قادني حظي التعيس إلى باريس
وأنا كما تعلمون فلاَّحٌ من نسل فلاَّح
قضيتُ طفولتي بين الأدغال لم ألبس يوماً حذاءً ولا سروال
وحين عزمتُ على السَفَرْ وذاعَ في قريتي الخَبرْ
اِجتمعتْ نسوةُ القرية يندِبن فُراقي ويقلنَ زينُ الشباب ما لجرحهِ من راقي
وودعتني القبيلة بشلالٍ من الدموع ولبسوا السَّواد من بعدي أُسبوع
حتى إذا وصلنا المطار
دخلنا بطن دابةٍ كبيرة، أكبر حتى من مضافة شيخ العشيرة
فسألت ما هذه فقالوا ا لطائرة
وبعد فترةٍ قصيرة تحركت الدابة بسرعةٍ كبيرة
ثم ما دَرَيتُ إلا والأرضُ تغور والسماء تدور
والغيوم تلفحنا كأسراب الطيور فقلت هذا والله يوم النشور، هذا وربي يوم الحساب
وسيحشرني الله مع هؤلاء الأغراب، ثم أغمضتُ عينيا أنتظر الجحيم فسمعت صوتا أشبه بصوت الحريم
ففتحت عينيَّ على عجلْ وإذا بحوريةٍ تنظرُ إليَّ بِوَجَلْ
فقلتُ مُستغرباً : هل أنا في الجنة وأنت من الحور العين
قالت لا يا سيدي، أنت في الجو وأنا المضيفة نسرين
ثم سارت بنا الطائرة حتى هبطنا أرض العجم
وهناك رأيت ما لم تَرَهُ عينٌ أو يتحركُ بكتابته قلم
رأيت أبنيةً تكاد تُناطح السَحاب ونساءً يمشين في الشارع دون حجاب، كاسياتٍ
عارياتٍ لكن وربِّ الكعبة جميلات
ولاح لي من بعيدٍ صرحٌ عظيمٌ فقررت قصدهُ ولو كان وراء الجحيم، حتى إذا وصلت رأيت حوله جُموعاً غفيرة
يتزاحمون كالجياع على قصعةٍ صغيرة
فقلت أ كعبةٌ في بلاد الفرنجة ؟ سأطوف حولها فأحظى بأجرِ حِجَّة
وزاحمتُ القوم أُريد لثمَ الستار فتراءى لي شيخ عليه سِمة الوقار، يقف بهيبةٍ متكئاً إلى عمود، لا يمر أحَدٌ إلا ويعطيه نقود
فقلت هذا خادم البيتِ والله، فسألته أحجٌ أم عمرةٌ يا عماه
فنظر إليَّ بسُخطٍ وقال، أنا لست عمَّك وحجكَ غير مقبول
فهذا بُرجُ إيفل أيها المسطول
قرأت على روح إيفل الفاتحة
وقررت العودة إلى قريتي الكادحة
بعد هذه الزيارة الناجحة