منذ كنت صغيرا وقبل أن أفهم اكتمال الرجل بالمرأة واكتمالها به ، كان مشهد الحياء يسحرني ، غض الطرف إلى الأرض واحد من المشاهد الغائصة في قلبي .. عند أعماق الأعماق ، تستدعيها الأيام كلما جاء ذكر الحياء ، وجاء ذكر الأنثى .

وسبحان من جعل الفتنة في الخفاء ! و جعل النفور في الظهور !

.

وأذكر أني – في هذا المقام – لم أر وصفا لتلك الحالة أبلغ مما قاله عنترة – شاعر الحب الأول عندي – في وصف هذه اللقطة ، فتنة العين وهي تختفي تحت الجفون .

قال :


وسلت حساما من سواجي جفونها *** كسيف أبيها القاطع المرهف الحد .

تقاتل عيناها به وهو مغمد *** ومن عجب أن يقطع السيف في الغمد !

—————

وإليكم أروع أبيات القصيدة ،
قال عنترة :


إذا الريح هبت من ربي العلم السعدي *** طفا بردها حر الصبابة الوجد

وذكرني قوما حفظت عهودهم *** فما عرفوا قدري ولا حفظوا عهدي

ولولا فتاة في الخيام مقيمة *** لما اخترت قرب الدار يوما على البعد

مهفهفه والسحر في لحظاتها *** إذا كلمت ميتا يقوم من اللحد

أشارت إليها الشمس عند غروبها *** تقول إذا اسود الدجي فطلعي بعدي

وقال لها البدر المنير ألا سفري *** فإنك مثلي في الكمال وفي السعد

فولت حياء ثم أرخت لثامها *** وقد نثرت من خدها رطب الورد

وسلت حساما من سواجي جفونها *** كسيف ابيها القاطع المرهف الحد

تقاتل عيناها به وهو مغمد ***ومن عجب أن يقطع السيف في الغمد

مرنحه الأعطاف مهضومه الحشا *** منعمه الأطراف مائسة القد

يبيت فتات المسك تحت لثامها *** فيزداد من أنفاسها أرج الند

ويطلع ضوء الصبح تحت جبينها ***فيغشاه ليل من دجي شعرها الجعد

وبين ثناياها إذا ماتبسمت *** مدير مدام يمزج الراح بالشهد

فهل تسمح الأيام يا ابنه مالك ***بوصل يداوي القلب من ألم الصد

سأحلم عن قومي ولو سفكوا دمي *** وأجرع فيك الصبر دون الملا وحدي

وحقك أشجاني التباعد بعدكم *** فهل انتم أشجاكم البعد من بعدي

جذرت من البين المفرق بيننا *** وقد كان ظني لا أفارقكم جهدي

فإن عاينت عيني المطايا وركبها *** فرشت لدي أخفاقها صفحة الخد