لم يكن غريبا أن يحظى اسم زين الدين زيدان قائد المنتخب الفرنسي لكرة القدم بنصيب الاسد من هتافات وتشجيع الجماهير لدى سماع اسمه خلال الاعلان عن أسماء المنتخبين الفرنسي والايطالي في الاذاعة الداخلية للاستاد الاولمبي ببرلين مساء أمس الاحد قبل مباراة الفريقين في نهائي كأس العالم 2006 بإيطاليا.
وأدرك معظم المشجعين في استاد برلين والذين بلغوا حوالي 69 ألفا أنهم لم يحضروا إلى الاستاد ليشاهدوا نهائي كأس العالم 2006 من المدرجات فحسب وإنما حضروا لتوديع الاسطورة زيدان /34 عاما/ الذي يعده البعض أفضل لاعب في جيله.
وكان زيدان الذي خاض مساء أمس المباراة الدولية رقم 108 في مسيرته مع المنتخب الفرنسي أعلن قبل بداية البطولة الحالية أنها ستكون الاخيرة له في عالم الساحرة المستديرة سواء على المستوى الدولي أو على صعيد الاندية حيث سيعتزل اللعب نهائيا.
أما الشيء الغريب الذي أصاب الجميع في الاستاد الاولمبي ببرلين مساء أمس هو أن اللاعب ودع الملاعب ببطاقة حمراء أشهرها الحكم الارجنتيني أوراسيو إليزوندو في وجه النجم الفرنسي في الشوط الاضافي الثاني الذي لجأ إليه الفريقان بعد انتهاء الوقت الاصلي من المباراة بالتعادل 1/.1
وأشهر إليزوندو البطاقة الحمراء في وجه زيدان بعدما اعتدى الاخير على ماركو ماتيرازي مدافع المنتخب الايطالي لسبب غير مفهوم حيث شوهد زيدان وهو يستدير فجأة ويتجه إلى ماتيرازي الذي كان خلفه بخطوتين فقط ووجه ضربة قوية برأسه إلى صدر ماتيرازي الذي سقط على الارض.
ويرجح أن يكون ماتيرازي قد وجه إلى زيدان كلمات لم تلق قبولا لدى الاخير.
ولذلك لم يستطع زيدان أروع لاعب في تاريخ كرة القدم الفرنسية أن يرى فابيو جروسو لاعب المنتخب الايطالي وهو يسدد ضربة الترجيح الخامسة في شباك فابيان بارتيز ليقود منتخب إيطاليا إلى الفوز 5/3 بضربات الترجيح.
ولكن من المؤكد أن زيدان هذا اللاعب الزئبقي وبغض النظر عن واقعة الطرد قد أضاف إلى جماهير كرة القدم لحظة أخرى سحرية ستظل خالدة في الاذهان على مدار سنوات مقبلة.
وبعد مرور ست دقائق فقط على بداية المباراة منح الحكم الارجنتيني أوراسيو إليزوندو ضربة جزاء للمنتخب الفرنسي بعد أن أسقط ماتيرازي اللاعب الفرنسي فلوران مالودا داخل منطقة الجزاء في لعبة مثيرة للجدل.
وتقدم زيدان الفائز بلقب أفضل لاعب في العالم ثلاث مرات سابقة لتسديد الضربة حيث دفع من خلال التمويه الحارس الايطالي جانلويجي بوفون إلى التحرك في الاتجاه الاخر بعيدا عن المكان الذي لعب فيه زيدان الكرة بكل هدوء ولكنها ارتطمت بالعارضة ثم سقطت داخل المرمى متجاوزة خط المرمى بقليل.
وأشار الحكم باحتسابها هدفا وأظهرت الاعادة التلفزيونية صواب قرار الحكم.
ولم يكن هناك من يستطيع لعب ضربة الجزاء بهذا الشكل إلا من هو في خبرة زيدان الذي فعل بعدها كل شيء في كرة القدم على مدار شوطي الوقت الاصلي في المباراة وحتى طرده قبل نهاية الوقت الاضافي بعشر دقائق.
وكان زيدان سجل هدفين في مرمى المنتخب البرازيلي في نهائي كأس العالم 1998 بفرنسا ليقود المنتخب الفرنسي إلى الفوز 3/صفر في المباراة والتتويج بلقب كأس العالم للمرة الاولى في تاريخ فرنسا.
ورفعت ضربة الجزاء التي سددها زيدان رصيده من الاهداف في المباريات النهائية لكأس العالم إلى ثلاثة أهداف ولكنه في نفس الوقت أصبح رابع لاعب يتعرض للطرد في المباريات النهائية لكأس العالم.
وجسد زيدان المولود لاب جزائري من المهاجرين إلى فرنسا الجهود الفرنسية للدمج بين المواطنين والمهاجرين ومدى الفائدة العائدة على الفرق الرياضية من هذا الدمج حيث كان فوز الفريق بقيادة زيدان بكأس العالم عام 1998 ثم فوز الفريق بقيادته بلقب كأس الامم الاوروبية 2000 بهولندا وبلجيكا أفضل دعاية لمثل هذه العملية.
وبعد أن قاد زيدان المنتخب الفرنسي للفوز بكأس العالم قبل ثماني سنوات عرضت صورته على جانب قوس النصر بعد الفوز الشهير على البرازيل.
ورغم مطالبة الكثيرين لزيدان بالتراجع عن قرار اعتزال اللعب الدولي العام الماضي بعد عام من إعلان اعتزاله الدولي لقيادة الفريق وإنقاذه في التصفيات الاوروبية المؤهلة لنهائيات كأس العالم وهو ما فعله زيدان ما زال لهذا النجم الكبير العديد من المنتقدين في فرنسا.
واعتقد الكثيرون آنذاك أنه صار "عجوزا" ولا يمثل خطرا على الفرق المنافسة وأنه من الضروري على ريمون دومينيك المدير الفني للمنتخب الفرنسي أن ينظر إلى المستقبل أكثر من الانغماس في الماضي.
وأصيب هؤلاء المنتقدين بالسكتة عندما نجح المنتخب الفرنسي "الديوك الزرق" الذين عانوا في بداية البطولة بالتعادل مع سويسرا سلبيا ومع كوريا الجنوبية 1/1 في تحقيق الفوز في المباراة الثالثة على توجو 2/صفر والتأهل إلى الدور الثاني للبطولة مؤكدين بذلك تطور مستواهم من مباراة لاخرى.
ولكن مباراة الفريق في الدور الثاني (دور الستة عشر) كانت دليلا دامغا على السبب في أن يصبح زيدان أسطورة فرنسية في الملاعب الكروية حيث قدم اللاعب عرضا رائعا في هذه المباراة وقاد الفريق للفوز 3/1 على المنتخب الاسباني أحد المرشحين للفوز باللقب.
وسجل زيدان الهدف الثالث لفريقه في الوقت القاتل من المباراة ليقضي على أمل الماتادور الاسباني في تحقيق التعادل.
وأعلن زيدان بقوة عن نفسه مجددا عندما قاد المنتخب الفرنسي للفوز على المنتخب البرازيلي حامل اللقب ليطيح به من دور الثمانية للبطولة إثر تمريرة هادئة ومتقنة لعبها من ضربة حرة إلى زميله تييري هنري الذي لم يجد أدنى صعوبة في إيداعها المرمى ليفوز المنتخب الفرنسي 1/صفر ويتأهل إلى الدورؤ قبل النهائي.
وتجلى هدوء زيدان بشكل أكبر في المباراة التالية أمام المنتخب البرتغالي عندما سدد ضربة الجزاء التي جاء منها هدف المباراة الوحيد ليفوز الديك الفرنسي 1/صفر أيضا ويتأهل للنهائي أمام غيطاليا.
وفي المباراة النهائية سنحت الفرصة مجددا لزيدان ليسطر اسمه من جديد بحروف من ذهب عندما سجل هدف التقدم للمنتخب الفرنسي من ضربة جزاء في الدقيقة السادسة من المباراة ويقترب بفريقه من اللقب للمرة الثانية في التاريخ وهي الثانية خلال ثماني سنوات فقط.
ولكن الفريق الايطالي حقق التعادل لتستمر المنافسة قائمة على اللقب حتى نهاية الوقت الاصلي الذي انتهى بالتعادل 1/.1
وفي الوقت الاضافي سنحت الفرصة مجددا لزيدان حيث لعب ضربة رأس نموذجية اثر تمريرة عرضية من زميله ويلي سانيول من ناحية اليمين ولكن الحارس الايطالي جانلويجي بوفون برهن على جدارته بلقب أفضل حارس مرمى في البطولة وأطاح بالكرة إلى ضربة ركنية ليبدد آمال زيدان والديوك.
ولكن يبدو أن الجماهير لن تتذكر مسيرة زيدان "زيزو" في هذه البطولة بهذه اللعبة أو بأهدافه الثلاثة أو بالوصول للمباراة النهائية بقدر ما ستتذكره بواقعة الطرد بعد الاعتداء على ماتيرازي.
ومن المؤكد أن أعظم وداع للاعب كرة القدم هو خوض المباراة النهائية لكأس العالم التي يشاهدها أكثر من مليار مشجع حول العالم ولكن الوضع لم يكن كذلك بالنسبة لزيدان الذي ودع ملايين من مشجعيه عقب تصرف أبسط ما يقال عنه أنه "لحظة تهور أو ربما جنون".