رد جبران على رسالة مي ..
"ماألطف قول من قال :
ياميّ عيدك يوم ** وأنتِ عيد الزمان
ما أغرب ماتفعله كلمه واحد في بعض الأحيان , أنها تحوّل الذات الخفيه فينا من الكلام إلى السكوت .
. تقولين أنك تخافين الحب ! لماذا تخافينه ؟ أتخافين نور الشمس ؟ أتخافين مدّ البحر ؟ أتخافين طلوع
الفجر ؟ أتخافين مجيء الربيع ؟ لماذا ياترى تخافين الحب ؟
أنا أعلم أن القليل في الحب لايرضيكِ , كما أعلم أن القليل في الحب لايرضيني ,
أنتِ وأنا لا ولن نرضى بالقليل , نحن نريد الكمال ..الكثير , كل شيء !
لاتخافي الحب يارفيقة قلبي , علينا أن نستسلم إليه رغم مافيه من الألم والحنين
والوحشه , ورغم مافيه من الألتباس والحيره ..
جبران
ارتاحت مي لهذه اللهجه , وتشجعت على مداعبته في الحديث , والأفضاء إليه بخوالج نفسها
وهمومها .. كان همها أن يبقى جبران حبيبها الأوحد لتدوم تلك الشعله الزرقاء منهلاً للنعيم والنور في
حياتها . أضحت مي شديدة القلق على صحة جبران في سنوات عمره الأخيره كما يبدوا جلياً في
رسائله إليها ,وقد وصف جبران أسلوبها ورسائلها فقال انها
( كالنهر الرحيق الذي يتدفق من الأعالي ويسير مترنماً في وادي احلامي , بل كقيثارة التي تقرّب
البعيد وتُبعد القريب , وتحوّل بارتعاشاتها السحريه الحجاره إلى شعلات متقّده ,
والأغصان اليابسه إلى أجنحه مضطربه )
ربما يكو ن أهل مي وبعض المقربين منها قد أطلعوا على صلتها بجبران في حياتها ,ولكن المرجّح انها
كانت حريصه على اخفائها عن الناس جميعاً , وأبقتها سراً دفيناً في نفسها حتى ذلك اليوم الذي فجعت
بموته عام 1931م , فبعد انقضاء شهر على وفاته اعترفت ميّ لقرائها بوجود مراسله طويله بينها
وبين جبران وذلك في مقاله (جبران خليل جبران يصف نفسه في رسائله) ضمتها فقرات قصيره من
رسائله اليها , وعبرت عن حزنها العميق عليه مصّوره غربتها وغربته
في الوجود بعبارات موجعه قالت فيها
"حسناً فعلت بأن رحلت ! فاذا كان لديك كلمه أخرى فخير لك أن تصهرها وتثقفّها , وتطهرها
لتستوفيها في عالم ربما يفضل عالمنا هذا في أمور شتى..."
وفي ختام تلك القطعه الوجدانيه المؤثره الفائضه بالحب واللوعه واليأس , أعربت ميّ عن شوقها
للرحيل , ولكن مشيئة القدر فرض عليها ان تعيش بعد جبران عشر سنوات تقريباً كانت أسؤا مرحله
في حياتها , فقد أستبد بها الحزن ..وعاشت في غمرة الأحزان تمزّقها الوحده والوحشه بعد فقده ,
أصيبت بانهيار عصبي , تبعه انهيار في صحتها , فاعتزلت الناس , أرسلت الى قريب لها في بيروت
دكتور جوزيف زياده رساله مؤثره وصفت الآمها وتردّي صحتها , تلك المحنه قادتها الى لبنان موطنها
الأصلي وأدخلتها ظلماً الى مصح الأمراض العقليه مما طعنها في كرامتها ,وقضت ثلاث سنوات متنقله
بين ( العصفوريه ) كما يسمونه , ومصح دكتور بيريز وبين بيت متواضع , الى أن هبّوا اقاربائها
لأنقاذها , وعادت لى القاهره عاشت سنتين ونصف , الى أن ذوت شيئاً فشيئاً ,فتوفيت عام 1941م
وماهو جدير بالذكر ان مي عندما كانت في لبنان اصطحبت رسائل جبران معها , وكانت تلجاً اليها على
انفراد , حين يشفّها الوجد , وصوره لجبران كتبت بخطها الى جانب الصوره ...
( وهذه مصيبتي منذ أعوام )