جريدة الصباح
الاخيرة: الشناشيل البغدادية.. ذاكرة المكان المغيبة
بغداد - آمنة عبد العزيز
يمتاز بناء الشناشيل، بذوق معماري فريد، اختص به البغداديون منذ بدايات القرن العشرين بحسب المهندس جواد الربيعي ميزة هذا البناء انه لايمكن لاي بناء آخر ان يشابهه نلاحظ ذلك من خلال واجهات البيوت العراقية القديمة فهي تكاد لا تخلو من شناشيل مطلة على افق واسع.
والحقيقة الاخرى لهذا البناء المعماري في انعكاسات الروح العراقية الفنية لما جعلنا لوحة تشكيلة خالدة تمثل جزءاً من واقع حياتي يحمل عمق مدلولاته النفسية والبنائية من خلال الشكل المزخرف والمطعم برسومات والوان ديكور يجمد تلك الابنية.
ومازالت الحاجة علية رجب (85 عاماً) تتذكر الفسحة الجميلة من الزمن في عيون الشناشيل المزججة بألوان الطيف علقت نظراتها قبل اكثر من خمسين عاماً وهي ترتقب القادم من بعيد.
وكما نقول:”في محلة الانباريين في الكاظمية وعندما شرع والدي في بناء البيت حرص على ان تكون واجهته العلوية بشناشيل ثلاثة واما داخل (الحوش) وهي فسحة المنزل كانت اطلالة الشناشيل غاية في الروعة تحيط بها نافذة كبيرة مفتوحة على السماء، اليوم اختفت هذه الابنية البغدادية حتى في المحلات الشعبية القديمة لم يعد لها الا اثر قليل”.
في محلة الجعيفر القديمة في جانب الكرخ يتذكر الحاج مانع عيسى (87 عاماً) زفة عرسه واصوات الهلاهل تصرح من حناجر النسوة وهن خلف الشناشيل على استحياء لاستقبال الزفة قائلاً: ” كانت ايام جميلة بكل شيء وليس في بناء الشناشيل المشاركة في الفرح والحزن على حد سواء وربما البناء هو ايضاً جزء من تلك الروحية الخالدة في ذاكرتي وكم اتأسف حينما يهد بناء قديم من دون التفكير للحظة بأنه يحمل بصمة معمارية وروحاً بغدادية فريدة من الطراز القديم“.
وفي منطقة الميدان وسط بغداد وعند تلك البيوت المنزوية خلف الجامع ثمة بيت قديم تحاصره النفايات وبقايا من الانقاض لهدم بيت آخر بالقرب منه، عبد الصمد الساهي وزوجته وابناؤهم الاربعة مازالوا يسكنون خربة حيث يقول عبد الصمد: منذ خمسين عاماً او اكثر اسكن هذه الدار التي كانت زاهية بمن حولها من البيوت ومع زحف البناء التجاري عليها بدأت تختفي رويداً رويداً ولم يعد هناك الا القليل منها، قالت زوجته ان لهذا البيت وشناشيله عمراً من اعمارنا نحن وتلك الشناشيل واشارت الى اعلى الدار، لو تكلمت لنطقت بما اختزلته من الهموم والفرح والجلسات والعتاب، وبحسرة لا تخفيها قالت: ستون عاماً هو عمر سكننا في هذه الدار وكم اتمنى ان نعيد ترميمه ليعود لسابق عهده فالطابق العلوي اصبح اليوم محرما علينا صعوده فهو مهدد ومتداع ولكن ما باليد حيلة ان وقع علينا سنكون من حالة ذاكرة من زمن آخر.
ويبقى لوصف السياب في شناشيل بنت الجلبي ابلغ صور التعبير عن تلك العلاقة الجدلية والجمالية واطلالة بنت الجلبي من وراء تلك الشناشيل حس آخر في تصوير الجماليات للبناء المعماري الممزوج بالعاطفة وهو ابلغ من اي وصف آخر.