العراق يتكهرب سياسيا
كاظم فنجان الحمامي
وأخيرا وبعد أن أصبحت ولايته الوزارية في حكم المنتهية زمنيا ودستوريا وكهربائيا خرج علينا وزير الكهرباء بالوقت الضائع ليعلن عن رغبته بالتنحي والاستقالة بعد الفشل الذريع الذي سجلته وزارته, في عدم الإيفاء بأبسط الالتزامات التي قطعتها على نفسها في تأمين الطاقة الكهربائية للأحياء السكنية, ما أثار غضب الناس واستيائهم, فخرجوا بمظاهرات شعبية صاخبة احتجوا فيها على سوء الخدمات الكهربائية, وقصور أداء محطات التوزيع وعجزها وفشلها.
لقد جاءت استقالة الوزير متأخرة جدا, ويبدو انه قرر ترك موقعه في هذه الظروف الحرجة, وتخلى عن واجباته بعدما شعر بتعقيدات الموقف وتأزم الأمور وتدهورها,
وعزا الوزير المستقيل أسباب تراجع إنتاج الكهرباء إلى تأخر الشركات في انجاز وحدات الإنتاج في محطات كركوك والناصرية لأسباب فنية وأمنية, والى تأخر وصول صهاريج الوقود المستورد من الكويت وإيران, وتوقف ثلاثة خطوط من خطوط الإمدادات الإيرانية عن التجهيز, والضغوط المتزايدة لأجهزة المواطنين.
تصاعدت حدة أزمة الكهرباء في الصيف القاسي, وتحولت من أزمة تشغيلية وتقنية وإنتاجية إلى أزمة سياسية اكتملت أركانها باستقالة الوزير نفسه, واتسعت أبعادها بتكهرب الأوضاع الملتهبة برمضاء حزيران, وهبوب الرياح الجنوبية الشرقية, وشحة المحروقات اللازمة لتشغيل المولدات المنزلية, وارتفاع أجور المولدات الأهلية, وتصاعد أسعار أجهزة التوليد في السوق المحلية, ولجوء عامة الناس إلى الأساليب والوسائل البدائية, وربما استغلت التيارات السياسية الانقطاع المتواصل للتيارات الكهربائية, فاتهمت الحكومة بالفشل وسوء الخدمات, وجاءت هذه الاتهامات في خضم التصعيد الشعبي العارم الذي شهدته المحافظات, والذي لن ينفع معه استقالة وزير واحد فقط, بل ولا ينفع معه استقالة وزراء الكهرباء والطاقة العرب كلهم, وكان بإمكان العراق أن يقضي على مشاكل الكهرباء منذ زمن بعيد, وربما يتجاوزها إلى الحد الذي يبدأ فيه بتصدير الطاقة إلى جزر الواق واق لولا تداعيات الظروف الأمنية غير المستقرة, ولولا آثار الفساد الإداري والصفقات المشبوهة, التي رافقت مشاريع الكهرباء منذ عام 2003, وظهر علينا هذه الأيام من يبرر هذا الفشل, ويفلسفه بالطريقة الخنفشارية المثيرة للضحك, بالقول: (ينبغي التمييز بين الفشل وعدم القدرة), ويرى الناس أن الضعف والفشل وجهان لراية ممزقة واحدة تحمل رماد الإهمال وغبار العجز والتقصير.
في الوطن العربي وزراء دفعتهم خبراتهم المتواضعة, وتجاربهم المحبطة إلى إعادة التفكير, واستنهاض الهمة وقوة العزيمة, وتأكيد الإرادة, حتى اخذوا من فشلهم سبيلا للنجاح, ودافعا قويا للتقدم, وكأن الفشل عندهم مقدمة منطقية للصعود إلى قمة النجاح, وبداية حتمية له, وكان شعارهم : (افشل مرة تنجح مرات), فالفشل يحمل بين طياته عوامل النجاح والتفوق, وهنالك وزراء يعتقدون أن فشلهم يعني النهاية, ويعني سوء الطالع, وان سهام النحس أصابتهم بجروح قاتلة, ما جعلهم يغرقون في مستنقعات الفشل وأوحالها, فالمنحوس في نظرهم منحوس, حتى لو وضعوا على رأسه ألف فانوس أبو اللمبة, عندئذ يكون الفشل لمن يحمل هذا الشعور هو نهايته الأكيدة, وهويته الرسمية, وقد يصل الفاشل إلى مراحل ساحقة في السقوط, فيبدأ بتبرير فشله بكذا وكذا, ومنهم من يتحدث في فلسفة الفشل وكأنه يحمل فيه درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف.
نحن الآن في أمس الحاجة إلى دفن الفشل في مقابر الماضي الذي لن يعود, ويتعين علينا أن نتجنب الخوض في صراعات التيارات السياسية المتكهربة, ونحث الخطى من جديد لطرق آفاق النجاح, ونبحث عن التميز والتفوق والرقي, وننظر للغد نظرة تفاؤلية خالية من التشاؤم. نظرة تسمح لنا بتشغيل المروحة السقفية, وتشغيل الغسالة والثلاجة والتلفزيون والأنوار المنزلية البسيطة, وهذه هي أدنى مطامحنا في المرحلة الراهنة, والله على ما نقول شهيد.