لا يوجد سُمٌّ أفتك في حياة الشعوب من استخدام اللغة في صياغة جمل دخيلة ، وأفكار خبيثة مدسوسة ، تصاغ في قالب المَثَل ، وتدور على كلّ لسان ، في حالة أشبه بالبغاء اللغوي ،تنتج جملا وعبارات لقيطة ، لا يُعرف من صاغها ، ولكن تسمعها من كل إنسان ، وتبرز في كل مناسبة ، وتلمس بعد ذلك أثرها السيّء في المجتمع الغافل .
وأيّ أثر أسوأ من أن يلجم اللسان عن النّصح والنقد ، وهما الأمران اللذان لا بُدَّ منهما لتستقيم حياة الراعي والرعية ، فإذا نصح أحد أو انتقد وضعًا من أوضاع المجتمع قالوا:(إنه حامل السُّلم بالعَرْض).
وإذا لحقه أذى من جراء نصحه قالوا : (إنه تدخل فيما لا يعنيه) ، وكأنَّ أمر الناس لا يعني أحدًا .
وأي أثر أسوأ في المجتمع من أن يشجّع اللص والمحتال ، فإذا ظفر بغنيمته الحرام قالوا : ( حلال على الشاطر ) .
وأي أثر أسوأ من أن يرى الناس البلاء وقد عمَّهم فلا يرفع أحدهم رأسًا ولا صوتًا ؛ لأنَّ ( الموت مع الناس رحمة ) .
وأيّ زيف في الحياة وتربية على النفاق أكثر من أن يرى الناس ظالمًا لا يستطيعون الأخذ على يده ، ولا رفع الصوت لإنكار ظلمه ، فيطأطئون له الرؤوس قائلين: (اليد التي لا تقوى عليها قبّلها وادعُ عليها بالكسر ) .
لقد قبلوا المثل والمفاهيم ، فسمّوا المخادعَ ذكيًا ، والظالم قويًا ، ووصفوا طيّب القلب بالبلاهة ، ونظروا إلى الرجل المستقيم الذي لا يميل مع الهوى على أنه إنسان غير اجتماعي ، ورأوا في الرجل الصادق إنسانًا بعيدًا عن الكياسة والسياسة، وسمّوا الصريح وقحًا ، والوقح جريئًا ، والقائل بالحق
متهورًا .
وكان من جملة ما زيّفوا من أمر اللغة قولهم : ( الخطأ الشائع المشهور خيرٌ من الصواب المهجور ) ، فهذا السخف المأثور فِرْيَةٌ عجيبة ، لا ندري أول من قالها ، ولكنّا نحسبه أَخْطَأَ فَنُبِّهَ على الصواب ، فَتَفَتَّقَ خبثه عن هذا العذر القبيح ، وهو لو أخطأ في تقدير ماديّ من حقوقه ثمّ تبيّن وجه
مع تحياتي