وثمة لهجات سوى تلك كثيرة كانت تهدد لهجة قريش في الصميم ومنها الغمغمة عدم تمييز حروف الكلمات وظهورها في اثناء الكلام وهي في قضاعة والطمطمانية جعل ام بدلا من الـ كقول القائل طاب امهواء في طاب الهواء وهي في حمير وتلتلة بهراء وهم بطن من قضاعة يكسرون احرف المضارعة مطلقا ! واللخلخانية في الشحر وعمان كقولهم مشا الله في ما شاء الله ! وقطعة طييء وتمثل في حذف آخر الكلمة يقولون يا ابا الحكا يريدون يا ابا الحكم كما في لغة بني سويف ! والإبدال مثل ابدال الميم والباء ميما في لغة مازن فيقولون بإسمك ؟ في ما اسمك ؟ ومكر في بكر ! وهناك لهجات تتمثل في الإعراب كنصب خبر ليس عند الحجازيين مطلقا ورفعه عند تميم اذا اقترن بإلا حملا لها على مثل : ليس الطيب الا المسك ! وفي البناء والبنية كتسكين شين عشرة عند الحجازيين وفتحها وكسرها عند تميم وكبناء الهاء من ايها على الضم عند بني مالك بن اسد اذا لم يتلها اسم اشارة فيقولون يا ابهُ الناس وكبنائها على الفتح ووصلها عند غيرهم يَا أيُّها الناس ! وثمة حالة هي بين الإعراب والبناء كإعراب لدن عند قيس بن ثعلبة وبنائها عند غيرهم وثمة التصحيح والإعلال كإعلال الأفعال الثلاثية التي من باب علم كرضي وبقي عند طييء بقلب يائها الفا وكسرتها فتحة فيقولون رضى وبقى وغيرهم يصححها وكقلب الألف المتطرفة همزة عند تميم مثلا العلأ في العلى وثمة الإتمام والنقص كحذف النون عند خثعم وزبيد اذا وليها ساكن وابقائها عند غيرهم فيقولون خرجت ملبيت في خرجت من البيت وهناك الإدغام والفك مثل فك المثلين في المضارع المجزوم بالسكون المضعف وأمره عند الحجازيين مثل يغضض واغضض وإدغامها عند تميم مثل يغض وغض ! وهناك الترادف مثل المدية عند اليمن والسكين عند الحجاز(7)

زد على ذلك الإمالة والأضداد واختلاف النبر وهذه خصائص في لغات العرب لا يجوز السخرية منها او الغاؤها ولكن وبعد ان قر! الرأي على لهجة قريش التي تنزل بها القرآن الكريم صار لهذه اللغة السهم الأزكى ومع ذلك جوَّز القراء السبعةُ سبعَ قراءآت وعشر قراءات وزيد في العدد لكي تتيسر قراءة القرآن على بعض الأعراب والعرب ممن لا تستطيع أجهزتهم النطقية مطاوعتهم على لغة قريش ! فحمزة مثلا كان يقرأ ولا تقربا هذه الشيرة بدلا من الشجرة وهي لغة السواد الأعظم من جنوب العراق !! فهل اعتراف النحاة بهذه اللغات اضعف الفصحى ؟ الجواب ربما اسهم في تمتينها !! امرؤ القيس كندي كتب شعره بلهجة قريش حتى يفهمه جمهور اعرض من جمهور كندة اليمانية وابو ذؤيب الهذلي كتب في لغة قريش ولكنه يستعمل إمالة هذيل وهي لهجة الموصل الآن !! وفي العصر الحديث كتب مظفر النواب بالفصحى لكي يفهمه جمهور عريض!! وأذكر انني قدمته بنفسي عام 1994 في القاعة الخضراء الكبرى بطرابلس ليبيا والجمهور وقتذاك تضمن تونسيين ومغاربة وجزائريين !! وكانوا كما ازعم يطربون لشعره الشعبي كما يطربون لشعره الفصيح ! بل ووجدت من طلب اليه قراءة قصائده الشعبية من غير العراقيين !! ما المشكلة في ان نحترم الذوق الشعبي فهو النبض الأصدق للشارع !! فقط نذكر بتاريخ الطبري كم هو رائع لو ان الطبري نقل الينا اغاني ذلك الزمان الذي ارخ له ! لو نقل لنا لغة الباعة مثلا !! لو نقل الينا هدهدة ام لرضيعها في المهد !! وقد اعترفت الجامعات العربية ومنها الجامعات العراقية بالشعر المعرب والملحون !! ولعل اشهر من نال دكتوراه فلسفة في ذلك هو صديقنا العلامة رضا القريشي تغمده الله برحمته !!( 8) 3/4/5



شعرية الحاج زاير : الشعرية هي بؤرة الجمال في الشيء !! أي شيء العمارة واللوحة والديكور والوجه والجسد والموسيقا والشعر ... الخ هي ليست مقتصرة على الشعر وإن هيأ تماثل الحروف لنا ذلك !والشاعر لن يكون شاعرا ذا تمييز ما لم يكتشف مكامن الشعرية في قدراته ! ومكامن الشعرية عهد الحاج زاير يحددها الجمهور !! لقد رفع الحاج زاير الذائقة الشعرية الشعبية وارتفع بها ثم ارغم شعراء عصره على ترسم خطاه لكي ينالوا مثلما ناله زاير !! لم نعد نتلمس الترهل والسذاجة في الشعر الشعبي قارن :



يا صاح عودي ذبل وبكل دوا مايصح والدمع سال وجره من ناظري ما يصح

والنيب مثلي ابحنينه لو صحت ما يصح

من حيث مضروب مابين الجوانح تبن

بمعالج الروح سري لم اموتن تبن

لا تنهضم عل سبع لو صار علفة تبن

واليوم حتى التبن علف السبع مايصح 0

وما كانت ايقاعات الزهيري لترتفع مسلة في ذاكرة الناس لو لم يؤسس لها الحاج زاير تقاليد ثابتة لحمتها الإبتكار وسداها البهجة في اطار من اللوعة العميقة .. تلك التي ينزفها وعي الإغتراب الذي اتم مشواره رواد الشعر العراقي الحديث مظفر النواب وشاكر السماوي وعزيز السماوي وطارق ياسيمن وعريان السيد خلف واسماعيل كاظم الكاطع وزهير الدجيلي وهاشم العقابي واسماعيل محمد اسماعيل وفالح حسون الدراجي !! معطف الحاج زاير مثل معطف كوكَول !! فقد طلع من معطف الحاج زاير اساطين الشعر الشعبي قارن الحاج زاير :

جم دوب أهج هاج ما جن الذرى ولفاي

امهجول ولا عاود الديرة هلي ولفاي

ما اطلب اديارهم طاري الفلا ولفاي

هايم بالوهاد من يوم النوو بالراح

مذهول مذعور حاير بس ادكَـ بالراح

جنة وجانوا وجان إلنه الهنا والراح

لا جنه جنه ولا جنهم كَبل ولفاي .

ان البحث عن شعرية الحاج زاير يحيلنا الى شعره كافة فهو كما قال جاك بيرك شكسبير الشعر الشعبي العراقي فأنت مثلا قبالة الصور الفنية المتدفقة الحارة والموسيقا التي تساعد المعنى على السطوع وتجمله فضلا عن ولعه باستعمال الحواس الى اقصى شحناتها !! وسنرى انه يستعمل حاسة مكان اخرى وهو ما يدعوه النقاد تراسل الحواس ! وسنرى انه يؤنسن النبات والحيوان والجماد بل ويؤنسن المجردات التي لا تتبع الحواس في سلوك يسمى الأنسنة أو التجسيد كما انه استعمل القناع واستثمر طاقات التناص بشكل مبهر حقا !!

دلالة الإغتراب :

يفاجأ الباحث في الأغتراب بحشد من المفهومات تأتلف تارة وتختلف أخرى وتتجاوز ثالثة وتنفتح على النظر التأسيسي رابعة !! نحن نحاول ايجاز دلالات الإغتراب في اطار الخلق الابداعي !! :

الإغتراب هو عشق التجديد / تغريب المتلقي وابقاؤه منفصلا حيث لا يحدث الإندماج الإنفعالي بالنص / الإغتراب عن الذات لحظة تشكيلها صورة للعالم / نقد الآخر الذي يعيش خارج الجلد / يجعل شيئا ما ملكا للآخر / إنعكاس لزيادة الوعي على السلوك والهيئة / شعور بخلل ما / نقص في المغترب يقابله اكتفاء او زيادة في الآخر / الإغتراب اسئلة غامضة بلا اجوبة / الإغتراب طغيان الحرية على منظومة استيعاب المبدع / فقدان الحرية نتيجة القناعات الفيزيقية او الميتا فيزيقية الجمالية والميتا جمالية / خوف من الموت او رغبة فيه / نهم للحياة اوزهد فيها !!.

يقول هيراقليدس : الإغتراب يعني البحث عن النفس !! يقول ريلكة : إننا لا نحس بالألفة بشكل وثيق في هذا العالم المضطرب والمبدعون الكبار هم على وجه التحديد رجال لا يمثلون غيرهم !! وقد امر غوته فيرتر بالإنتحار وهو بطل اول قصة كتبها !! اما صيحة فاوست لغوته فقد وردت في رواية ستيبان وولف لهيرمن هسه ( ثمة روحان يقطنان ويا للحسرة جسدي ويناضل كل روح منهما للتخلص من توأمه ) !! دانتي في الكوميديا الأ لهية عبر عن اغترابه ومرارته فأدخل اولئك الذين يحتقرهم في الجحيم رغم انهم يحتلون الصدارة في مجتمعهم !! اجاثا كريستي في جزيرة الموت سلطت القاضي لكي يقتل كل مجرم افلت من العقاب مستغلا ثغرة في القانون !! القاضي قتلهم كلهم ليتخلص من احساسه الفادح بالإغتراب وانه يعيش بين مجرمين لم يقدر القانون على إدانتهم / الإغتراب موت الصبر وانبعاث الحلم المستحيل / الحنين الى الماضي / النص المغترب عمل شاذ كتبه شاذ لمجتمع شاذ / الغربة عن الطبيعة والمجتمع والأصحاب والذات / جزء من تصاعد المبدع في معراج النمو / الإغتراب كامن في كل الأزمنة والأمكنة والحضارات ولكن تعبيراته المختلفة / للإستعمار اثر كبير في خلق الإغتراب عند المبدع / المبدع يشعر انه غريب عن ارضه وحضارته ولغته وذاته ويجد نفسه سلسلة من الإستلابات تبدا باستلاب الحرية / هو تمرد على المكان والزمان والأهل !! عنترة مرضت نفسه لشدة إحساسه بالأغتراب ولم يشفِ نفسه الا اعتراف الفوارس به :

ولقد شفى نفسي وابرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنترة اقدم

وامرؤ القيس قبل ان يلفظ انفاسه في انقره قال :

أجارتنا انا غريبان ها هنا وكل غريب للغريب نسيب

المتنبي العظيم :

ما مقامي بارض نخلة الا كمقام المسيح بين اليهود

أنا في امة تداركها الله غريب كصالح في ثمود

والجواهري العظيم في بريد الغربة :

لقد اسرى بي الأجل فبي من طوله ملل

وبي مما يخبيء لي غدٌ في طيه وجل

سلاما كله قبل كأن صميمها شعل

سلاما من غريب الدار عيت دونه السبل