الكآبة والسعادة.. وحيرتي بينهما!!
---------------------------------------------------------------------
الدكتور : عماد عطا البياتي
كانت إمرأة..
كئيبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، نظراتها وكلامها وشكواها وحتى ابتساماتها وضحكاتها القليلة كانت كئيبة جدا وبدرجة محيرة ومؤثرة جدا. ولقد اعطتني الطبيبة الأولى المشرفة على علاجها صورة مختصرة عن حالتها وأنها تعاني من مرض الكآبة المزمن، ونحن نمشي في الممر المؤدي إلى غرفة الفحص، ولكن ليس الخبر كالمعاينة كما ورد في الحديث الشريف .
جلسنا معها..
نصف ساعة تقريبا والطبيبة الأولى هي التي تفحص وتتكلم وتتحاور مع المريضة وأنا بجوارها أصغي وأتعلم وأتفكر. تركنا المريضة بعد ذلك وذهبنا إلى غرفة الطبيبة وجلسنا نناقش مرض الكآبة وطرق فحصه وتشخيصه وعلاجه.
ثم ذهبت..
إلى غرفتي وانشغلت بأعمالي الأخرى ثم عدت إلى البيت بعد انتهاء وقت العمل وتناولت الطعام مع العائلة وأثناء ذلك كله لم تغب صورة هذه المريضة عن بالي ولم أفتر عن التفكير بها وبحالتها، خاصة وأن الطبيبة الأولى أعطتني كتب ونشرات ومقالات طبية عن هذا المرض الشائع جدا في هذا البلد وأخبرتني بأنه ستمر علي حالات كثيرة من هذا النوع أثناء عملي هنا يجدر بي الاهتمام بها ومعالجتها.
ومن تأثري الشديد..
بهذه الحالة المرضية رحت أقارن بين حالتها وحالتي فقلت لنفسي: إن هذه المرأة تعاني من مرض نفسي وخيم ومزمن هو مرض الكآبة، ويجدر بي تعلم معالجة هكذا حالات مرضية، لكن.. هل أنا أستطيع ذلك، وأنجح في تحويل حال هؤلاء المرضى المساكين من الكآبة إلى السعادة؟ وما هي الكآبة، وما هي السعادة؟ وهل أنا كئيب أم سعيد؟.
تفكرت كثيرا..
في هذه المعاني، وأحسست بأني بدأت أغرق أوأتيه فيها دون الوصول إلى نجادة الإنقاذ أو إلى دليل على الطريق الصحيح المنجي. ثم بعد هدوء واسترخاء خطر لي أن اتّبع الذكر واسترشد بأهل العلم والذكر والاستنباط فهؤلاء الرجال المؤمنين الصديقين الربانيين سيشفقون على حالي بلا شك وسيرشدوني إلى طريق الهداية والإيمان بخصوص هذه الأفكار الشائكة المعقدة بالنسبة لي.
ذهبت..
لأسأل الأستاذ.. السعيد النوري السروري.. ففتح المكتوبات الإيمانية العظيمة وأخذ يقرأ لي بصوت رخيم يذيب الحجر الصم ويرققه:
".. فلا بدّ أن أسعد إنسان هو من:
لا ينسى الآخرة لأجل الدنيا..
ولا يضحي بآخرته للدنيا..
ولا يفسد حياته الأبدية لأجل حياة دنيوية..
ولا يهدر عمره بما لا يعنيه..
ينقاد للأوامر انقياد الضيف للمضيّف..
ليفتح باب القبر بالأمان..
ويدخل دار السعادة بسلام."
شكرته وأنا منذهل ومندهش من هذا المعنى الإيماني العالي الجميل للسعادة. (ملاحظة: هذه المحاورة واللقاء والتي بعدها هي بالطبع معنوية وليست مادية).
ثم طرقت..
باب العطاء الصدّيقي الربّاني فخرج علي رجل نوراني لم استطع رؤية ملامح وجهه من شدة النور والسرور، فقال لي قبل أن أسأله حكمة عظيمة ومدهشة جدا زادت من دهشتي وحيرتي، قال لي: "ماذا وجد من فقده وماذا فقد من وجده؟" ثم أغلق الباب.
أفقت بعد فترة ليست بالقصيرة من الذهول والاندهاش وأنا أحمل المعاني الإيمانية الرائعة التالية:
أذا أردت أن أحصل على السعادة الحقيقية الدائمة الباقية التي تنورني وتسرني في دنياي وتنجيني في قبري وترفعني وتعليني في آخرتي فعليّ أن أسلك طريق تثبيت الإيمان بصدق وإخلاص ومثابرة وذكاء وانتباه وفطنة، وعكس ذلك الغرق والضياع والتيه والكآبة والأهوال المهلكة المخزية في الدنيا والقبر والآخرة..
أعاذنا وأعاذكم الله من الكآبة المخزية المهلكة.. ورزقنا ورزقكم السعادة الحقيقية المنجية.