جاء في معاني الأخبار باسناده عن أبي يعقوب البغدادي قال: ابن السكيت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: لماذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء والعصا والة السحر.. وبعث عيسى بالة الطب، وبعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالكلام والخطب..؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: ان الله تعالى لما بعث موسى عليه السلام كان الأغلب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله تعالى بما لم يكن عند القوم وفي وسعهم مثله..
وبما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم.. وان الله تعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الكثير من الأمراض.. واحتاج الناس الى الطب، فأتاهم من عند الله تعالى بما لم يكن عندهم مثله.. وبما أحيى لهم الموتى وابرأ الأكمه والأبرص باذن الله.. وأثبت به الحجة عليهم.. وان الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام والشعر، فأتاهم من كتاب الله من الموعظة والحكمة بما أبطل من قولهم، وأثبت به الحجة عليهم.
قال ابن السكيت: فما الحجة على الخلق اليوم..؟ فقال: العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه.. والكاذب على الله فيكذبه.. قال ابن السكيت: هذا و الله هو الجواب؟
ولعل قيمة هذا الحديث في الدلالة على ان قصة المعجزة، في نوعيتها، تنطلق من الواقع الثقافي الذي تتميز به الذهنية العامة للمجتمع الذي يرسل اليه النبي.. لكي تمثل النبوة قوة ثقافية غير عادية، تصدم هذا الواقع، لأن الوضع الطبيعي للثقافة العامة قد يجعل النبي شخصاً عادياً في النظرة الشعبية بحيث لايتميز عن الآخرين.. بل قد يتميزون عليه من ناحية اختصاصهم الذي يترك أثره على الناس، وفي ضوء ذلك فان المعجزة تمثل قمة التحدي لهذا الواقع.. وتشكل صدمة له من خلال المستوى الاعجازي الذي لايمكن صدوره من قدرات بشرية.. فيدل على علاقته الرسالية بالله.. ولكن ربما لاتحتاج النبوة الى المعجزة لعدم وجود التحدي الثقافي.. بل تكون رفضاً شعبياً لموقع النبوة.. بحيث تكون المعجزة وعدمها على حد سواء.. وهذا ما نلاحظه في كثير من حالات الأنبياء الذين لم يأتوا بالمعجزة، أو الذين جاءوا بها أخيراً كما في قصة نوح وابراهيم عليهما السلام.
وقد ذكر لنا القرآن الكريم معجزات كثيرة، أظهرها الله تعالى على يد عيسى عليه السلام، منها قوله تعالى: (اذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك اذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا.. واذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل.. واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني، فتنفخ فيها فتكون طيراً باذني.. وتبرئ الأكمه والأبرص باذني.. واذ تخرج الموتى باذني.. واذ كففت بني اسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم ان هذا الا سحر مبين) المائدة: 109-110.
(ويعلمه الكتاب والحكمة و التوراة والانجيل.. ورسولاً الى بني اسرائيل اني قد جئتكم بآية من ربكم.. اني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا@ باذن الله وابرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى باذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ان في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين) آل عمران 47-49، فالآيات تتحدث عن معجزات لعيسى عليه السلام، الأولى: تكلمه للناس في المهد.. والثانية تعلمه التوراة.. وكانت التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام قد اختفت تحت ركام التحويرات والتبديلات والتغييرات والتخريجات المتعاقبة لفقهاء اليهود.. الثالثة تصويره من الطين كهيئة الطير ثم النفخ فيه فيكون طيراً.. الرابعة احياه الموتى.. وقيل ان عيسى عليه السلام، أحيا أربعة، هم العازر، وابن العجوز، وابنة العاشر، وسام بن نوح..
فأولهم، كان صديقاً له.. فأرسلت أخته عيسى عليه السلام، ان أخاك العازر يموت.. وكان بينهما مسيرة ثلاثة أيام فأتى هو وأصحابه.. فوجدوه قد مات منذ ثلاثة أيام.. فقال لأخته: انطلقي بنا الى قبره.. فانطلقت معهم الى قبره.. فدعا الله تعالى: فقام وخرج من قبره.. وثانيهم، ابن العجوز، فانه مر به على عيسى ميتاً.. يحمل نعشه.. فدعا الله عيسى.. فجلس في نعشه.. ونزل عن أعناق حامليه.. ولبس ثيابه.. وحمل نعشه على كتفه ورجع الى أهله.. وثالثهم، ابنة العاشر، والعاشر هذا كان يأخذ عشور الأموال من الناس بالباطل.. ماتت له بنت بالأمس.. فأتى عيسى ودعى الله سبحانه، فأحياها.. وآخرهم، سام بن نوح فقد قال بنو اسرائيل لعيسى عليه السلام، انك تحيي من كان موته قريباً ولعلهم لم يكونوا قد ماتوا.. ولكنهم أصابتهم سكتة قلبية فأحيي لنا سام ابن نوح.. ودلوه على قبره.. فدعا الله سبحانه، فخرج سام من قبره.
يذكر البعض من المفسرين ان سام خرج من قبره.. وقد شاب نصف رأسه خوفاً من قيام الساعة.. وما كانوا يشيبون في ذلك الزمان فقال: قد قامت الساعة..؟ فقال له عيسى: لا.. ولكن دعوت الله فأحياك.. ثم قال له: مت.. فقال بشرط ان يعيذني الله من سكرات الموت فدعا الله ففعل.. و السادسة هي: اخباره عليه السلام بأمور غائبة عن حسه.. ولم يعانيها.. فقد كان ينبئ أصحابه وتلاميذه بما كانوا يأكلون ويدخرون في بيوتهم.. وهناك معجزة سابعة يذكرها القرآن الكريم في سورة المائدة: (اذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم: هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال اتقوا الله ان كنتم مؤمنين.. قالوا نريد أ، نأكل منها وتطمئن قلوبنا، ونعلم ان قد صدقتنا، ونكون عليها شاهدين.. قال عيسى ابن مريم: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا، وأية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين.. قال الله: اني منزلها عليكم، فمن يكفر بعد منكم، فاني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين) المائدة: 112-115.
وتليها معجزة رفعه من الأرض حين حاولت السلطات الحاكمة صلبه..
ان المعجزة هي الأمر الخارق..
الا انها لا تكفي وحدها للاقناع خاصة في طفولة البشرية.. فاقتضـــــــــــــت حكمة الله تعالى أن يجـــيء هـــــــــــــــــــذا الأمر الخــــــــــــــــــــــارق مناســــــــــــباً لزمانه.