أبو الدرداء
يوم اقتنع أبو الدرداء -رضي الله عنه- بالاسلام دينا ، وبايع الرسول -صلى الله عليه وسلم على هذا الديـن ،
كان تاجر ناجحا من تجار المدينة ، ولكنه بعد الايمان بربـه يقول :
"أسلمت مع النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- وأنا تاجر ، وأردت أن تجتمع لي العبـادة والتجارة فلم يجتمعا ،
فرفضـت التجارة وأقبلت على العبادة ، وما يسرنـي اليوم أن أبيع وأشتري فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار ،
حتى لو يكون حانوتي على باب المسجد ، ألا اني لا أقول لكم ان اللـه حرم البيع ، ولكني أحـب أن أكون من
الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله )
جهاده ضد نفسه
لقد كان أبو الدرداء -رضي الله عنه- حكيم تلك الأيام العظيمة ، تخصصه ايجاد الحقيقة فآمن بالله ورسوله
ايمانا عظيما ، وعكف على ايمانه مسلما اليه نفسه ، واهبا كل حياته لربه مرتلا آياته :
" ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
كان -رضي الله عنه- يقول لمن حوله :
( ألا أخبركم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند باريكم وأنماها في درجاتكم ، وخير من أن تغزو عدوكم ، فتضربوا
رقابهم ويضربوا رقابكم ، وخير من الدراهم والدنانير ذكر الله ، ولذكر الله أكبر )
ومضات من حكمته وفلسفته
سئلت أمه -رضي الله عنه- عن أفضل ما كان يحب ، فأجابت :
( التفكر والاعتبار )
وكان هو يحض اخوانه دوما على التأمل ويقول :
( تفكر ساعة خير من عبادة ليلة )
وكان -رضي الله عنه- يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى لثرواتهم فيقول :
( اللهم اني أعوذ بك من شتات القلب )
فسئل عن شتات القلب فأجاب :
( أن يكون لي في كل واد مال )
فهو يمتلك الدنيا بالاستغناء عنها ، فهو يقول :
( من لم يكن غنيا عن الدنيا ، فلا دنيا له )
كان يقول :
( لا تأكل الا طيبا ولا تكسب الا طيبا ولا تدخل بيتك الا طيبا )
ويكتب لصاحبه يقول :
( أما بعد ، فلست في شيء من عرض الدنيا ، الا وقد كان لغيرك قبلك وهو صائر لغيرك بعدك ،
وليس لك منه
الا ماقدمت لنفسك ، فآثرها على من تجمع له المال من ولدك ليكون له ارثا ، فأنت انما تجمع لواحد من اثنين :
اما ولد صالح يعمل فيه بطاعة الله ، فيسعد بما شقيت به ، واما ولد عاص ، يعمل فيه بمعصية الله ،
فتشقى بما جمعت له فثق لهم بما عند الله من رزق ، وانج بنفسك )
وانه ليقول :
( ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير أن يعظم حلمك ، ويكثر علمك وأن تباري الناس في عبادة الله تعالى )
عندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب الى المدينة ،
وشوهد أبا الدرداء وهو يبكي فسأله جبير بن نفير :
( يا أبا الدرداء ، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الاسلام وأهاه ؟)فأجاب أبوالدرداء :
( ويحك يا جبير ، ما أهون الخلق على الله اذا هم تركوا أمره ، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة ، لها الملك ، تركت أمر الله
، فصارت الى ما ترى )
فقد كان يرى الانهيار السريع للبلاد المفتوحة ،وافلاسها من الروحانية الصادقة والدين الصحيح
وكان يقول :
( التمسوا الخير دهركم كله ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله فان لله نفحات من رحمته يصيب بها
من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم ، ويؤمن روعاتكم )
في خلافة عثمان ، أصبح أبو الدرداء واليا للقضاء في الشام ، فخطب بالناس يوما وقال :
( يا أهل الشام ، أنتم الاخوان في الدين ، والجيران في الدار ، والأنصار على الأعداء
ولكن مالي أراكم لا تستحيون ؟؟
تجمعون مالا تأكلون ، وتبنون مالا تسكنون ، وترجون مالا تبلغون قد كانت القرون من قبلكم يجمعون فيوعون
، ويؤملون فيطيلون ، ويبنون فيوثقون فأصبح جمعهم بورا ، وأملهم غرورا ، وبيوتهم قبوراأولئك قوم
عاد ، ملئوا ما بين عدن الى عمان أموالا وأولادا )
ثم ابتسم بسخرية لافحة :
( من يشتري مني تركة أل عاد بدرهمين ؟!)
تقديسه للعلم
كان -رضي الله عنه- يقدس العلم كثيرا ، ويربطه بالعبادة ، فهو يقول :
( لا يكون أحدكم تقيا حتى يكون عالما ، ولن يكون بالعلم جميلا ، حتى يكون به عاملا )
كما يقول :
( ما لي أرى علماءكم يذهبون ، وجهالكم لا يتعلمون ؟؟ألا ان معلم الخير والمتعلم في الأجر سواء
ولا خير في سائر الناس بعدهما )
ويقول -رضي الله عنه- :
( ان أخشى ما أخشاه على نفسي أن يقال لي يوم القيامة على رؤوس الخلائق : يا عويمر ،
هل علمت ؟؟فأقول : نعمفيقال لي : فماذا عملت فيما علمت ؟؟)
وصيته
ويوصي أبو الدرداء -رضي الله عنه- بالاخاء خيرا ، ويقول :
( معاتبة الأخ خير لك من فقده ، ومن لك بأخيك كله ؟أعط أخاك ولن له ، ولا تطع فيه حاسدا فتكون مثله
غدا يأتيك الموت فيكفيك فقده وكيف تبكيه بعد الموت ، وفي الحياة ما كنت أديت حقه ؟)
ويقول رضي الله عنه وأرضاه :
( اني أبغض أن أظلم أحدا ، ولكني أبغض أكثر وأكثر ، أن أظلم من لا يستعين علي الا بالله العلي الكبير )
هذا هو أبو الدرداء ، تلميذ النبي -صلى الله عليه وسلم-
وابن الاسلام الأول ، وصاحب أبي بكر وعمر ورجال مؤمنين
.,.
.,
.,.



رد مع اقتباس