أسامة بن زيد
أسامـة بن زيـد بن حارثة بن شراحيـل الكَلْبي ، أبو محمد ، من أبناء الإسلام
الذين لم يعرفوا الجاهلية أبدا ،ابن زيد خادم الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم-
الذي آثـر الرسـول الكريم على أبيه وأمه وأهله والذي وقف به النبـي
على جموع من أصحابه يقول :
( أشهدكم أن زيدا هذا ابني يرثني وأرثه )
وأمه هي أم أيمن مولاة رسـول الله وحاضنته ، ولقد كان له وجه أسود
وأنف أفطس ولكن مالكا لصفات عظيمة قريبا من قلب رسول الله
حب الرسول له
عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت :
عثَرَ أسامة على عتبة الباب فشَجَّ جبهتَهُ ، فجعل رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- يمصُّ شجّته ويمجُّه ويقول :
( لو كان أسامة جارية لكسوتُهُ وحلّيتُهُ حتى أنفِقَهُ )
كما قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- :
( ما ينبغي لأحد أن يُبغِضَ أسامة بن زيد بعدما سمعت رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- يقول :
( من كان يُحِبُّ الله ورسوله ، فليحبَّ أسامة )
وقد اشترى الرسول -صلى الله عليه وسلم- حَلّةً كانت لذي يَزَن
اشتراها بخمسين ديناراً ، ثم لبسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وجلس على المنبر للجمعة ، ثم نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فكسا الحُلّة أسامة بن زيد
نشأته وايمانه
على الرغم من حداثة سن أسامة -رضي الله عنه- الا أنه كان مؤمنا صلبا
قويا ، يحمل كل تبعات دينه في ولاء كبير ، لقد كان مفرطا في ذكائه
مفرطا في تواضعه ، وحقق هذا الأسود الأفطس ميزان الدين الجديد
( ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) فهاهو في عام الفتح يدخل مكة
مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أكثر ساعات الاسلام روعة
الدروس النبوية
قبل وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعامين خرج أسامة أميرا على
سرية للقاء بعض المشركين ، وهذه أول امارة يتولاها ، وقد أخذ فيها درسه
الأكبر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهاهو يقول :
( فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أتاه البشير بالفتح ، فاذا هو متهلل وجه
فأدناي منه ثم قال :( حدثني ) فجعلت أحدثه ، وذكرت له أنه لما انهزم
القوم أدركت رجلا وأهويت اليه بالرمح ، فقال :
( لا اله الا الله ) فطعنته فقتلته ، فتغير وجه رسـول اللـه
-صلى اللـه عليه وسلم- وقال :
( ويحك يا أسامة ! فكيف لك بلا اله الا اللـه ؟
ويحك يا أسامة ! فكيف لك بلا اله الا الله ؟)
فلم يزل يرددها علي حتى لوددت أني انسلخت من كل عمل عملته
واستقبلت الاسلام يومئذ من جديد ، فلا والله لا أقاتل أحدا قال لا اله الا الله
بعد ماسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)
أهمَّ قريش شأن المرأة التي سرقت ، فقالوا :( من يكلّم فيها رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- ؟)
فقالوا :( ومن يجترىء عليه إلا أسامة بن زيد حبّ رسـول اللـه
-صلى اللـه عليه وسلم- ؟)
فكلّمه أسامة فقال رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- :
( لم تشفعْ في حدّ من حدود الله ؟)
ثم قام النبـي -صلى الله عليه وسلم- فاختطب فقال :
( إنّما أهلك الله الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه
وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيْمُ الله لو أن فاطمة بنت محمد
سرقت لقطعت يَدَها )
جيش أسامة
وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد بن حارثة الى الشام
وهو لم يتجاوز العشرين من عمره ، وأمره أن يوطىء الخيل تخوم البلقاء
والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس وخرج مع أسامة المهاجرون
الأولون ، وكان ذلك في مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأخير
فاستبطأ الرسول الكريم الناس في بعث أسامة وقد سمع ما قال الناس في امرة
غلام حدث على جلة من المهاجرين والأنصار !
فحمدالله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم- :
( أيها الناس ، أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لئن قلتم في امارته لقد
قلتم في امارة أبيه من قبله ، وانه لخليق بالامارة ، وان كان أبوه لخليقا لها )
فأسرع الناس في جهازهم ، وخرج أسامة والجيش
وانتقل الرسول الى الرفيق الأعلى ، وتولى أبو بكر الخلافة
وأمر بانفاذ جيش أسامة وقال :
(ما كان لي أن أحل لواء عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وخرج ماشيا ليودع الجيش بينما أسامة راكبا فقال له :
( يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن ) فرد أبوبكر :
( والله لا تنزل ووالله لا أركب ، وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة )
ثم استأذنه في أن يبقى الى جانبه عمر بن الخطاب قائلا له :
( ان رأيت أن تعينني بعمر فافعل )
ففعل وسار الجيش وحارب الروم
وقضى على خطرهم ،وعاد الجيش بلا ضحايا ، وقال المسلمون عنه :
( ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة )
أسامة والفتنة
وعندما نشبت الفتنة بين علي ومعاوية التزم أسامة حيادا مطلقا ، كان يحب عليا كثيرا
ويبصر الحق بجانبه ، ولكن كيف يقتل من قال لا اله الا الله
وقد لامه الرسول في ذلك سابقا!
فبعث الى علي يقول له :
( انك لو كنت في شدق الأسد ، لأحببت أن أدخل معك فيه ، ولكن هذا أمر لم أره )
ولزم داره طوال هذا النزاع ، وحين جاءه البعض يناقشونه في موقفه قال لهم :
( لا أقاتل أحدا يقول لا اله الا الله أبدا )
فقال أحدهم له :
( ألم يقل الله : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ؟)
فأجاب أسامة :
( أولئك هم المشركون ، ولقد قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله )
وفـــــــــــــاته
وفي العام الرابع والخمسين من الهجرة ، وفي أواخر خلافة معاوية
أسلم -رضي الله عنه روحه الطاهرة للقاء ربه ، فقد كان من الأبرار المتقين
فمات بالمدينة وهو ابن ( 75 )
رحم الله أسامة ابن زيد حبّ رسول الله رحمةً واسعة
وأسكنه الله فسيح جناته



رد مع اقتباس