فاحتبس الجواب علي أشهر ، ثم أجابني بجواب هذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة ، والأديان المتضادة ، فمصيب ومخطئ ، وضال ومهتدي ، وسميع ، وأصم وبصير ، وأعمى حيران .فالحمد لله الذي عرف ووصف دينه محمد (ص) .أما بعد فإنك أمرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة وحفظ مودة ما استرعاك من دينه ، وما ألهمك من رشدك وبصرك من أمر دينك ، بتفضيلك إياهم وبردك الأمور إليهم .
كتبت تسألني عن أمور كنت منها في تقية ، ومن كتمانها في سعة ، فلما انقضى سلطان الجبابرة ، وجاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها ، العتاة على خالقهم ، رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه ، مخافة أن تدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم ، فاتق الله عز ذكره وخص بذلك الأمر أهله ، واحذر أن تكون سبب بلية على الأوصياء أو حارشاً عليهم بإفشاء ما استودعتك ، وإظهار ما استكتمتك ، ولن تفعل إن شاء الله .
إن أول ما أنهي إليك أني أنعي إليك نفسي في ليالَّي هذه ، غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن ، مما قد قضى الله عز وجل وحتم ، فاستمسك بعروة الدين ، آل محمد والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي ، والمسالمة لهم والرضا بما قالوا ، ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك ، ولا تحبن دينهم فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ! وتدري ما خانوا أماناتهم؟ ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه ، ودلوا على ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنهم ، فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون !
وسألت عن رجلين اغتصبا رجلاً مالاً كان ينفقه على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفي سبيل الله ، فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتى حملاه إياه كرهاً فوق رقبته إلى منازلهما ، فلما أحرزاه توليا إنفاقه ، أيبلغان بذلك كفراً؟ فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا على الله عز وجل كلامه ، وهزئا برسوله (ص) وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
والله ما دخل قلب أحد منهما شئ من الإيمان منذ خروجهما من حالتيها ، وما ازدادا إلا شكاً ! كانا خداعين مرتابين منافقين حتى توفتهما ملائكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام ! وسألت عمن حضر ذلك الرجل وهو يغصب ماله ويوضع على رقبته؟ منهم عارف ومنكر ، فأولئك أهل الردة الأولى من هذه الأمة فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
وسألت عن مبلغ علمنا وهو على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث ، فأما الماضي فمفسر ، وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا محمد (ص) .
وسألت عن أمهات أولادهم وعن نكاحهم وعن طلاقهم ، فأما أمهات أولادهم فهن عواهر إلى يوم القيامة ، نكاح بغير ولي وطلاق في غير عدة .
وأما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ويقينه شكه .
وسألت عن الزكاة فيهم ، فما كان من الزكاة فأنتم أحق به ، لأنا قد أحللنا ذلك لكم ، من كان منكم وأين كان .
وسألت عن الضعفاء فالضعيف من لم ترفع إليه حجة ولم يعرف الإختلاف ، فإذا عرف الإختلاف فليس بضعيف .
وسألت عن الشهادات لهم فأقم الشهادة لله عز وجل ولو على نفسك والوالدين والأقربين ، فيما بينك وبينهم فإن خفت على أخيك ضيماً فلا .
وادع إلى شرائط الله عز ذكره بمعرفتنا من رجوت إجابته ، ولا تحصن بحصن رياء . ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف منا خلافه ، فإنك لا تدري لمَ قلناه وعلى أي وجه وصفناه !
آمن بما أخبرك ولا تفش ما استكتمناك من خبرك ، إن واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه وآخرته ، ولا تحقد عليه وإن أساء ، وأجب دعوته إذا دعاك ، ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك . وعده في مرضه ، ليس من أخلاق المؤمنين الغش ولا الأذى ولا الخيانة ولا الكبر ولا الخنا ولا الفحش ولا الأمر به . فإذا رأيت المشوه الاعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك ولشيعتك المؤمنين ، وإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل الله عز وجل بالمجرمين . فقد فسرت لك جملا مجملا وصلى الله على محمد وآله الأخيار ». ورجال الطوسي:2/754